والدته تناديه حتى وهي نائمة
صادق فرحان (اسم مستعار- 28 سنة)، من مواليد مدينة تعز، تقدّم للدراسة في جامعة مأرب، لكنه اختفى قسريًا في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، واختفت معه، بلا رحمة، كل طموحاته الكثيرة وأحلامه.
في ذلك المساء، الثامن من أغسطس/ آب 2020، وعند حوالي الـ11:00 مساءً، حضرت عربة عسكرية (طقم) إلى محل الصرافة الذي يعمل فيه. كان صادق نائمًا حين أخذوه معهم وصادروا كل شيء، بما في ذلك كمبيوترات، وسيارة فورشينر لأخيه الأكبر؛ كانت بالقرب من محل الصرافة الذي كان يعمل فيه.
كانت فاجعة أسرته كبيرة، مع وصول خبر اختفائه، إذ نزل الخبر صاعقًا على أمه (60 سنة) التي أصبحت لا تنام ولا تأكل، وكل مشاعرها وتفكيرها تجاه صادق.
يقول شقيق صادق (30 سنة):
“كُنّا نتألم على حالها في صمت، ماذا عسانا أن نفعل. قمنا بمحاولات عديدة للوصول إلى مأرب، والبحث عنه، حتى أنا أخي الآخر- عند وصول الخبر- انطلق مباشرة من تعز إلى مدينة مأرب، ثم توجه إلى المجمع الحكومي، فدلّوه على الأمن السياسي، لأن السيارات التي أخذته كانت مُعكّسة النوافذ، وغالبًا ما يمتلك الأخير هذا النوع من السيارات”.
توجه سمير (40 سنة) بعد أن سمع باختفاء أخيه في مأرب مباشرة، إلى الأمن السياسي، فقاموا باحتجازه هو الآخر، يواصل شقيق صادق الحديث:
“أسودّت الدنيا في أعيننا، كان معتقل واحد وأصبحوا اثنين. قَدِمْت إلى مأرب، وبعد جهود ومتابعة في النيابة تم الإفراج عن سمير، لكن صادق ظل في غياهب المجهول، وظلت والدته تناديه حتى وهي نائمة”.
وفي السادس من رمضان، الموافق 7 إبريل/ نيسان 2022، تناهت إلى أسرة صادق أخبار من أنه سيطلق سراحه. يقول شقيق صادق:
“فرحت أمي وبكت، واضربت عن الطعام، تريد أن نأخذها إلى مأرب لرؤية ولدها واستقبالها حين الخروج. أخذناها إلى هناك، ولا يخفى على أحد حال الطرقات التي مررنا بها، فهمي تأخذك فجأة إلى المجهول. تعطلت السيارة ونحن في الطريق مرتين، وأمي امرأة مسنة ومريضة، لكنها تحملت العناء”.
عند وصول الأم المكلومة إلى أحد شوارع مأرب، وبينما كانت تمشي، شاهدت شابًا يشبه صادق في طوله وشعره وهيئته، فانقضت عليه واحتضنته، ظلت تقبّل أقدامه، وتقول له: “أين كنت، أبحث عنك من سنين”، كانت الدموع تنهمر من عينيها، وكان بالقرب من الشاب امرأة أخرى هي والدته، تنظر مندهشة ومتعجبة من الموقف.
تساءلت أم الشاب: ماذا تريدين يا أختي، هل تحتاجين إلى شيء؟ أمعنت أم صادق النظر مرة أخرى في الشاب، وعندما أيقنت أنه ليس هو أغمي عليها في وسط الشارع. تجمّع الناس يسألون عن الحكاية فحدثناهم، فرأينا الحزن بادي على وجههم، شفقة علينا.
يقول شقيق صادق:
وبعد ذلك، وبالتحديد في العاشر من إبريل/ نيسان 2022، طلبنا زيارة أخي لدى الجهات المختصة، ليهدأ قلب أمي ويطمئن على ولدها ولو قليلًا، لكن طلب الزيارة رُفض، ولم يحترموا حتى الشهر الفضيل، فقررنا العودة بنفس اليوم إلى تعز، يكسونا الألم والقهر، نبحث عن بصيص أمل فلا نجده”.