دعوات حقوقية إلى وقف تصدير الأسلحة وكافة أشكال الدعم وفرض عقوبات وتفعيل الآليات الدولية
نظَّمَتْ مواطنة لحقوق الإنسان، مساء الأربعاء 29 مايو/ آيار 2024، فعاليةً افتراضية رفيعة المستوى، شارك فيها خبراء دوليون، ناقشت المسؤوليات القانونية والأخلاقية للمجتمع الدولي في حماية المدنيين، والعمل على خلق سُبل مساءلة فعَّالة عن الانتهاكات المرتكبة خلال الحرب الراهنة في قطاع غزة، وخلال دورات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
شارك في الفعالية: كينيث رووث، المدير السابق لهيومن رايتس ووتش، وإيوني بيلارا، عضوة البرلمان الإسباني، ووزيرة سابقة للحقوق الاجتماعية، وشعوان جبارين، رئيس مؤسسة الحق، ورضية المتوكل رئيسة منظمة مواطنة لحقوق الإنسان، إلى جانب الدكتور معتز الفجيري، رئيس برنامج حقوق الإنسان في معهد الدوحة للدراسات العليا، الذي اضطلع بإدارة الفعالية، حيث تزامنت الفعالية مع جُملة من التطورات والتفاعلات الدولية حول المجازر المروعة التي ارتُكبت في غزة، والقرارات الأخيرة لمحكمة العدل الدولية، وتحركات المُدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، إلى جانب اعتراف دول أوروبية بدولة فلسطين مثل إسبانيا إيرلندا والنرويج.
وفي مستهل الفعالية، قال الدكتور مُعتز الفجيري: "إنه مما لا شك فيه أن هذه الفعالية تنعقد في لحظة بالغة الحساسية فالأوضاع فائقة الخطورة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بحيث نتابع في الأيام الأخيرة مجازر وجرائم فظيعة ترتكب في غزة، الكثير من الامور تحدث اليوم في العالم فيما يتعلق بحقوق الإنسان في فلسطين. وكانت المحكمة الجنائية الدولية في الأسبوع الفائت قد أمرت اسرائيل بوقف عملياتها في رفح، أما النائب العام في المحكمة الجنائية الدولية فقد أصدر مذكرة توقيف بحق بنيامين نتنياهو ومسؤولين إسرائيليين آخرين، وبحق مسؤولين في حماس. ومؤخراً المزيد من الدول الأوروبية تعترف بدولة فلسطين، مثل: إسبانيا وإيرلندا والنرويج. والوضع يستمر في التفاقم منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر، والكثير من الأسئلة مطروحة على المستويين الإقليمي والدولية حول مستقبل منظومة حقوق الإنسان الدولية والقانون الإنساني الدولي، وقابلية التطبيق في هذا النزاع الجاري، حيث هناك لاعبون دوليون ولديهم مصالح في هذا النزاع، ويوفرون الدعم والحماية لإسرائيل، وهذا بمثابة اختبار لكفاءة هذه المنظومة الدولية، وأيضاً بمثابة تحدٍ لحركة حقوق الإنسان وتحدٍ جديد للأسرة الدولية، بما في ذلك من تداعيات وتشعبات ستتواصل لسنوات مقبلة".
وأضاف معتز: "إن إسرائيل تواصل تحدي الأسرة الدولية، شعورًا منها بإمكانية الإفلات من المساءلة والعقاب، وهنا يكمن التناقض فهناك وعي عالمي متزايد للمجازر الفظيعة التي تحدث، والانتهاكات الفظيعة المرتكبة، وهناك أيضاً انجازات في المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة لاهاي وحركة حقوق الإنسان في فلسطين".
من جانبه استعرض السيد كينيث رووث - المدير السابق لهيومن رايتس ووتش، جُملةً من السياقات ذات الصلة بالانتهاكات المُرتكبة بحق المدنيات والمدنيين منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، حتى الآن، من منطلق جدلية الفعل وردة الفعل بين الطرفين، وأيهما يتحمل مسؤولية جرائم الحرب بحق المدنيين، مُجمِلًا ذلك بالتأكيد على أن هناك إمكانية للتوصُّل إلى أرضية مشتركة لحسم ذلك الجدل، تتمثل في "أن القانون الدولي الإنساني لا يميز بين طرفي النزاع ولا يميز بين أحد منهما".
وقال رووث: "إن إسرائيل تقول نحن مختلفون عن حماس، لكنهم يقتلون المدنيين عمدًا، وإذا ما نظرنا عن كثب نلاحظ مثلاً أن إسرائيل تنتهك بشكلٍ منتظم حقوق المدنيين، وتقوم بقصف المرافق المدنية، وتهاجم الجامعات، والمتاحف، والمباني السكنية، والمدنيين العزل، تحت ذريعة أن هناك وجود لحماس، لكنهم يدمرون هذه المرافق.. وإسرائيل أيضا تقتل المدنيين أو غير المدنيين مسلحين أو عُزل"، وأشار إلى أن: "مبدأ "التناسب" في القانون الدولي الإنساني، مُلزم حتى في الحالات التي تريد فيها إسرائيل الهجوم على أي هدف عسكري، فإنه لا يحق لها إطلاق النار وإلحاق الأذى بالمدنيين بشكلٍ غير مُتناسب". وأكد: أن الإسرائيليين يتسببون بقتل من 15 إلى 20 مدنيًا من أجل القضاء على مقاتل واحد من حماس، وهذه النسبة غير ملتزمة بمبدأ (التناسب)، وأن إسرائيل " قد ألحقت الأذى بشكل غير مسبوق بالمستشفيات، مثل مستشفى الشفاء، وهو أكبر المستشفيات هناك، والذي استهدفته إسرائيل بحجة أن هناك مقر القيادة الخاصة بحماس، ونحن نعرف أنه ما من شيء يبرر هذا الأذى وهذا الاستهداف والذي لحق بالسكان المدنيين في المستشفى، حيث أعلنت إسرائيل العثور فقط على بعض الأسلحة في الطوابق السفلية للمشفى، وحتى الساعة فإن هذا المشفى ومشافٍ أخرى خرجت عن الخدمة أو بقيت تعمل جزئيًا"، حد تعبيره.
ولفت رووث إلى أن إسرائيل ما تزال "تضرب بقرارات محكمة العدل الدولية عرض الحائط؛ ولا زالت تمنع وصول المساعدات الإنسانية، وتجوِّع الشعب الفلسطيني على نطاق واسع، ولا تكف عن قتل الفلسطينيين، ولذلك فقد أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بدوره، تقديم طلبات قرارات توقيف شملت مسؤولين إسرائيليين لأن كل الأدلة موجودة وبديهية، متمثلة بكل القيود التي تفرضها إسرائيل على وصول المساعدات الإنسانية والسلع الأساسية إلى قطاع غزة، وعلى المعابر البرية، منها معبر رفح ومعابر في الشمال، في حين أن المعابر التي ما تزال تعمل فإنها لا تعوض تلك التي دمرت أو أغلقت، في ظل محدودية المساعدات التي تصل عن طريق المرافئ، وعبر عمليات الإسقاط المظلي، ولكنها أيضا لا تكفي؛ فهناك تعمد من الإسرائيليين بعدم وصول المساعدات الإنسانية، بغرض تجويع الفلسطينيين، بحجة إلزام حماس بإطلاق سراح الرهائن، في حين أن حماس ما يزال لديها القدرة للوصول إلى الغذاء؛ المدنيون وحدهم من يعانون الأمرين".
واستطرد كينيث رووث: "اسمحوا لي بعرض بعض الحجج الدفاعية التي تقولها إسرائيل، إذ تقول إن حماس تستخدم المواطنين دروعًا بشرية، بمعنى أن حماس تقاتل في مناطق مكتظة سكنيًا، لكن الدروع البشرية لا علاقة لها بسياسة التجويع التي يقوم بها بنيامين نتنياهو ضد الفلسطينيين، وحتى لو استخدمت حماس المواطنين دروعًا بشرية، فإن من واجب إسرائيل عدم إطلاق النار بشكل عشوائي، وعدم استخدام القوة بشكل غير مُتناسب، وهذا أيضا لا يبرر إلقاء قنابل تزن 2000 كجم على المدنيين في غزة"، وأضاف رووث: "وتقول إسرائيل نحن نجلي الأشخاص من أجل توفير الحماية لهم، وهذه حجتهم الدفاعية الأخرى، لكنها تقوم بذلك بشكل غير إنساني، ونحن نرى بأم أعيننا ما يحصل حاليًا، حيث إن هناك مليون من أصل 1.4 مليون فلسطيني بدون مأوى بعد أن فروا من منازلهم وديارهم، ويعيشون في الخيام على الشاطئ بدون غذاء، بدون صرف صحي، وبدون مياه، وبدون مأوى".
وعرَّج رووث إلى واقعة استهداف الجيش الإسرائيلي قبل أيام لـ 10 مخيمات للاجئين فلسطينيين في رفح (جنوب غزة)، مبينًا "أن إسرائيل استهدفت منطقة إنسانية آمنة، وأن نتنياهو يلجأ إلى استخدام استراتيجية (القصاص الجماعي)، ويعتقد بكل سذاجة أنه سيفلت من فعلته هذه"، لافتًا إلى أن "وزيرين من حكومة نتنياهو -رغم ذلك- طالبا بـ"ضربة أخرى ضد قطاع غزة، وإجبار مليون وثلاثمائة ألف فلسطيني على الهرب إلى مصر، وهم يظنون أن نتنياهو سيفلت من العقاب، ولهذا قرر المُدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية تقديم طلب لإصدار مذكرات توقيف تشمل بنيامين نتنياهو".
في حين أكد شعوان جبارين، المدير العام لمؤسسة الحق، في سياق مداخلته، بالقول: "إن التاريخ لم يبدأ في 7 أكتوبر/تشرين الأول، لكن بالنسبة لي أظن أن الـ 7 من أكتوبر، يعني بدء تحقيق الجنائية الدولية، إلى جانب ما حصل حتى الساعة"، وأضاف: "ما من جريمة تبرر جريمة أخرى، لكن المشكلة ليست في النصوص ولا في المعايير، بل تكمن المشكلة الحقيقية في سياسة الإفلات من العقاب التي تنتهجها إسرائيل والدول الداعمة لها، فمنذ العام 1948 حتى اليوم، لم يُتخذ أي إجراء ضد إسرائيل، رغم ارتكابها جرائم واسعة ضد الإنسانية، وجرائم تلو الجرائم"، وقال: "من الضروري أن نضع الأمور في سياقها؛ نحن نواجه نظام استعماري، وهذا النظام هو عنصري أولًا، وهو استعماري ثانيًا، وهو نظام فصلٍ عنصري ثالثًا، وهو كذلك منذ بداية بناء دولة إسرائيل، بتهجير المدنيين الفِلسطينيين بطرق وحشية، وهي جريمة حرب، استنادًا إلى القانون الدولي الإنساني".
وأضاف جبارين: "منذ اليوم الأول كنت أخشى ما أخشاه من الإبادة الجماعية، ولدينا الكثير من الأدلة التي تقول إننا بالفعل نواجه حاليا مجزرة حقيقة بحق المدنيين، بالإضافة إلى استهداف المشافي والمدارس بشكل متعمد، وقد بدأ الاستهداف باستهداف مستشفى الشفاء، الذي يعود وجوده إلى ما قبل وجود الاحتلال الإسرائيلي، باعتراف إيهود باراك وقادة إسرائيليين آخرين"، وتابع جبارين: "الأمور جلية وواضحة حاليًا، ويقولون أيضًا إنهم يرتكبون بعض الأخطاء من خلال رمي قنابل هنا وهناك، وهو ليس خطأ، بل هي سياسة منهجية تنتهجها إسرائيل، وجزء من الخطة التي تقوم بها إسرائيل، والآن يتم استهداف رفح، وهو أيضًا جزءٌ من الخطة التي تستهدف المدنيين بشكل مباشر؛ المشكلة أننا نقبل ارتكاب الإسرائيليين لبعض الجرائم ونتغاضى عنها لكنها في المقابل تتمادى أكثر وأكثر، وترتكب المزيد من الجرائم، ونحن نقبل أكثر، والضرر موجود، واستهداف المدنيين أفظع وأشنع".
وفيما يتعلق باستخدام الذكاء الاصطناعي في الحرب، قال جبارين: "إن الإسرائيليين يستخدمونه من أجل استهداف العائلات وليس الأفراد، وهم يعرفون بشكل جيد كيف يقتلون العائلات وكيف يحددون من يعيشون ومن يموتون، ويعرفون جيدًا أماكن تواجد الأطفال والعائلات وأين يعيشون، ويقومون أيضًا بدفع الفلسطينيين إلى الجانب الشمالي، ويعرفون أن العائلات سوف تجتمع مع بعضها، وستجتمع كل الأسر في مكان واحد من أجل العيش حتى وإن كان في مكان ضيق، وبالتالي يستهدفونهم وتكون الأرقام فظيعة جدًا".
وتوقَّع جبارين أن الإسرائيليين "سيواصلون جرائمهم، وليست الأحداث في غزة سوى جولة أولى فقط، فعلى الأرجح سيتوجهون في الجولة التالية إلى الضفة الغربية، وهذه كلمة قانونية بحته، مع أن الضفة الغربية تشهد أيضًا إبادة جماعية للمدنيين ولكن بشكل بطيء، وهذا التوصيف قانوني وليس سياسي، وأنا أعرف أن الإسرائيليين يشعرون بالغضب ولا يريدون سماع توصيف الإبادة الجماعية، وهي فعلاً إبادة جماعية وغير مسبوقة، وما يحدث تجاه المستشفيات والمراكز الطبية خير دليل على ذلك".
وأكد جبارين على أن "إدارة بايدن ليست متواطئة فقط، بل هي متورطة أيضا في الإبادة المرتكبة ضد الفلسطينيين منذ اليوم الأول ومنذ البداية، لأن أطفالنا يقتلون بأسلحة أمريكا، وحتى اليوم فإن ما يحدث في رفح يحدث باستخدام أسلحة أمريكية، وأكثر من ذلك فقد كان الأمريكيين جزءًا من الخطة منذ البداية، وهم من قاموا بالتخطيط والدعم"، وبحسب جبارين هناك "ضباط وقادة وقضاة أمريكيون في السلك العسكري يقومون بالتخطيط ويشاركون بشكل شخصي ومن خلف الكواليس، وهناك مصادر أمنية تؤكد أن الألمان أيضًا متواطئون من خلال إعطاء الغطاء لهذه الجرائم التي تحدث".
وأردف جبارين: "أظن أن المنظومة الدولية لحماية المدنيين قد فشلت، وهنا أتحدث عن مجلس الأمن وهو المسؤول عن الأمن والسلام؛ هذه المنظومة قد فشلت فشلا ذريعة بنسبة 100%، وهذه المنظومة لا تحمي المدنيين أبدًا، ولم يعد لدينا من هذه المنظومة سوى الأمل في المنظومة القضائية، وهنا أتحدث عن المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، ولا يجب أن نترك هذه المنظومة تنهار بشكلٍ كامل، حتى وإن أراد الأمريكيون ذلك أو الدول الغربية. يجب أن نضطلع بدور مهم جدًا، ونعمل على إفشال ذلك وممارسة الضغوط عليهم".
وأوضح شعوان: "أن المشكلة الموجودة، ليست في القانون الدولي أو في المواثيق الدولية الأخرى، إنما المشكلة هي بالإرادة السياسية وبـ"القوى العظمى"، حتى وإن قال أحدهم إن المحكمة الجنائية الدولية هي للأفارقة فقط ولا تطبق على القوى العظمى، وهنا يمكن الإشارة إلى أننا لا يجب أن نقاضي الإسرائيليين فقط، بل يجب أن يتم ملاحقة ومقاضاة كل من تورط مع إسرائيل أو تواطأ معها بأي شكل من الأشكال".
من جانبها، تطرقت رضية المتوكل – رئيسة مواطنة لحقوق الإنسان، خلال المداخلة التي قدمتها في الفعالية، إلى جُملة من النقاط الجوهرية، وقالت المتوكل: " إننا ندرك، من تجربتنا في اليمن في توثيق جرائم الحرب والانتهاكات المرتكبة من جميع أطراف الحرب، وحملات المناصرة الدولية، أن العالم يعزز سياسة الإفلات من العقاب أكثر من المحاسبة والمساءلة، لكننا تعلمنا كذلك أن هذا ليس قدرًا محتومًا، وأننا قادرون على تغيير الأمور، وأنا من دولةٍ تعيش إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، أُدرك أن ما يحدث في غزة أمرٌ غير مسبوق، فما يحدث هناك ليس إبادة جماعية وحسب، بل جريمة أكبر من ذلك، وتحدث أمام أعيننا".
وأضافت المتوكل: "انطلاقا من تجربتنا يبدو أن جرائم الحرب مُعدية، وأطراف النزاع تتعلم من بعضها؛ وكلما زادت ثقة أطراف النزاع بإفلاتها من العقاب زادت عدائيتها. والآن فإن غزة تعدُّ مختبرًا للعالم، وإذا استمرت جرائم الحرب والإبادة الجماعية هناك أو تركت بدون مساءلة أو محاسبة، في هذه الحالة لم يعد الأمر متعلق بحقوق المدنيين في فلسطين، بل سيؤدي إلى إنتاج عالم مرعب؛ يرعبني كشخص يعيش في منطقة نزاع، كون ذلك يعد بمثابة ضوء أخضر لكل أطراف النزاع في العالم لارتكاب المزيد من الانتهاكات لأنهم يعرفون أنهم سيُفلتون من المحاسبة والمساءلة والعقاب، ولعل معظم ما يحدث في العالم من انتهاكات ونزاعات كان من الممكن تلافيها لو كان هناك مُحاسبة رادعة، لكن أطراف النزاع ترتكب المزيد من الانتهاكات، لأنها لن تكترث لشيء ما دامت مطمئنة أن بمقدورها الإفلات من العقاب، وهذه الظاهرة تتزايد كل يوم".
وأشارت المتوكل إلى حقيقة يتلخص مفادها أنه: "لو كان هناك مساءلة ومحاسبة في سوريا لما ارتُكبت جرائم الحرب في اليمن أو في السودان أو في أوكرانيا أو فلسطين، لذا فإن المزيد من الإفلات من العقاب وعدم المساءلة يؤدي إلى المزيد من جرائم الحرب في كل مكان. والآن يجب أن يكون هناك مساءلة ومحاسبة لما يحدث في غزة؛ نحن بحاجة إلى منصات من أجل التحرك ضد كل مرتكبي ومنتهكي هذه الجرائم، وأمامنا الآن منصتان بالغتا الأهمية، وهما المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية".
وتابعت المتوكل: "بالنسبة لإدارة بايدن فإنها حالة ميؤوس منها، لأنها تدعم نتنياهو دعما كاملاً وتغض الطرف عن كل الانتهاكات وجرائم الإبادة الجماعية الحاصلة، مع ذلك لم أفقد أملي في الاتحاد الأوروبي، إذْ من الممكن أن يلعب دورًا كبيرًا ورئيسيًا للغاية فيما يتعلق بالمساءلة وردع وإيقاف الحرب الحاصلة في غزة حاليًا، خصوصًا بعد اعتراف النرويج وإيرلندا وإسبانيا بدولة فلسطين، على طريق ضمان العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم المتحدة، وهذا لن يضمن فقط الحقوق الأساسية لفلسطين في زمن الحرب فقط، بل في زمن السلم أيضاً".
وثمَّنت المتوكل جهود جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، وكذلك دور حركات حقوق الإنسان والحركات المدنية والحركات المناضلة في مجال حقوق الإنسان في فلسطين، التي جعلت ما يحدث في فلسطين جزءًا من مهام محكمة الجنايات الدولية، مؤكدة على ضرورة الوقوف والدعم المالي والسياسي والاصطفاف مع مسؤولي وقضاة المحكمة ممن تعرض للتهديدات من جانب إسرائيل، وتساءلت المتوكل: "لماذا لم تحرك الدول ساكنًا؟ ليس فقط دول الاتحاد الأوروبي بل أيضا الدول العربية! لماذا لم تقف إلى جانب دولة جنوب أفريقيا؟ ولماذا لا نرى مزيدًا من الدول تتحرك وتلعب دورًا أهم فيما يجري في فلسطين من خلال محكمة العدل الدولية؟ فهي منصة متاحة ويمكن استخدامها بسهولة، لكن المشكلة هي أن أيًا من الدول هذه لا تريد أن تحرك ساكنًا من أجل إيقاف الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب المرتكبة في غزة ورفح".
أما بالنسبة لصادرات الأسلحة إلى إسرائيل، قالت رضية المتوكل، إنه "يجب وقفها، وكذلك وقف العلاقات الدبلوماسية، واستخدام كل الطرق والمنصات الدولية بما في ذلك مجلس الأمن والأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان والمحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية؛ كلها يجب استخدامها بالإضافة إلى كل المنصات المتاحة للدول، يجب استخدامها من أجل الضغط على إسرائيل، فأنا أيضا أؤمن أن شعوب العالم ستبذل قصارى جهدها، في الولايات المتحدة وفي أوروبا وإسبانيا وأماكن أخرى، وتتحرك؛ فالقانون الدولي الإنساني واضح بهذا الخصوص، وما من جريمة تبرر جريمة أخرى، وهذا مبدأ أساسي في القانون الإنساني الدولي".
وختمت المتوكل مُداخلتها بالتأكيد على أن الموضوع "لا يتعلق فقط بوقف الحرب على غزة، بل أيضًا يتعلق بالمساءلة والقصاص من مرتكبي الجرائم، ذلك لا يقتصر فقط على غزة، فأنا لا أعرف كيف سيكون الوضع أيضًا في اليمن، والسودان، وأوكرانيا، وأي منطقة ستتعرض لهذه الجرائم في المستقبل من دون محاسبة مرتكبي الجرائم، خاصة المحاسبة القضائية، وأظن غزة الآن هي بمثابة مختبر للجميع، والأمل كبيرٌ جدًا لإحداث فارق كبير، وكيف يمكننا بالفعل أن نمارس مبادئ المحاسبة الجنائية الدولية".
من جانبها أعربت إيوني بيلارا – العضوة السابقة في البرلمان الإسباني، عن شكرها لمنظمة مواطنة لحقوق الإنسان، على تنظيم مثل هذه الفعالية، وقالت: "إنه لشرفٌ كبير أن جعلتني وحزبي من بين جملة الحاضرين في هذه الفعالية"، وأردفت: "أنا وحزبي نؤمن بضرورة مثل هذه الفعاليات لمواجهة الإرهاب وتكميم الأفواه الذي تمارسه وسائل الإعلام العالمية ضد كل من يقف إلى جانب الشعب الفلسطيني، وحقوقه"، مؤكدةً على أهمية وضرورة إصدار مذكرات الاعتقال التي طالب بها المدعي العام للجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير دفاعه، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وقالت "هذه هي قناعتنا وسياستنا".
وأضافت بيلارا: "نحن نشاهد منذ أشهر ما تقوم به إسرائيل من أعمال متوحشة، وإبادة جماعية، ضد الشعب الفلسطيني، ونشعر بمعاناة الفلسطينيين، ونشعر بخيبة أمل ونحن نرى إسرائيل تفلت من العقاب، ولا تتعرض لأي ملاحقة قانونية، بل إنها بدلاً من ذلك تتلقى الدعم من القوى العالمية، وتحديدًا من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي".
وأكدت بيلارا أنه "قد حان الوقت لكي تتحرك العدالة الدولية لاتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة والمستحقة تجاه هؤلاء (نتنياهو ووزير دفاعه وغيرهما من المسؤولين) عن أعمال القتل في غزة؛ هم مجرمو حرب، يرتكبون جرائم إبادة جماعية ضد أناس عزل، ونأمل أن تكون هذه الإجراءات على درجة من الفعالية تستطيع معها أن توقف الجرائم في غزة، وتضع حدًا للإبادة الجماعية".
وقالت: "خلال هذه الفترة شاهدنا دولاً من جنوب العالم، مثل جنوب أفريقيا وكولومبيا، تقود رد الفعل العالمي دفاعًا عن الشعب الفلسطيني، بينما الأمم التي تفخر بكونها أممًا حرة، وبكونها تناصر الحرية، مثل أميركا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، تقف متواطئة مع إسرائيل ومع كل ما تفعله منذ السابع من أكتوبر 2023، هذه الدول تمارس تواطؤها بذريعة أن إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها، وبذريعة أن إسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وهذه الذريعة الأخيرة في غاية الضعف والتهافت؛ إن هذه التصرفات من القوى العالمية ليست أكثر من تبرير لجرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل وشرعنة لها، ومن واجبنا أن نرفضها رفضا قاطعًا.. يجب ألاَّ نسمح لهذا كله أن يستمر حتى ليوم واحد".
وتابعت السياسية الإسبانية: "العدالة الدولية يجب أن تتصرف الآن، يجب أن توفر الأمن للشعب الفلسطيني، والحماية القانونية، والمستقبل الذي لا زالت بلداننا المحترمة غير معترفة به في الوقت الحالي، وهذا أمر يلحق العار بنا وبشعوبنا.. حكومتنا الإسبانية اتخذت خطوات جريئة للنأي بنفسها، في بعض الجوانب، عن بقية حلفاء إسرائيل. لكنها في الواقع لم تقم بشيء فعال وملموس للضغط على إسرائيل من أجل إيقاف المذبحة في أسرع وقت. نحن نطالب حكومتنا منذ أشهر بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، ومقاطعتها تجاريًا، وبالانضمام إلى جنوب أفريقيا التي تدين إسرائيل علنًا أمام محكمة العدل الدولية، كما نطالب حكومتنا بفرض عقوبات على إسرائيل وقادتها، كما فعلت روسيا وحلفاؤها. حكومتنا لم تفعل شيئًا من هذا، رغم مرور أكثر من سبعة أشهر على بدء الإبادة الجماعية، ومؤخرًا عرفنا أن توريد السلاح إلى إسرائيل يمر عبر إسبانيا، وهذا أمر ظل خفيًّا عنَّا، ولم نعرف به إلا في الأسبوع الماضي".
وقالت: "إن على حكومتنا أن تعترف بالدولة الفلسطينية، وأن تعتبر الفلسطينيين أبطالاً، وهذا هو ما كان على الرئيس سانشيز أن يفعله منذ وقت طويل، وهو شي إن حدث ستكون له أهمية رمزية، ولكن في هذه المرحلة، وبعد كل ما فعلته إسرائيل، نحن نعتقد أن هذا لم يعد كافيًا إذا لم يترافق الاعتراف بإجراءات من نوع آخر، فإنه لن يكون أكثر من عمل يخدم حكومتنا في علاقاتها العامة وسمعتها، أما أنه يوقف نتنياهو، فلا، فما يجري الآن هو من الخطورة بمكان، لا ينفع معه أن نقابله بتصريحات فارغة، وكما قال الرئيس سانشيز مؤخرًا، إن القضية الفلسطينية الآن هي قضية الإنسانية كلها".
وأكدت بيلارا على حقيقة أن "إسرائيل الآن لا تقتل الفلسطينيين فحسب، بل أيضًا تنتهك قواعد ومواثيق القانون الإنساني الذي وضعته بلدان العالم بعد الحرب العالمية الثانية".
وحذرت بيلارا من عواقب ما إذا "حققت إسرائيل هدفها وأبادت الشعب الفلسطيني، وأكملت احتلال الأرض، فإن العالم سيتغير إلى الأبد، وستنتهي أي إمكانية لإقامة نظام دولي مؤسس على القانون، وستصبح الجرائم أشياء طبيعية ومقبولة في نظر المجتمع الدولي، وكذلك سيرى المجتمع الدولي أن سرقة الأرض والإبادة الجماعية والتشريد أعمال سياسية مشروعة.. من هنا يجب أن نبذل كل ما في وسعنا لإيقاف المذبحة الجماعية في غزة، وإذا لم نفعل فستصبح الحرب والإبادة الجماعية والموت والعنف تهديدات تطرق أبواب العالم، اليوم الضحايا هم الفلسطينيون، لكن في الغد سيكون الجميع ضحية، وحينها لن يكون في وسع أحد منع الكارثة".