اليمن بحاجة ماسة إلى تبني خطاب يُعزز التعايش والسلم الإجتماعي
قالت مواطنة لحقوق الإنسان، في بيان لها تزامنًا مع اليوم العالمي لمكافحة خطاب الكراهية (18 يونيو/ حزيران)، إن أطراف النزاع في اليمن تورطت -خلال سنوات النزاع- في تبني خطاب الكراهية وشيطنة الخصوم والتحريض على العنف الذي يستهدف الأفراد والجماعات بناءً على: العرق، الانتماء الديني، الرأي السياسي، الانتماء المناطقي.. إلخ، على نحو ساهم في إذكاء دوافع التنكيل بالأفراد والجماعات من المناوئين أو الخصوم، وتأجيج الانقسام المجتمعي، في حين كانت اليمن بحاجة ماسة إلى تبني خطاب يُعزز التعايش والسلم الإجتماعي.
وقد وثقت مواطنة لحقوق الإنسان، على امتداد سنوات الحرب، المئات من وقائع الاحتجاز التعسفي، والاختفاء القسري، والتعذيب، والقتل، وتقييد حرية التنقل، طالت جماعات وأفراد، ممن عملت أطراف النزاع في اليمن على التحريض ضدهم عبر تأجيج خطاب الكراهية في مواجهتهم، كالبهائيين، واليهود اليمنيين، الصحفيين، النساء، الأقليات الدينية، المناوئين السياسيين، المهاجرين، ومواطنيين من خلفيات اجتماعية وأسرية بعينها.
وقال عبد الرشيد الفقيه، نائب رئيسة مواطنة لحقوق الإنسان: "دأبت مختلف أطراف النزاع في اليمن على استخدام خطاب الكراهية لتحقيق مكاسب سياسية، وتأجيج الخوف والانقسامات المجتمعية والتحريض على العنف، الذي تسبب في ارتكاب عدد مهول من انتهاكات حقوق الإنسان، وأسفر عنه وقوع آلاف الضحايا من المدنيين اليمنيين، بسبب خطابات الكراهية المُنفلتة".
وأكد الفقيه أن خطاب الكراهية يمثل "خطرًا جسيمًا على تنوع المجتمعات، وعلى السلم العام، والتعايش، وعلى سيادة القانون والحريات وحقوق الإنسان، ولاسيما حين تصبح الدعوة إلى الكراهية خطابًا سياسيًا تستخدمه السلطات الحاكمة في نشر ايديولوجيتها الانقسامية والاستبدادية".
المناوئون السياسيون
ساهم ازدهار خطاب الكراهية المتبادلة بين أطراف النزاع المختلفة في اليمن، في تشجيع جميع أطراف النزاع على ارتكاب جرائم مختلفة لتنكيل بخصومها من المناوئين السياسيين، أهمها: الاختفاء القسري، الاحتجاز التعسفي، التعذيب، والقتل، كما تأجج خطاب الكراهية ضد الأحزاب السياسية في اليمن، مما ساهم في القضاء على التعددية السياسية في البلاد، كما وصل الأمر بالأطراف المتنازعة إلى تجريم وتخوين المناوئين السياسيين لها، واخضعت عددًا منهم لمحاكمات غير عادلة ووفق إجراءات غير قانونية تضمنت إلصاق تهم باطلة بهم، بهدف إصدار أحكام إعدام بحقهم.
بالترافق مع بث خطابات الشحن والكراهية، عملت مختلف أطراف النزاع في اليمن على تهميش المعارضة في المناطق الخاضعة لسيطرتها وتجريمها، فقد تجزَّأت المناطق اليمنية إلى مناطق سياسية بعد النزاع، وضيَّقت أطراف النزاع على ما تبقى من هامش الحريات السياسية.
الإنتماء العرقي واللقب العائلي
بالإضافة إلى العشرات من حملات التحريض والتشهير على أساس الانتماء العرقي واللقب العائلي، فقد عمدت مختلف الأطراف منذ بدء النزاع في اليمن، إلى تأجيج خطاب الكراهية المجتمعي، بناءً على اللقب العائلي والانتماء العرقي للأفراد، والذي كان سببًا في قيام أطراف النزاع بارتكاب انتهاكات مختلفة كالاحتجاز التعسفي، والاختفاء القسري، والتعذيب، والتصنيف والتجريم بناءً على اللقب العائلي والإنتماء العرقي، حيث شهدت المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دولياً مثل مأرب، انتهاكات واسعة، طالت المئات من المدنيين بسبب ألقاب عائلاتهم، على افتراض انتماء هذه الأسرة أو تلك إلى جماعة أنصار الله (الحوثيين)، وفي المقابل، تعرض عدد من المدنيين لانتهاكات في مناطق سيطرة جماعة الحوثي بسبب ألقاب عائلاتهم على افتراض أنهم ينتمون إلى أسر تنتمي لأحزاب مناوئة للجماعة أو ارتبط اسمها بجماعة دينية معينة.
الحريات الصحفية
دأبت مختلف أطراف النزاع في اليمن على استخدام خطاب الكراهية في التحريض ضد الصحفيين، إلى جانب التنكيل، والتخويف والقمع للحريات الصحفية، فقد تعرض الصحفيون في اليمن منذ بدء النزاع إلى جملة من الانتهاكات أبرزها: الاحتجاز التعسفي، الاختفاء القسري، التعذيب، بالإضافة إلى قيام جماعة أنصار الله (الحوثيين) بإصدار أحكام إعدام في حق عدد من الصحفيين، كما عمِدتْ مختلف أطراف النزاع إلى السيطرة على وسائل الإعلام المحلية، وحرف بوصلتها المهنية نحو ما يخدم مصالحها السياسية والتحريض على الخصوم ونشر خطاب الكراهية ضد الصحفيين والصحافة المستقلة.
النساء
عمِدتْ أطراف النزاع في اليمن، وخاصة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، على تقويض حقوق النساء وحريتهن مستخدمة خطاب الكراهية من قبيل التحريض المباشر والترويع وخلق توتر مجتمعي في مواجهه النساء في مناطق نفوذها، حيث شددت جماعة أنصار الله (الحوثيين) في تقييد حرية النساء، وفرضت وجود "المحرم" كشرط لسفر المرأة، ومنعت النساء من الوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية، بالإضافة إلى المضايقات المستمرة التي تتعرض لها النساء في المقاهي والأماكن العامة والمعاهد والمؤسسات التعليمية. كما فرضت فصل النساء عن الرجال في الجامعات الحكومية، وركزت منابر المساجد في نشر خطاب الكراهية ضد النساء اليمنيات، بل وصل الأمر إلى استخدام جدران الشوارع العامة في المحافظات الخاضعة لسيطرتها كمساحات لكتابة عبارات تحريضية ضد المرأة.
الأقليات الدينية
لقد تعرضت الأقليات الدينية في اليمن إلى عدد من الانتهاكات التي طالت كرامتهم وحرياتهم، فقد تعرض البهائيون في اليمن، إلى انتهاكات من قبل جماعة أنصار الله (الحوثيين)، أبرزها الاحتجاز التعسفي، والاختفاء القسري، والتهجير، كما صدرت بحق بعض أفراد الجماعة البهائية في اليمن أحكام إعدام عن المحكمة الجزائية المتخصصة في صنعاء في ظل محاكمات غير عادلة وإجراءات غير قانونية، كما تعمَّدت سلطات جماعة أنصار الله (الحوثيين) استخدام الخطاب الديني في تأجيج الكراهية ضد البهائيين.
في حين واجه أتباع الديانة اليهودية، لانتهاكات منها التهجير، ومصادرة الممتلكات، والاختفاء القسري، حيث لا يزال المواطن اليمني اليهودي، ليبي المرحبي، رهن الاحتجاز لدى جماعة أنصار الله (الحوثيين) منذ العام 2016، على الرغم من انقضاء فترة عقوبته، إلا أن الجماعة ما تزال تتعنت في الافراج عنه أو الكشف عن مصيره بسبب ديانته.
المهاجرون
كانت مواطنة قد أصدرت تقريرًا بعنوان "ترانزيت الجحيم" يوثق انتهاكات كافة أطراف النزاع في اليمن، التي طالت المهاجرين الأفارقة، خلال عبورهم الأراضي اليمنية، مثل: القتل والتشوية، والاحتجاز التعسفي، والتعذيب، وغيره من ضروب المعاملة اللاإنسانية والمهينة كالاختفاء القسري، والتجنيد، والاعتداء والاستغلال الجنسيين، والترحيل القسري، والابتزاز، تورطت بارتكابها مختلف الأطراف، بما في ذلك وحدات حرس الحدود السعودي، وقوات التحالف بقيادة السعودية والإمارات، وجماعة أنصار الله (الحوثيين)، وتشكيلات المجلس الانتقالي الجنوبي، وقوات وتشكيلات الحكومة المعترف بها دوليًّا، وعصابات التهريب والاتجار بالبشر.
وقد عمدتْ هذه الأطراف على استخدام خطاب الكراهية في تهميش المهاجرين والتحريض ضدهم، وفي تشويه صورتهم المجتمعية وتغذية سلوك العنف ضد المهاجرين، كما ساهمت الأزمة الإنسانية التي تسببت بها الحرب وضيق أحوال المعيشة الاقتصادية في اليمن، لتوليد خطاب الكراهية في مواجه المهاجرين، بزعم تشكِيلهم لحمل إضافي على الأوضاع الاقتصادية في اليمن.
تدعو مواطنة لحقوق الإنسان أطراف النزاع إلى وقف خطاب الكراهية، وتبني خطاب يُعزز التعايش السلمي مع كافة أفراد المجتمع، وإلى تحييد المجتمع اليمني عن النزاعات والصراعات، كما تشدد على أهمية تجنيب المدنيين اليمنيين كافة الانتهاكات التي قد تطالهم نتيجةً لخطاب الكراهية الذي اججته هذه الأطراف لتحقيق مآرب سياسية خاصة من ورائه.
كما تدعو "مواطنة" المجتمع المدني واليمنيين إلى مواجهة خطاب الكراهية، وإلى التمييز بين حرية التعبير وخطاب الكراهية الذي قد يسبب الأذى للآخرين، والسعي إلى المساندة المجتمعية في مواجهة خطاب الكراهية الذي كرست له أطراف النزاع طيلة سنوات.