دعوى قضائية تحذر من أن تقاعس المحكمة تجاه تواطؤ الولايات المتحدة قد يشكل سابقة خطيرة لحقوق الإنسان حول العالم
قدمت نحو 140 منظمة دولية لحقوق الإنسان تمثل الآلاف من محامي العدالة الاجتماعية على مستوى العالم مذكرة للتدخل في الاستئناف المقدم من منظمات حقوقية فلسطينية وفلسطينيين مقيمين في غزة وفلسطينيين أمريكيين آخرين، في قضية (الحركة الدولية للدفاع عن الأطفال - فلسطين، وآخرين، ضد بايدن وآخرين) أمام الدائرة التاسعة بمحكمة الاستئناف الأمريكية (قضية رقم 24-704). وجاء الاستئناف ضد قرار المحكمة الجزئية بسبب رفضها البت في الدعوى باعتبارها مسألة تخص السلطات السياسية للولايات المتحدة. وتدعو المذكرة إلى ضرورة النظر في المزاعم بأن كبار المسؤولين الأمريكيين لم يفشلوا في منع أعمال الإبادة الجماعية المحتملة من قبل إسرائيل في غزة فحسب، بل إنهم أيضا متواطؤون في تلك الأعمال.
تؤكد المذكرة على ضرورة البت في تلك القضية من قبل القضاء الفيدرالي باعتباره الجهة الوحيدة التي يمكنها تقييم سلوك الإدارة الأمريكية بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية، كما تحذر من أن تجاهل تلك المزاعم يمكن أن يشكل سابقة خطيرة للنظام العالمي الدولي، بما يؤدي إلى تداعي المعايير القانونية والأخلاقية على الصعيد الدولي. وتعد هذه هي المذكرة الثانية التي تقدمها منظمات حقوقية دولية في هذه القضية، والتي تكتسب أهمية خاصة في ضوء لقرار الذي أصدرته محكمة العدل الدولية مؤخرًا في الدعوى التي أقامتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل والتي أشارت إلى أن أفعال إسرائيل يمكن تصنيفها على أنها إبادة جماعية.
الدفوع القانونية
تحدد المذكرة أربع نقاط رئيسية للدفع بكيفية ومبررات محاسبة الولايات المتحدة على أفعالها وتقاعسها فيما يتعلق بالغزو الإسرائيلي وقصف غزة:
● مناهضة الإبادة الجماعية واحدة من أهم القواعد القانونية الدولية الأساسية: تمثل اتفاقية منع الإبادة الجماعية القاعدة القانونية الدولية الملزمة عالميًا والتي تحظر الإبادة الجماعية، فلا يمكن لأي دولة أن تتخذ قرارًا سياسيًّا بانتهاك التزاماتها تجاه الاتفاقية أو تجاه القانون الدولي العرفي.
● صلاحية التقاضي بشأن واجبات الولايات المتحدة في منع الإبادة الجماعية وعدم التواطؤ فيها: لقد حددت المحاكم والهيئات القضائية عناصر الإبادة الجماعية التي يجب أن تطبقها المحكمة الفيدرالية في هذه القضية.
● المحاكم الوطنية هي الجهة المخولة بإنفاذ منع الإبادة الجماعية: بما أن الولايات المتحدة قد منعت المحاكم الدولية من التصرف وفقًا لهذه القواعد، فإن المحاكم الفيدرالية الأمريكية هي الآن الجهة الوحيدة التي تستطيع تطبيق هذه القواعد المهمة. وتشير المذكرة إلى الحكم الصادر مؤخرًا عن محكمة استئناف هولندية بمنع تصدير أجزاء من طائرات F-35 المقاتلة المخزنة في هولندا كمثال على تدخل المحاكم الوطنية.
● مساهمة الولايات المتحدة في تجاهل القواعد الأساسية الآمرة للقانون الدولي: إذا لم تقم الولايات المتحدة بتصحيح أفعالها التي تتعارض مع مسؤوليتها تجاه منع الإبادة الجماعية وعدم المشاركة فيها، فإن هذا قد يضر بمعايير القانون الدولي. إن سلوك الولايات المتحدة وتقاعسها يمكن أن يشجعا دولًا أخرى على تجاهل المعايير الدولية الأساسية، ما يشكل خطرًا جسيمًا على الفئات المعرضة للمخاطر حول العالم، ويضر بالمصالح الأخلاقية والاستراتيجية للولايات المتحدة نفسها.
آراء محامين حول أهمية تطبيق المسؤوليات الاجبات الدولية والأخلاقية
قالت مينا جاغاناث، مديرة البرامج العالمية ومنسقة الشبكة الدولية للمحامين بمؤسسة Movement Law Lab الأمريكية وإحدي المشاركات في صياغة المذكرة: "ساهمت الولايات المتحدة قبل خمسة وسبعين عامًا في صياغة اتفاقية منع الإبادة الجماعية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كما لعبت دورًا مهمًا في وضع القوانين التي من شأنها حماية الناس من الجرائم المروّعة التي ارتكبت في الحرب العالمية الثانية، مثل الإبادة الجماعية". وأضافت: "إذا لم تعالج الولايات المتحدة إخفاقاتها في منع وتجنب التورط في ما قضت محاكم أخرى بأنها إبادة جماعية محتملة، فإنها تقوض بذلك المعايير القانونية الدولية التي تهدف إلى الحفاظ على السلم والأمن الدوليين".
وأعرب حسام بهجت، الناشط المصري في مجال حقوق الإنسان والمدير التنفيذي للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، عن مخاوفه بشأن عدم القدرة على مساءلة الولايات المتحدة. وقال بهجت: "لقد شاهد الناس في العالم العربي وفي أنحاء الجنوب العالمي، على مدار أشهر، فشل إدارة الرئيس بايدن في وقف العنف المستمر في غزة. وقد أثار هذا التقاعس، إلى جانب تزويد الولايات المتحدة إسرائيل بالأسلحة والأموال والدعم الدبلوماسي، مخاوف جدية في أن عدم مساءلة بايدن وبلينكن وأوستن من شأنه أن يقوض المعايير الدولية وسيادة القانون".
من جانبه، شدد ميغيل رويز دياز ريكسا، وهو محام وباحث في مجال حقوق الإنسان، على أهمية المسؤولية الأخلاقية العالمية، قائلًا: "إن وقف الإبادة الجماعية في غزة ومنع تكرارها في المستقبل هو جوهر التزامنا الأخلاقي كبشر. إن الفشل في الوفاء بهذا الالتزام يعني الاتجاه نحو نفس الهاوية التي حاول المجتمع الدولي منعها في أعقاب الحرب العالمية الثانية".
الظروف الخطيرة التي يعيشها الشعب الفلسطيني
في خضم الحرب المتصاعدة في غزة، أعرب مراقبون دوليون ومنظمات حقوقية عن قلقهم البالغ إزاء الأزمة الإنسانية والانتهاكات الموثقة للقانون الدولي. ويسلط تقرير شامل صادر عن منظمة هيومن رايتس ووتش الضوء على الأوضاع المتردية، مشيرًا إلى أن الحصار المفروض على غزة قلّص بشدة إمكانية الوصول إلى السلع والخدمات الأساسية، مما تسبب في صعوبات كبيرة للمدنيين. كما يؤكد التقرير على أن الفلسطينيين يواجهون انقطاعًا مستمرًا في التيار الكهربائي ولا يستطيعون الحصول على المياه النظيفة والمواد الغذائية الأساسية، مما يرسم صورة قاتمة للأزمة التي يعيشها سكان غزة.
خاتمة
إن تقديم هذه المذكرة إلى الدائرة التاسعة لمحكمة الاستئناف الأمريكية يمثل لحظة مهمة لحركة حقوق الإنسان العالمية، ما يؤكد على ضرورة اتخاذ تدابير سريعة للتخفيف من حالة الطوارئ الإنسانية، كما يؤكد على ضرورة السعي نحو إيجاد حل يحترم حقوق الشعب الفلسطيني وإنسانيته، مع التحذير من التداعيات القانونية والأخلاقية واسعة النطاق للسماح للسياسة الخارجية الأمريكية بمواصلة دعم الإبادة الجماعية المحتملة من دون مساءلة.
"المحاكم الفيدرالية هي الجهة الوحيدة التي يمكنها النظر بشكل حقيقي في الانتهاكات الأمريكية لاتفاقية منع الإبادة الجماعية. ويجب أن تسير الشرعية والأخلاق جنبًا إلى جنب إذا أردنا حماية الكرامة الإنسانية".
جينا شاه، الأستاذة المساعدة في القانون بكلية الحقوق بجامعة مدينة نيويورك