للمرة الثانية

آلة الظلام الإسرائيلية تستهدف منشآت البنية التحتية لخدمات الكهرباء في اليمن

October 1, 2024

قالت "مواطنة لحقوق الإنسان" إن المقاتلات الإسرائيلية هاجمت بوحشية للمرة الثانية، وبشكل متزامن، ثلاث محطات لتوليد الكهرباء في محافظة الحديدة الساحلية، غربي اليمن، مما أسفر عن سقوط عشرات الضحايا، بينهم ستة قتلى و57 جريحاً، تتفاوت إصاباتهم بين الخطيرة والمتوسطة، فضلاً عن تدمير محطات الكهرباء وخروجها عن الخدمة بشكل شبه كامل.

وذكرت "مواطنة" أن المقاتلات الإسرائيلية، ما بين الساعة 4:50 والساعة 5:00 من مساء يوم الأحد، 29 سبتمبر/أيلول 2024، شنت ما يقارب عشرين غارة جوية على منشآت حيوية بمحافظة الحديدة، ثمان غارات منها استهدفت محطة الحالي في مديرية الحالي، وغارتان استهدفتا المحطة الخاصة بميناء الحديدة في مديرية الميناء، وثمان غارات استهدفت محطة الكثيب في منطقة الصليف بمديرية الصليف، وأربع غارات شنتها على ميناء رأس عيسى استهدفت فيها أربعة خزانات وقود، ثلاثة منها شبه فارغة والرابع قيد الإنشاء.

وقد أثر هذا الاستهداف بشكل فوري على حياة مئات الآلاف من سكان المدينة الساحلية، الذين اجتمع عليهم جور الحرارة بفعل انقطاع التيار الكهربائي وتوقف مكيفات التبريد، وبطش الحرائق والأدخنة التي خلفتها الغارات. وامتد أثر هذا الاستهداف ليصل إلى المستشفيات والمراكز الصحية، حيث توقفت أقسام مثل الحضانات، وكذلك مراكز الفشل الكلوي عن العمل مؤقتاً، بالإضافة إلى الهلع الذي أحدثته هذه الضربات في أوساط سكان المدينة والقاطنين بالقرب من المواقع المستهدفة. كما تسببت بحالة من الذعر في مناطق مختلفة من احتمالية حدوث أزمة وقود، حيث هرع السكان للحصول على حاجتهم من الغاز والمشتقات النفطية عقب لحظات من الواقعة.

 

قالت رضية المتوكل، رئيسة "مواطنة لحقوق الإنسان": "إن استهداف المقاتلات الإسرائيلية لمنشآت البنية التحتية المدنية والخدمية في اليمن يبرهن على سلوكها في استهداف كل موارد الحياة الأساسية للسكان المدنيين، ويفاقم معاناة مئات الآلاف منهم في محافظة الحديدة ومحافظات أخرى. إن استهداف المنشآت والأعيان المدنية، وعلى رأسها محطات توليد الكهرباء، والموانئ الرئيسية، وخزانات الوقود، يرقى إلى مصاف جرائم الحرب، لما ينتج عن استهدافها من تلوث بيئي، وتقييد لحصول السكان على الخدمات والاحتياجات الأساسية".

وأضافت المتوكل: "هذه المرة الثانية التي تستهدف فيها المقاتلات الإسرائيلية منشآت حيوية لا غنى للسكان المدنيين عنها، في ظل إفلات تام من العقاب وتجاهل مخجل من قبل المجتمع الدولي والدول الداعمة لإسرائيل".

وأردفت: "هذا التجاهل لتجريم الضربات الإسرائيلية في اليمن ليس بالغريب؛ فالمجتمع الدولي اليوم يتجاهل إبادة جماعية وحرباً إقليمية تمارسها إسرائيل بشكل يومي منذ ما يقارب العام حتى الآن. وما زالت إسرائيل حتى اليوم تستقوي بمثل هذا التجاهل، في ظل غياب آليات مساءلة حقيقية وفعالة في مواجهتها، وفي ظل الدعم الدولي لها".

وحذرت "مواطنة" في بيانها من أن الاستهداف المتكرر لموانئ الحديدة من شأنه تعطيلها بشكل كامل، في حين تعد منفذاً أساسياً لدخول المساعدات الإنسانية والحيوية، والشحنات التجارية، والوقود، والسلع الأساسية، والمستلزمات الطبية لملايين اليمنيين، وهو ما قد يتسبب في كارثة إنسانية ومستوى جديد من التجويع والمعاناة في اليمن، ما يجعل من اتخاذ خطوات فعالة لوضع حد للسلوك الإسرائيلي ضرورة ملحة.

يذكر أن فريق "مواطنة" الميداني في الحديدة وصل إلى موقع الواقعة فور حدوثها، بينما وصل فريق مركزي من الباحثين من مقرها الرئيسي بصنعاء إلى الموقع عقب ساعات من وقوعها. قام الفريق بمعاينة موقع الواقعة، والالتقاء بالسكان والناجين، وإجراء المقابلات وتحديد طبيعة الأضرار التي لحقت بالموقع والسكان في الأحياء المجاورة للمواقع المستهدفة، والمناطق المختلفة في المحافظة، بما في ذلك الآثار الناتجة عن انقطاع التيار الكهربائي في ظل الارتفاع الكبير لدرجات الحرارة.

وقد عبّر السكان الذين قابلتهم "مواطنة" في مدينة الحديدة عن قلقهم من استمرار انقطاع التيار الكهربائي لفترة طويلة، في ظل ارتفاع درجات الحرارة، وعدم قدرتهم على توفير مصادر طاقة بديلة لارتفاع تكلفتها.

قال سالم محمد (اسم مستعار، 45 عاماً)، أحد الناجين لـ"مواطنة": "كان السكان يهرعون ويصرخون خوفاً من القصف الذي هز المنازل، وكادت المنازل أن تسقط فوق رؤوس ساكنيها". في حين قال حسين مختار (اسم مستعار، 55 عاماً) لـ"مواطنة": "لا زلت أتخيل القصف كلما حاولت النوم وأغمضت عيني. القصف وصوت الصواريخ وهي في السماء، وصوت الانفجارات ما تزال في أذني".

وقال محمد صالح (30 عاماً)، أحد سكان الحديدة، لـ"مواطنة": "لم أستطع النوم طوال الليل بسبب الحرارة بعد انقطاع التيار الكهربائي، لكن المشكلة المؤلمة بالنسبة لي كانت في طفلتي ذات الخمسة أشهر. لقد أشعلت الحرارة جسدها بالطفح الجلدي، وكان منظرها وهي تبكي من الألم يدمي القلب".

وقالت "مواطنة لحقوق الإنسان" إن الهجمات الإسرائيلية على منشآت البنية التحتية المدنية لخدمات الكهرباء في محافظة الحديدة قد ترقى إلى جريمة حرب؛ انتهكت حماية القانون الدولي الإنساني للمنشآت والأعيان المدنية والبنية التحتية، وانتهكت مبادئ القانون الدولي الإنساني، كالتناسب، والحماية، والتمييز، وقوضت الحماية التي تتمتع بها الأعيان المدنية الضرورية لبقاء السكان المدنيين، طبقاً للمادة 147 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تعتبر أن "تدمير الممتلكات والمنشآت المحمية بشكل غير مشروع وواسع النطاق" بمثابة أفعال إجرامية وانتهاكات جسيمة للاتفاقية.

وكانت مقاتلات إسرائيلية قد أغارت في 20 يوليو/تموز 2024، على المنشآت الحيوية المدنية في مدينة الحديدة بنحو ست هجمات ثنائية على منشآت النفط وخزانات الوقود، ورصيف وكاترينات الميناء في ميناء الحديدة، وهجمات على المحطة المركزية لتوليد الكهرباء الواقعة في منطقة الكثيب بمديرية الصليف، محافظة الحديدة، شمال غرب اليمن. أخرجت كافة محطات تزويد مدينة الحديدة بالكهرباء عن الخدمة، وألحقت بها أضراراً بالغة.

وتحققت "مواطنة"، من خلال زيارات ميدانية للمستشفيات والمرافق الطبية، من مقتل تسعة من عمال المنشآت في الميناء، وإصابة ما يزيد على ثمانين جريحاً. بالإضافة إلى استهداف المحطة المركزية لتوليد الكهرباء الواقعة في منطقة الكثيب بمديرية الصليف، ودمرت ثلاثة خزانات وقود، وتسببت باندلاع حرائق هائلة؛ أخفقت كل محاولات فرق الإطفاء في إخمادها واستمرت في الاشتعال لأكثر من يومين.

ودعت "مواطنة" في بيانها المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة والدول الحليفة لإسرائيل، إلى وضع حد للسلوك المنفلت وغير المسبوق للقوات الإسرائيلية في المنطقة، والذي من شأنه أن يقود المنطقة برمتها إلى صراع شامل، ويهدد حياة ملايين السكان فيها، ويهدد السلم والأمن الدوليين بشكل عام، في ظل الدعم الدائم والمستمر للأفعال الإجرامية والوحشية لهذه القوات وضمانها للإفلات التام من المساءلة والعقاب.