رسالة مشتركة للأمم المتحدة
بصفتنا منظمات مجتمع مدني يمنية وإقليمية ودولية، ندعو الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى العمل على تشكيل ألية تحقيق جنائية دولية مستقلة بشأن اليمن، خلال الجلسة الـ 51 لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة والمقرر انعقادها خلال الشهر الجاري. وتؤكد منظماتنا أن الهدنة اليمنية لا تزال ضعيفة؛ إذ لا يزال الوضع الإنساني في اليمن بائسًا، كما أن أطراف النزاع لم تحرز سوى تقدم ضئيل للغاية، يكاد لا يذكر، بشأن التصدي للانتهاكات والتجاوزات المتواصلة واسعة النطاق للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني. كما يبدو واضحًا افتقارها للنية في جبر الأضرار التي ألحقتها بالمدنيين طوال فترة النزاع. في الوقت نفسه، شهدت اليمن، أثناء الأسابيع الأخيرة، تجدد الاشتباكات المسلحة، مما أسفر عن سقوط ضحايا من المدنيين جراء القصف والغارات، التي تشنها الطائرات بلا طيار وغيرها من الهجمات. كل هذه العوامل تعكس الحاجة الملحة والحاسمة لتفعيل جهود المساءلة الدولية بشأن اليمن، وإجراء تحقيق دولي مستقل بشأن الجرائم المرتكبة فيها.
كانت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان قد أكدت أن «السلام الدائم مرتبط بالعدالة والتنمية واحترام حقوق الإنسان»، إلا أن المجتمع الدولي غفل تحقيق مبادئ العدالة والحقيقة والتعويض عن انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن المتصاعدة منذ إطاحة الاحتجاجات الجماهيرية المؤيدة للديمقراطية بحكومة الرئيس السابق علي عبد الله صالح في عام 2011. وعلى مدار الفترة بين عامي 2011 و2014، منحت مبادرة مجلس التعاون الخليجي لليمن، على النحو الذي أقره مجلس الأمن بالأمم المتحدة، الأولوية لتنفيذ انتقال سريع للسلطة بدلًا من ضمان المساءلة وإرساء سيادة القانون ومعالجة السجل الحكومي الطويل لانتهاكات حقوق الإنسان. كما ساهمت الحصانة الممنوحة للرئيس السابق وأخرين في ترسيخ ثقافة الإفلات من العقاب، الأمر الذي تسبب بشكل رئيسي في تجدد النزاع المسلح وارتكاب انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان وجرائم حرب داخل البلد. ورغم مرور 10 سنوات تقريبًا، يبدو أن المجتمع الدولي في طريقه لتكرار الخطأ نفسه.
ومنذ 2014، تسببت الأطراف المختلفة للنزاع، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا وجماعة أنصار الله المسلحة (الحوثيين)، في ضرر ومعاناة كبيرة للمدنيين في اليمن، ولا تزال هذه الأطراف ترتكب انتهاكات وتجاوزات متصاعدة وخطيرة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي.[i]1 في الوقت نفسه، فشلت جميع هذه الأطراف في إجراء تحقيقات جدية وفعالة، أو تقديم تعويضات، أو ضمان العدالة للضحايا. فعلى سبيل المثال، في الشهر الماضي، أسفرت الهجمات بحق المدنيين عن وقوع 232 ضحية، من بينهم 57 طفلًا. كما شهد الأسبوع الأخير من يوليو أعلى زيادة في إصابات الأطفال في أسبوع واحد منذ 2020.
كان فريق خبراء الأمم المتحدة البارزون المعني باليمن، قد أوصى قبل حله المفاجئ في عام 2021، بأن تحيل الأمم المتحدة الوضع في اليمن إلى المحكمة الجنائية الدولية، مشددًا على أهمية تشكيل آلية تحقيق دولية تركز على المساءلة الجنائية. كما أكد الفريق على الحاجة إلى إعمال حق الضحايا في التعويض. ويُذكر أنه في أواخر عام 2021، رفض أعضاء مجلس حقوق الإنسان قرار تجديد ولاية فريق الخبراء البارزين بالأمم المتحدة بشأن اليمن؛ بعدما مارست المملكة العربية السعودية، بدعم من الإمارات، ضغوطًا على أعضاء مجلس حقوق الإنسان للتصويت ضد قرار التجديد.
في هذا السياق، تطالب منظماتنا المجتمع الدولي بألا يكتفي بالوقوف مكتوف الأيدي، وألا يسمح لهذا التصويت بأن يكون الكلمة الأخيرة بشأن جهود المساءلة الدولية عن انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب واسعة النطاق في اليمن. ونتفق مع دعوة فريق الخبراء البارزين، في أكتوبر 2021، للمجتمع الدولي باتخاذ مبادرات محددة على المستوى الدولي سعيًا للمساءلة. كما نؤكد على موقف عشرات الدول الأعضاء بالأمم المتحدة بشأن «الحاجة الملحة للرصد وإجراء تحقيقات مستقلة ونزيهة»، ومطالبتها بـ«استكشاف المزيد من الآليات البديلة بنشاط…لضمان المساءلة» عن الجرائم المرتكبة في اليمن. وحسبما صرح فريق الخبراء، فإنه «لا ينبغي إسكات ضحايا هذا الصراع المسلح المأساوي بقرار من بضع دول. على العكس، ينبغي دعمهم بكل الوسائل حتى يتمكنوا من معرفة الحقيقة والوصول للعدالة والتعويض».
إن منظماتنا تدعو المجتمع الدولي لعدم تكرار أخطاء الماضي، ومن ثم تعزيز جهود المساءلة الدولية .ونؤكد في الوقت ذاته أن استمرار الإفلات من العقاب لن يؤدي إلا لاستمرار دورة العنف والمعاناة، بما في ذلك تصاعد احتمال تجويع المزيد من الأطفال، وسجن أو إعدام المزيد من المدافعين عن الحقوق والصحفيين، وقصف المزيد من المنازل والمدارس.
في هذا السياق، بإمكان آلية دولية مستقلة للمساءلة الجنائية لليمن الاضطلاع بدور حاسم في ردع العنف وحماية المدنيين وتعزيز سلام حقيقي ودائم.
في ديسمبر 2021، دعا قرابة 90 منظمة مجتمع مدني الدول الأعضاء بالأمم المتحدة إلى التحرك بسرعة وتشكيل مثل هذه الآلية للتحقيق والإبلاغ علنًا عن انتهاكات وتجاوزات القانون الدولي المرتكبة في اليمن. ينبغي لمثل هذه الآلية أن تعمل على جمع الأدلة وحفظها، إلى جانب إعداد ملفات للملاحقات الجنائية المحتملة في المستقبل، وأن تضع القواعد والأسس لإنصاف فعال بما يتضمن تحديد الضحايا، وتوثيق الأضرار لدعم أي مطالبات بالجبر في المستقبل. ونؤكد على أن مثل هذا التفويض القوي مطلوب؛ ليس فقط من أجل فضح الجرائم الخطيرة المرتكبة في اليمن، ولكن أيضًا لضمان استخدام هذه الوثائق في مساءلة جنائية فعالة في المستقبل للتصدي للإفلات من العقاب وتوفير الإنصاف الفعال للضحايا. ونؤكد في الوقت نفسه أن أية آلية لا تفي بهذه المعايير من شأنها الإضرار بشكل بالغ بملايين اليمنيين الذين عانوا من تجاوزات خطيرة أو من جرائم حرب واضحة وما زالوا يتطلعون للعدالة.
ندعو حكومتكم إلى العمل على ضمان تشكيل مثل هذه الآلية الأممية في الفترة المقبلة، بما في ذلك خلال الجلسة القادمة لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، ونؤكد استعدادنا للمساعدة في إنجاح هذه الجهود بكافة الطرق الممكنة.
قائمة الموقعين:
[i] ارتكبت جميع أطراف النزاع في اليمن انتهاكات واسعة النطاق ومنهجية، بما في ذلك قتل وإصابة عشرات الآلاف من المدنيين. منذ عام 2015، نفّذ التحالف العسكري بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة عشرات الضربات الجوية غير القانونية، التي أسفرت عن مقتل وإصابة المدنيين، ودمرت أو ألحقت الضرر بالمنازل والمستشفيات والمدارس والأسواق والبنية التحتية المدنية الأخرى. في السياق نفسه، أطلقت قوات الحوثيين قذائف الهاون والصواريخ وغيرها من الصواريخ بشكل عشوائي على المناطق المكتظة بالسكان، بما في ذلك المدن، وزرعت الألغام الأرضية بشكل عشوائي. وبشكل عام، تعمدت الأطراف المتحاربة منع وصول المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة إلى أولئك الذين يحتاجون إليها، واستخدموا المجاعة كسلاح من أسلحة الحرب، كما فشلوا بشكل تام في احترام الحق في الغذاء والصحة والمياه والتعليم.
وتم استهداف الصحفيين والناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان ومضايقتهم وسجنهم وقتلهم. بالإضافة إلى تجنيد الأطفال واستخدامهم في القتال. وتعرضت حقوق النساء والفتيات لتقويض خطير. وواصلت دول وشركات الطرف الثالث تأجيج الصراع الأوسع من خلال بيع الأسلحة.