من "الصالة الكبرى" إلى الضياع الكبير

التيه في زحمة الأسئلة

November 12, 2024

حسين الهادي (55 سنة)، شيخ قبلي من مديرية خولان الطيال، محافظة صنعاء. كان الشيخ حسين الهادي أحد الذين وفدوا لأداء واجب العزاء لـ لأسرة "الرويشان"، في قاعة "الصالة الكبرى" جنوب صنعاء. كان ذلك في مساء يوم السبت 8 أكتوبر/تشرين الأول 2016، هو اليوم نفسه الذي تعرضت فيه الصالة الكبرى للقصف من قبل طيران التحالف بقيادة السعودية والإمارات، وكان حسين أحد المصابين حينها.

بعد وقوع الحادثة، تروي عبير الهادي (ابنة الضحية) أن الأسرة بدأت بالبحث عنه، وعندما وصلوا إلى موقع القصف، أخبرهم الموجودون أن والدهم قد نُقل إلى المستشفى الألماني الحديث، فتوجهوا فورًا إلى هناك، حيث التقوا بالطبيبة المعالجة التي طمأنتهم بأن والدهم في حالة جيدة، وأنه يعاني فقط من إصابات طفيفة، وأضافت: "أصدقاؤه أتوا وأخذوه".

تفاجأت الأسرة بذلك النبأ، وطلبت مراجعة تسجيلات كاميرات المراقبة في المستشفى، ليكتشفوا أن والدهم قد تعرض للاختطاف. حينذاك لم تكن الأسرة على علم بمن اختطفه أو أين تم نقله.

وفقًا لشهادة ابنة الضحية، تلقت الأسرة لاحقًا معلومات تفيد بأن والدهم محتجز في السجن المركزي بعمران، الخاضع لسيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين). كان ذلك في 22 أكتوبر 2016، أي بعد 14 يومًا من إصابته في حادثة القصف على الصالة الكبرى بصنعاء.

توجّه أفرادٌ من الأسرة إلى السجن على أمل رؤيته. وعند وصولهم، أبلغهم مدير السجن أن والدهم محتجز على ذمة قضية استهداف الصالة الكبرى لكنه ممنوع من الزيارة.

كانت الأسرة تشعر بالقلق الشديد على صحته، لكن مدير السجن أكد لهم أن حالته الصحية جيدة وأنه قد تماثل للشفاء. عادوا إلى صنعاء دون أن يتمكنوا من زيارته، وعقدوا اجتماعًا في منزل الشيخ عبد الصمد دويد، الذي اتصل بدوره بمدير السجن، حيث أكد الأخير أن الضحية موجود لديهم وأنه سيتم السماح لهم بزيارته.

في اليوم التالي، توجه عدد من أبناء قبيلة بني شداد لزيارة الضحية في السجن المركزي بعمران، ولكن المفاجأة كانت أن مدير السجن أنكر وجوده تمامًا، ورفض السماح لهم بالزيارة، مُتنصلًا من وعده السابق لأسرة الضحية بالسماح بزيارته.

في عام 2017، وبعد مرور سبعة أشهر على اختفائه القسري، استمرت الأسرة في جهودها المتواصلة وتمكنت من الحصول على مذكرة من النيابة الجزائية المتخصصة تُوجه إلى جهاز الأمن السياسي آنذاك (جهاز الأمن والمخابرات حاليًا) للسماح لهم بزيارته. إلا أن جهاز الأمن السياسي أنكر وجوده لديهم.

لم تيأس أسرة الضحية واستمرت في متابعة القضية؛ طرقت كل الأبواب، وفي عام 2020 قدَّمت مُذكِّرة إلى النائب العام السابق تطالب بالكشف عن مصيره.  غير أن مدير مكتب النائب العام رفض إدخال الأسرة لمقابلة النائب العام، وأبلغهم بأن والدهم محتجز في الأمن القومي، بعد ذلك، تدخلت المفوضية السامية لحقوق الإنسان، حيث تواصلت مع مدير مكتب النائب العام لترتيب لقاء للأسرة معه. بالفعل تم اللقاء بالنائب العام، لكن وفقًا لابنة المختفي قسرًا، لم يقدم لهم النائب العام أي معلومات مفيدة.

وجهت الأسرة مطالبات إلى عدة جهات أمنية خلال عام 2023 لمعرفة مصير والدهم، لكن جميع الردود أفادت بعدم وجوده لديهم.

تواصلت الأسرة مع أحد أعضاء "المجلس السياسي الأعلى"، الذي أخبرهم أن قضية والدهم قد وصلت إلى مكتب عبد الملك الحوثي. لاحقًا، تلقت الأسرة اتصالًا من مكتب رئاسة الوزراء يُبلغهم بأن مكتب عبد الملك الحوثي قد تواصل معهم وأوصى بالتوجه إلى مسؤول في الداخلية لمتابعة القضية.

إلا أن الأسرة لم تتمكن من الوصول إلى ذلك المسؤول، وخلال زيارة أخرى إلى مكتب عضو المجلس السياسي (الذي تواصلت به أسرة الضحية في المرة السابقة) أفاد أن هناك توجيهات من مكتب عبد الملك الحوثي بالإفراج عن والدهم، لكن ذلك لم يحدث حتى الآن.

في تلك الفترة، تشير عبير إلى أن أحد أصدقاء أخيها الأصغر تواصل معه، ونصحه بالتوجه إلى شخص يدعى "م . ش" لمتابعة قضية والده. وعندما ذهب أخوها إلى ذلك الشخص وأخبره بالقضية، أفاد أن هناك جثتين من ضحايا القاعة الكبرى، وأنه يتوجب على أخيها إجراء فحص DNA، ورغم رفض أخيها الاستجابة لإجراء الفحص، إلا أن الأول أصر على ذلك، بمبرر أن التوجيه بعمل الفحص جاء بطلبٍ مسؤول رفيع في وزارة الداخلية. مع ذلك، رفضت الاسرة القيام بإجراء الفحص، لأنها كانت مقتنعة أن والدهم بخير، وأنه تم اختفاؤه قسرًا.  

تتساءل عبير: "لماذا بعد مرور سبع سنوات على الحادثة، يطلب المسؤول الرفيع في وزارة الداخلية إجراء فحص DNA رغم علمه بالقضية منذ يوم الحادثة؟".

وفقًا لابنة الضحية، فإن ما يزيدهم ثقة بأن والدهم لا يزال على قيد الحياة هو سماع صوته في تسجيل مصور بثته قناة المسيرة، حيث نادى ابن عمهم ثلاث مرات، كما أن هاتف والدهم كان يستقبل الرسائل التي أرسلتها الأسرة لمدة ثلاثة أشهر بعد اختفائه.

عانت الأسرة كثيرًا في متابعة قضية حسين الهادي، المختفي قسريًا. فعلى الرغم من الفاجعة التي أصابتهم جراء حادثة قصف الصالة الكبرى، وتفاؤلهم بأن والدهم بخير، إلا أنهم صُدموا بعملية اختفائه القسري منذ ذلك الوقت.

حتى الآن ما تزال أسرة المختفي قسرًا حسين الهادي، تائهة في زحمة الأسئلة، وتواتر المعاناة، خصوصًا أن الضحية كان المعيل الوحيد لأسرة المكونة من سبعة أنباء (خمس بنات وولدين)، اثنتان من بناته يعانين من إعاقات ذهنية وحركية. كل ذلك جعل الأسرة الآن تعيش أوضاعًا مادية ونفسية صعبة للغاية، وكل أمنيات أبنائه وبناته أن يروا أباهم بخير ويلتئم شملهم به من جديد.

يتوجب على جماعة أنصار الله (الحوثيين)،  الكشف عن مصير جميع المختفيين قسراً ، وإنهاء جريمة الاختفاء القسري التي لا زالت تطال أسر وأحبه الضحايا ، والإفراج عنهم ، وجبر ضررهم وإنصافهم، وإنهاء جرائم الاختفاء القسري الأخرى في كافة المناطق الخاضعة لسيطرتهم.