
متشابهون في البؤس والمأساة
تواجه محافظة أبين (جنوبي اليمن) أزمة إنسانية ومعيشية لا تقل عن نظيراتها من المحافظات اليمنية الأخرى، ويزيد من تفاقمها انخفاض قيمة العملة المحلية وارتفاع أسعار المواد الأساسية، فضلًا عن تزايد أعداد النازحين.
يضاف إلى ذلك تردي مستوى الخدمات الأساسية، إذ يشكو السكان من الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي، وندرة المياه النظيفة، وضعف شبكة الاتصالات والإنترنت، كما يجدون صعوبة في تأمين أبسط احتياجاتهم.
النازحون، الذين هربوا من مناطق التوتر المسلح إلى مخيمات محافظة أبين، يواجهون أوضاعًا أشد شقاءً وبؤسًا، ولا سيما بعد أن جرفت السيول والأمطار خيامهم المصنوعة من أشجار الموز والقش، ليجدوا أنفسهم مضطرين للعيش في العراء.
وعلى الرغم من أن معاناة المقيمين والنازحين متشابهة، فإن النازحين يعانون بشكل خاص من مضايقات السكان المحليين، الذين يطالبونهم بدفع رسوم مقابل الأرض التي يقيمون عليها، مما يزيد من تفاقم مشكلاتهم في ظل غياب أي جهة تنصفهم.
علاوة على ذلك، يتعرض النازحون للتمييز والعنصرية في بعض المخيمات، حيث تزداد الأمراض بين الأطفال وكبار السن، في ظل عدم توفر المال اللازم لشراء الأدوية. كما أن كثيرًا من الأطفال النازحين يعجزون عن الالتحاق بالمدارس، وينخرطون في ممارسة التسول في الشوارع والأسواق حتى ساعات متأخرة من الليل.
هذا الوضع القاسي الذي يعيشه الأطفال النازحون أدى إلى ازدياد حالات التحرش والاعتداء الجنسي بينهم، لكن غالبًا ما تُخفى هذه الحالات خوفًا من "الفضيحة"، مما يزيد من معاناتهم في المخيمات.
تقول السيدة كفاية أحمد عياش (30 سنة)، وهي نازحة من مديرية حيس بمحافظة الحديدة، وتعيش حاليًا في مخيم حصن شداد بمديرية زنجبار: "نحن نعيش أوضاعًا إنسانية متردية منذ نزوحنا، وازدادت الأوضاع سوءًا بعد السيول والأمطار التي جرفت كل ما نملك".
لدى السيدة كفاية ثلاثة أطفال (بنتان وولد) تتراوح أعمارهم بين السادسة والثامنة، وتقول إن أطفالها الثلاثة يضطرون إلى التسول من أجل توفير الطعام.
تعلل كفاية ذلك بقولها: "غالبية النازحين يتسولون مثلنا، لأننا لا نجد أعمالًا مناسبة لنا. عشنا فترةً في العراء قبل أن أترك المخيم بحثًا عن مكان آمن بعيدًا عن الوادي الذي كنا نقيم فيه. النزوح تجربة مؤلمة، لا يشعر بها إلا من اضطر إلى ترك بيته بحثًا عن حياة أفضل".
أما السيدة حليمة يحيى حسني مشرفي (33 سنة)، وهي مطلقة تعيش في مخيم حلمة بمديرية خنفر، ولديها خمسة أطفال، فقد نزحت منذ عام 2016 من مديرية بيت الفقيه بمحافظة الحديدة. تقول حليمة: "نزحت بحثًا عن حياة أفضل وأكثر أمانًا، لكن للأسف، وجدت في أبين ظروفًا صعبة للغاية، سواء من حيث الأمان أو المعيشة. لم أجد عملًا مناسبًا، فاضطررت إلى العمل في أحد المزارع بأجر زهيد للغاية، وعندما ضربت السيول والرياح والأمطار، جرفت الخيمة وكل ما كنت أملك من طعام وأغطية، فأصبحت أعيش في العراء. قضيت أيامًا أنا وأطفالي بلا طعام، وحتى أبناء المنطقة يعيشون أوضاعًا سيئة مثلنا".
وتضيف: "لا يمكننا العودة إلى ديارنا، حيث تهدمت منازلنا بفعل الحرب، ولا نجد من يلبي احتياجاتنا. في البداية، تلقينا بعض المساعدات من منظمات إغاثية، لكن مع تزايد أعداد النازحين، حُرم الكثيرون من أي نوع من الإغاثة، ولا أعلم السبب، لذلك يلجأ أغلبنا إلى التسول من أجل الحصول على المال".
يعيش كثير من النازحين في ظروف قاسية، ومن بينهم سبع أسر في مخيم الحصن تضررت بشكل كبير، إضافة إلى تضرر العديد من المخيمات الأخرى، مثل مخيم الحصن، مخيم الدُّكَرَه، مخيم المحجر، مخيم الرديني، مخيم جول السادة، مخيم جول سالم، مخيم جول سنان، مخيم ميكلان، مخيم جول أحمد، ومخيم الوادي، وجميعها تقع في مديرية خنفر.
أما في مديرية زنجبار، فتشمل المخيمات المتضررة مخيم حصن شداد، مخيم الطميسي، ومخيم دهل أحمد. جميع هذه المخيمات تعرضت لأضرار كبيرة، حيث يعيش معظم النازحين فيها في العراء.
تطالب منظمة "مواطنة لحقوق الإنسان" جميع أطراف النزاع بالالتزام بقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان في التعامل مع المدنيين، وعلى رأسهم النازحون، لا سيما القواعد المتعلقة بضمان الحريات الأساسية كالتنقل والحركة، والحق في الحصول على فرص عمل لائقة، إضافة إلى الامتثال للمبادئ التوجيهية الخاصة بالأمم المتحدة بشأن النزوح أو التشرد الداخلي.