يجب على جهود إيقاف الحرب أن تضع مسائل حقوق الإنسانية كأولوية مُلحة
تتابع مواطنة لحقوق الإنسان التطورات الجديدة في الأزمة اليمنية. وإنها إذ ترحب بكل المساعي الدبلوماسية، ومن ذلك زيارة السفير السعودي إلى صنعاء، وتعتبر هذا الخرق مهمًا في الطريق إلى السلام، تشدد على أخذ المسألة الحقوقية في الاعتبار، عند الحديث عن أي تسوية سياسية.
من أوقات طويلة وعملنا يرتكز على معطى أن الحلول العسكرية للأزمات فاشل بالضرورة، وأن الحوار هو السبيل الأنجع لتجنيب هذا البلد مزيد من الكوارث.
والآن، لم يفت الوقت بعد. هناك الكثير من الملفات الإنسانية، لا يمكن القفز عليها عند النظر إلى المصالح الذاتية، وتقاسم النفوذ السياسي. وقد خبرنا في أوقات سابقة، كيف أن الحديث عن المصلحة العامة يتضاءل، عند فُرص التسويات واقتسام الكعكة التي من شأنها قامت الحرب ولم تقعد.
فبالقدر الذي نشجع فيه جميع الأطراف الانخراط في حوار بناء لإيقاف الحرب إيقافًا شاملًا، نشّجعهم أيضًا على وضع معالجات جادة وسريعة للأزمة الإنسانية التي خلفوها ورائهم. هناك آلاف اليمنيين، حرموا من مصدر رزقهم، المتمثل في راتب الوظيفة الحكومية منذ خريف العام 2016، هؤلاء لم يعد بإمكانهم الانتظار أكثر. إنهم يصنفون الآن في المؤشرات الدولية ضمن الجوعى، وإن أي تأخير في انتشالهم من هذا الحضيض الاقتصادي، يؤشر على أن هناك قصدية، في الإبقاء على وضعهم بما يخدم استمرار الحرب.
يأتي ملف المُحتجزين والمختفين قسريًا، كواحد من أوليات نداءاتنا العاجلة. ففي غمرة التحريض والاستقطابات الحادة وانتهاج روح العدوانية والتخوين في الخطاب، وقع في شراك الأطراف، مئات من المدنيين والمدنيات اليمنيين، ولا يزالون وذويهم يعانون الأمرين. وبالقدر الذي نرحب فيه بالمساعي الأممية للإفراج عن دفعة كبيرة من المحتجزين، في صفقة لتبادل الأسرى، نرى أن مساعي السلام الأخيرة فرصة، لتعبيد هذا الطريق بالإفراج الكامل وغير المشروط عن كل المُحتجزين لدى الأطراف، وأكثر من ذلك، الكشف عن مصير آخرين لا يزالون يصنفون تحت يافطة المختفيين قسريًا.
الطرق والمنافذ، وحق اليمنيين في الوصول، أولوية كبيرة أيضًا. فمن خلال عملنا، ومعيشتنا عن قرب، يعطي هذا الملف مؤشرًا واضحًا عن مدى جدية الأطراف في تقديم تنازلات لأجل الغالبية العظمى من الناس. إن إجبار الناس على اتخاذ مسارات طويلة في التنقل والسفر، بدا وكأنه عقاب جماعي، يدخل تحت جرائم الحرب. نفس الأمر يتعلق بإغلاق المنافذ الدولية والمطارات والموانئ اليمنية، ومنع البضائع والسلع الأساسية من الوصول، إذ أنه يدفع الكلفة الكبرى في كل هذا، المدنيون العُزل. وهم أصحاب المصلحة الفضلى في إنهاء كل القيود، وعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الـ21 من سبتمبر/ أيلول 2014.
نتطلع أيضًا، لأن يتم إيلاء موضوع الألغام وبقايا الأسلحة المتفجرة أولوية. إن كشف أطراف الحرب عن خرائطها الحربية، من شأنه أن يزيح أجسام الموت هذه، من طريق آلاف الأسر النازحة، التي سيقدّر لها العودة إلى ديارها، عوضًا عن الكلفة الاقتصادية التي يتسبب بها هذا النوع من الأسلحة، مع إدراكنا أن المجتمع الريفي اليمني يعتمد في معيشته على الزراعة والرعي.
إن النظر إلى الأزمة القائمة، على أنها سياسية بدرجة رئيسية، أو إنها تخص مجموعات فوقية متنازعة على السلطة والثروة، هو في صميم النظرة القاصرة التي جعلت من الأزمات اليمنية، دوائر مفرغة لا تنتهي إلى سبيل. ويكفي العودة إلى ما قبل أكثر من عشر سنوات، لرؤية كيف تصاعدت هذه الأزمة، وبالتحديد عندما اندلعت الانتفاضة الشعبية في 2011، للمطالبة بإصلاحات أوسع في البنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية. ولذا على أي اتفاق لتقاسم الحكم، ألا يغفل هذه المسألة، كي لا تعود الأوضاع إلى نقطة الصفر مجددًا.
أيضًا لا يمكن الحديث عن مستقبل البلد، دون وضع المسألة الديمقراطية وحق الناس في اتخاذ القرار، في اعتبار أي مرحلة انتقالية. إن اليمن، بلد متنوع وحيوي، ومن المهم أن ينعكس ذلك على صيغة الحكم، وعلى أن يكون التمثيل عادلًا وشاملًا، ويبدد مخاوف الجميع، ومعه تنتفي عقلية الإقصاء أو المصادرة أو السطو على السلطة بالقوة.
أكثر من 12 سنة، كافية لدعم منظومة عدالة انتقالية، لا تسقط حق الضحايا المدنيين في المساءلة والإنصاف. إن تبني أي شكل من أشكال الحصانة، لن يجبر الكسر، ولن يحقق السلام المستدام. لقد خلقت هذه الهوة، بونًا شاسعًا بين اليمنيين أيضًا، وأضرت ضررًا بالغًا بنسيجهم الاجتماعي، ما يحتم ترشيد الخطاب، ونبذ سلوك الكراهية والاستعلاء، واسقاط التمييز القائم على أساس النوع أو الجنس.
ولا ننسى الحق الطبيعي والمُكتسب للمرأة اليمنية في العيش بكرامة. إن سنوات من النضال من أجل المساواة والتمكين، سقطت على حين غرة من دوي الصواريخ وأصوات القنابل، ليتخذ الخطاب الراديكالي الكاره للنساء مكانه مرة أخرى في قلب الأزمة.
نجدد تشجيعنا لكل الأطراف محلية أو إقليمية أو دولية، للانخراط في الحوار، وبناء الثقة فيما بينها، وندعو إلى توسيع هذا الحوار ليشمل المكونات السياسية والاجتماعية كافة، وأن لا يشمل فقط حملة البنادق والواقفين خلف متاريسهم. ونبارك للأسر اليمنية التي حظيت أخيرًا بفرصة رؤية أبنائها وذويها إلى جانبها بعد سنوات من التغييب والحرمان.