فعالية حول واقع وتحديات جهود المساءلة بشأن الأسلحة الأوروبية في حرب اليمن
نظَّمَتْ "مواطنة لحقوق الإنسان"، بالشراكة مع المركز الأوروبي لحقوق الإنسان والحقوق الدستورية، بالتزامن مع الذكرى التاسعة لبَدءِ الحملة العسكرية للتحالف بقيادة السعودية والإمارات على اليمن، فعاليةً نقاشية حول الأسلحة الأوروبية والحرب في اليمن، والاستراتيجيات القانونية للتصدّي للإفلات من العقاب، شارك في الفعالية عبدالرشيد الفقيه– نائب رئيس منظمة مواطنة لحقوق الإنسان، والسيدة فرانشيسكا كانسيلارو– محامية شريكة في المركز الأوروبي لحقوق الإنسان والحقوق الدستورية، ولاورا دوارتي - مستشارة قانونية لبرنامج الأعمال التجارية وحقوق الإنسان في المركز الأوروبي لحقوق الإنسان والحقوق الدستورية، وخولة الرويشان من وحدة المساءلة والإنصاف بمنظمة مواطنة.
وأعربت فرانشيسكا كانسيلارو، عن سعادتها بالمشاركة والعمل إلى جانب منظمة "مواطنة"، التي قالت إنها تتمتع بأعلى معايير المهنية، كما تطرّقت إلى التحركات القانونية التي تم القيام بها مع مواطنة لحقوق الإنسان لتوثيق الانتهاكات التي طالت المدنيّين في اليمن، وتحديدًا فيما يخص القضايا المرفوعة ضدّ شركات الأسلحة الأوروبية، التي قامت بتصدير الأسلحة إلى التحالف العسكري بقيادة السعودية والإمارات في اليمن، والجهات المسؤولة عن إصدار التراخيص لهذه الشركات في عددٍ من الدول الأوروبية.
وأشارت كانسيلارو إلى أنّ التحرك القانوني الذي رافق هذا الملف كان منوطًا بالكثير من التحديات، حيث كان من الصعب تعقب تصدير الأسلحة من المنشأ حتى الاستخدام، بسبب ضعف المعلومات المتوفرة، "بالنسبة للتحرك القانوني، فقد عملنا على تمثيل الضحايا، وعملنا على مساءلة الأطراف، ونتيجة للتحقيق الذي قمنا به استطعنا أن نقدّم قضيّتين أمام المدعي العام في روما، وقد توقف التحقيق في فبراير/ شباط 2021، حيث رفض قاضي التحقيق الأوليّ العملَ أكثر على هذا الملف، كما تعذّر على المدعي العام مواصلة التحقيق الجزائي. وبعد خمس سنوات من التحقيق، قرّر القاضي في روما سنة 2023، غلق التحقيق بالشمع الأحمر"، لافتةً إلى أنّ تصدير هذه الأسلحة، بحسب القانون الإيطالي، يعد غير قانوني.
كما نوّهت إلى أنّ تلك العراقيل التي وقفت دون مواصلة العمل على الملف في القضاء الإيطالي، لم تضع حدًّا للجهود المبذولة في هذا الصدد، وقالت: "في شهر يوليو/ تموز 2023، قرّرنا أن نتوجّه إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ بفرنسا، وقمنا بتحرّك قانونيّ بالشراكة مع مواطنة، وتم التقدم بشكوى ضدّ إيطاليا لانتهاكها المادة الثانية من اتفاقية الاتجار بالأسلحة، وهذه الشكوى، تسمح للمحكمة في ستراسبورغ باتخاذ قرارٍ جسور، ويكرّس حقّ وصول الضحايا إلى العدالة؛ هذا التزامنا بصفتنا منظمة، لأنّ هناك فارقًا كبيرًا في تفسير هذا القانون قبل وبعد أن تقدَّمنا بالشكوى إلى المحكمة".
من جانبه، أكّد عبدالرشيد الفقيه، نائب رئيسة مواطنة لحقوق الإنسان، على أنّ أطراف النزاع في اليمن قد ارتكبت خلال السنوات التسع الماضية، جرائم حرب وفظاعات، منها جرائم ارتُكِبت بأحدث الأسلحة التي تُنتجها أوروبا والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وأخرى بأسلحة قديمة غير موجهة وعديمة التمييز (من بقايا أسلحة الحرب العالمية الثانية)، التي استُخدمت خلال الاشتباكات في غير منطقة يمنية.
مشيرًا إلى أنّه خلال السنوات الماضية تمّ البحث عن كل خيارات المساءلة في أوروبا وخارجها، وتم رفع عديدٍ من الملفات؛ منها ملفٌ أمام المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية، وهو الملف الذي لم يتحرك حتى الآن، وكذا ملف آخر أمام المدعي العام بفرنسا.
وقال الفقيه إنّ "هناك فجوات هائلة في التشريعات؛ القانون الدولي الإنساني متقادم لا يستوعب كثيرًا من التطورات في الصراعات الحديثة"، وأضاف: "وثقت مواطنة وحدها، من بدء عمليات التحالف في اليمن وحتى اليوم، ما يزيد على ألف هجمة جوية قتلت مدنيات ومدنيين واستهدفت أعيانًا مدنية، استهدفت الناس في منازلهم وفي الأسواق وفي المدارس والمستشفيات؛ حيث لا يوجد نوع من الأعيان المدنية لم تُستهدَف، مع ذلك لا يوجد أي إجراء حوسب به التحالف أو قياداته أو شركات الأسلحة، أو أي طرف من المسؤولين عن هذه الجرائم المروعة".
وأكّد الفقيه على أنّه "لو كان هناك مساءلة عن الانتهاكات التي ارتُكِبت في اليمن، لَمَا كنّا شاهدنا نفس الفظاعات تتكرر في أوكرانيا، ولَمَا شاهدنا نفس الفظاعات والجرائم تتكرّر في السودان، ولَمَا شاهدنا نفس الفظاعات والجرائم تُرتكَب بعد ذلك في قطاع غزة من قبل إسرائيل".
وأبدى الفقيه استغرابَه من الازدواجية التي يتم بها التعامل مع ملفات تجارة الأسلحة التي تُستخدَم لقتل المدنيين في اليمن وغيرها، وقال: "هناك تنافس على احتكار أدوات الموت والقتل؛ يعمل الغرب تحديدًا -حتى من خلال آليات الأمم المتحدة- على حظر مبيعات الأسلحة الإيرانية أو الكورية أو الروسية لأطراف الحرب، ولا يعمل بالمقابل على حظر مبيعات الأسلحة الأمريكية أو البريطانية أو الفرنسية! وكأنّ القتل بالأسلحة الأمريكية والغربية يعد أمرًا مُسلٍّ، على غرار ما يحدث في قطاع غزة والدعم المُطلق لإسرائيل في جرائمها المرتكبة ضد الفلسطينيين".
وأوضح الفقيه أنّ النظام الدولي الحالي، ضامنٌ للإفلات من العقاب، وهو يحرس مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، التي تُرتكَب خلال الصراعات وتشجع القيادات، مثل بوتين وبنيامين نتنياهو وكل المنتهِكين، على ارتكاب المزيد من انتهاكات حقوق الإنسان، وأستطيع القول إنّ الانتهاكات لا تُرتَكب فقط بالأسلحة التي تصدرها الدول الغربية، بل كذلك هناك غطاء من العمل السياسي والدبلوماسي والقانوني؛ وهناك مسؤوليات أبعد من مسألة تجارة الأسلحة.
كما أكّد على أنّ "هناك واجبات على الاتحاد الأوروبي -وعلى الفاعلين الدوليين الذين يزعمون باستمرار احترامَهم لمبادئ حقوق الإنسان ولمبادئ القانون الدولي الإنساني- أبعد من مسألة وقف تصدير الأسلحة، تتمثّل في دعم آلية تحقيق جنائية دولية ما تزال ملحّة من أجل التحقيق والمحاسبة في الجرائم المرتكَبة في اليمن، بغض النظر عن نوعية السلاح المستخدم في هذه الجرائم؛ وهناك مسؤولية لوضع عقوبات على المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن وفي أكثر من بلد".
وفيما يتعلق بخفض التصعيد في اليمن، قال الفقيه إنّه "حقّق مكاسب لصالح المدنيين خلال الشهور الماضية، ولكن للأسف ما تزال كثيرٌ من الانتهاكات تُرتكَب من جميع الأطراف، حيث ما يزال الوضع هشًّا للغاية ومعرضًا للانهيار في أيّ لحظة، وهذا ما لا نتمناه؛ لأنّ ملايين المدنيات والمدنيين يستحقون السلام والأمن والحماية من الانتهاكات جميعها".
في السياق ذاته، تطرقت لاورا دوارتي (مستشارة قانونية لبرنامج الأعمال التجارية وحقوق الإنسان في المركز الأوروبي لحقوق الإنسان والحقوق الدستورية)، إلى طبيعة الإجراءات القانونية والمسؤولية الجنائية للفاعلين في ارتكاب الجرائم بحق المدنيين في اليمن، مع الإشارة إلى طبيعة الجهود المبذولة في سياق مساءلة المتورطين.
وذكرتْ أنّه "من بين مئات الغارات الجوية التي وثقتها مواطنة وغيرها، قمنا بفرز 26 غارة جوية من الغارات الجوية التي قام التحالف الذي تقوده السعودية، بارتكابها، ويحتوي البلاغ على أدلة تُثبت أنّ هذه الغارات استهدفت مبانيَ سكنية ومدارس، ومستشفيات ومتاحف، ومواقع تراثية تاريخية، من دون وجود أهداف عسكرية فيها، ممّا يثبت نمط الانتهاك الذي يشنّه التحالف، والذي يتميز بالعشوائية ويستهدف المدنيّين والأعيان المدنية".
وأوضحت دوارتي أن قرابة نصف الغارات الجوية التي قام بها التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات، منذ بدء عملياته العسكرية في اليمن في مارس/ آذار 2015، كانت باستخدام أسلحة أوروبية، مشيرةً إلى أنّ "هناك سمة دولية عابرة للحدود لهذه القضية، وهذا يجسّد بالفعل تعقيد هذه القضية، ونحتاج إلى الاسترشاد بالقانون الدولي؛ لذا توجهنا إلى المحكمة الجنائية الدولية، بصفتها المحكمة ذات الطابع الدولي. وسنواصل العمل من أجل تحقيق العدالة في اليمن".
من جهتها، استعرضت خولة الرويشان، حيثيات تأثير الحرب الإسرائيلية على غزة، على الوضع في اليمن وفرص السلام، وقد أجملتها في ثلاثة جوانب رئيسية: "أولها تأثير تلك الحرب على غزة، على الاقتصاد العالمي، ومنها تراجع التمويلات الدولية للمنح الموجهة إلى اليمن كونه بلدًا يشهد أحد أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، بما ينعكس على حجم المساعدات الإنسانية التي يعتمد عليها قرابة ثلثي السكان في اليمن، إلى جانب ارتفاع أسعار النقل والوقود، الذي سيكون له تأثير على ارتفاع الأسعار بما يحدّ من قدرة اليمنيين على الحصول على الغذاء والرعاية الصحية وغيرها من الخدمات. والتأثير الثاني، يتمثّل في دخول جماعة أنصار الله (الحوثيين) بصفتها واحدًا من أطراف النزاع الرئيسية على خط الصراع، بشن عمليات ضد السفن التي لها علاقة بإسرائيل في البحر الأحمر، إضافة إلى الهجمات الأمريكية والبريطانية على عددٍ من المواقع اليمنية تحت مبرر ردع جماعة أنصار الله (الحوثيين)، وتأمين الملاحة الدولية؛ وذلك من شأنه تقويض السلام في اليمن، والتسبّب في مزيد من الانتهاكات، وإطالة أمد النزاع، وربما عودته إلى مراحله الأولى، وتوسيع دائرته ليشمل المنطقة والإقليم.
ونظرًا لمركزية القضية الفلسطينية لدى اليمنيين، فإنّ ذلك سيكون فرصة للتحشيد والتجنيد للمزيد في جماعة أنصار الله (الحوثيين)، بما في ذلك تجنيد الأطفال دون سن الثامنة عشرة، وقد شهدت المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة ارتفاعًا في معدل التجنيد منذ السابع من أكتوبر 2023.
الجانب الثالث، يتعلق بإعادة تصنيف جماعة أنصار الله (الحوثيين)، جماعةً إرهابية، وهو ما قد يُحبط إمكانية التفاوض مع الجماعة، الأمر الذي قد يهدّد تقويض جهود السلام التي ترعاها الأمم المتحدة؛ نتيجة لتوقف المفاوضات قبل التوصل إلى حلول نهائية؛ ما سينعكس على الحياة المعيشية للسكان، نتيجة للحظر الذي قد يُفرض على التحويلات الدولية والقيود على البضائع والمساعدات الإنسانية، والحقيقة أنّ هذا التأثير كارثي بالنسبة للسكان في اليمن، بينما لا يؤثر على جماعة أنصار الله (الحوثيين)، أو على وضعها.
وأكّدت الرويشان "أنّ هجمات الحوثيين على السفن مسألة مرتبطة بالوضع في غزة، وأنّ الحل الوحيد لإنهاء هذه المشكلة ستكون بالتعامل مع هذا الملف على هذا الأساس، وأي معالجات ستتناول هذا الملف بمنأى عن ملف غزة ستكون بلا جدوى".