أوصت مواطنة في بيان لها الدول الداعمة للتحالف بمساندة الضحايا المدنيين عبر الضغط من أجل تشكيل آلية دولية مستقلة للتحقيق في انتهاكات التحالف .. “لا يزال الضحايا في انتظار خطوات جادة من مجلس حقوق الإنسان منذ قرابة عامين للتحقيق في انتهاكات جميع أطراف النزاع في اليمن".
قالت منظمة مواطنة لحقوق الإنسان في بيان أصدرته اليوم أن تشكيل آلية دولية مستقلة للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان من قبل جميع أطراف النزاع في اليمن أصبحت ضرورة ملحة. ودعت المنظمة في بيانها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى اتخاذ خطوات ملموسة لإنهاء سياسة الإفلات من العقاب، وهي دعوة وجهها المفوض السامي مراراً وتكراراً، بما في ذلك في بيانه الافتتاحي للدورة 36 لمجلس حقوق الإنسان الاثنين الماضي 11 سبتمبر/ أيلول 2017.
كما نشرت مواطنة اليوم فيديو بعنوان “اليمن وحيد”، والذي يسلط الضوء على أنماط انتهاكات ارتكبتها أطراف النزاع منذ سبتمبر/ أيلول الماضي.
فمنذ أن سيطرت جماعة أنصار الله المسلحة (الحوثيين) بمساعدة قوات موالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر/ أيلول 2014، دخلت اليمن مرحلة جديدة من الصراعات المسلحة التي تصاعدت بوتيرة عالية في 26 مارس/ آذار 2015، عندما قادت السعودية تحالف عربي من تسع دولي وبدأت بشن حملة عسكرية على الحوثيين وقوات صالح، ولمساندة حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي.
قالت رضية المتوكل، رئيسة منظمة مواطنة: “لا تزال انتهاكات القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان مستمرة، ولا يزال المدنيون يدفعون ثمن استهتار أطراف النزاع في اليمن. يجب على مجلس حقوق الإنسان أن يعمل على حماية المدنيين بعد عامين من الفشل في القيام بذلك. إن سمعة المجلس على المحك.”
انتهاكات أطراف النزاع في اليمن منذ سبتمبر/ أيلول 2016
استمرت مواطنة في توثيق انتهاكات حقوق الإنسان عبر منهجية البحث والاستقصاء الميداني. وقد أجرى فريق مواطنة لحقوق الإنسان خلال الفترة سبتمبر/ أيلول 2016 – أغسطس/ آب 2017 أكثر من 513 مقابلة مع ضحايا وأهالي ضحايا وشهود عيان وعاملين في المجال الطبي والإنساني لتوثيق وقائع انتهاكات القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان من قبل جميع أطراف النزاع في اليمن.
هجمات قوات التحالف العربي بقيادة السعودية:
استمرت قوات التحالف العربي بقيادة السعودية بشن هجماتها على مدنيين وعلى أعيان مدنية. وقد وثقت مواطنة ما لا يقل عن 85 هجمة شنها التحالف خلال سبتمبر/ أيلول 2016 – أغسطس/ آب 2017 وأدت إلى مقتل ما لا يقل عن 333 مدني وجرح ما لا يقل عن 331 آخرين، غالبيتهم من النساء والأطفال.
وفي الذكرى الثانية من بدء التحالف عملياته العسكرية في اليمن، أصدرت مواطنة بياناً في مارس/ آذار الماضي ودعت مواطنة فيه الدول المساندة للتحالف العربي بقيادة السعودية خصوصاً الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إلى فرض حظر على توريد الأسلحة إلى السعودية لإمكانية استخدامها ضد مدنيين وأعيان مدنية.
وبدلاً من ذلك، أوصت مواطنة الدول الداعمة للتحالف بمساندة الضحايا المدنيين عبر الضغط من أجل تشكيل آلية دولية مستقلة للتحقيق في انتهاكات التحالف.
كما أشار البيان أيضاً إلى استخدام أسلحة بريطانية وأمريكية وإيطالية الصنع في عدد من هذه الهجمات.
في يوم السبت 26 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، عند حوالي الساعة 5:40 مساءً، قام التحالف العربي بقيادة السعودية بقصف منزل فهمي عبد الحميد سيف بقرية القطيع بمديرية المراوعة في محافظة الحديدة. أدى الهجوم إلى قتل 10 مدنيين بينهم 6 أطفال وجرح 4 آخرين بينهم طفلين.
يقول عبد الكريم عبد الحميد هزاع شرف (55 سنة) والد عدد من الضحايا الذين سقطوا، والذي كان يرعي غنمه وقت الواقعة: “كانت أسرتي تزور منزل فهمي وأسرة فهمي تزور منزلنا بشكل دائم أيضاً. عند الساعة 5:40 مساءً كنت أرعى غنمي على بعد حوالي 50 متر من البيت. سمعت تحليق الطيران لكن لم أتوقع أن يُقصف منزل فهمي، وعند سقوط القنبلة ظننت أن الطائرة ذاتها سقطت، وامتلئ المكان بالغبار. وقفت أمام منزل فهمي ورأيت جميع الأجساد محروقة. لم أستطع التعرف على عهود خالد (30 سنة) زوجة ابني رأفت وابنها محمد رأفت (عام ونصف)، وغلا محمد (18 سنة) ابنة أخي وزوجة ابني رهيب والتي لم يمضي على زفافها سوى شهرين. رأيت حفيدي كرم رأفت (6 سنوات) بين الأنقاض مصاب في ساقه اليسرى وقمت بسحبه إلى جوار المنزل. لم أستطع التعرف إلا على جثة ابنتي رهاب (18 سنة). ذهبت إلى المنزل لأعرف من بقي منهم على قيد الحياة، ووجدت شبابيك المنزل قد اقتلعت بسبب الضربة الجوية، ووجدت زوجتي خيرية فسألتها من يوجد في المنزل، فقالت بأن الجميع في منزل فهمي وعلمت أن الجميع قد قضى نحبه.”
يضيف شرف: “لم يتم التمكن من رفع الأنقاض إلى عند الساعة 9:00 مساءً بسبب سقوط برج اتصالات على المنزل والذي كان يبعد عنه قرابة المتر الواحد. مات من أسرتي خمسة أفراد وجرح حفيدي كرم ونجوت أنا وزوجتي وولدي رأفت ورهيب الذين كانوا يعملون في الورشة حينها.”
يقول فهمي عبد الحميد سيف (35 سنة) مالك المنزل ووالد محمد (9 سنوات) وملكات (سنة ونص) وملك (3 سنوات) والذين قتلوا في الواقعة: “كنت في الورشة التي تبعد عن المنزل بحوالي 200 متر، وكان تحليق الطيران كثيفاً منذ الصباح. سمعت الإنفجار وخرجت من الورشة لأرى منزلي مدمر وبرج الاتصالات واقع عليه. منعني الناس من الوصول إلى المنزل ولم أرى أي جثة، وعلمت أني قد خسرت جميع أفراد أسرتي، عدا ابني عمار (8 سنوات) والذي بترت رجله اليسرى في ذات اليوم. قتلت زوجتي أسماء عبد القادر (30 سنة) وأولادي الثلاثة.”
يضيف سيف: “ذكرت وسائل إعلام من أنهم استهدفوا قادة حوثيين في بيتي… القادة العسكريون الذين كانوا في بيتي هم ملكات وملك!”
في يوم الاثنين 20 فبراير/ شباط 2017 عند حوالي الساعة 1:00 ظهراً، قام طيران التحالف بقصف منزل في قرية المشرقية الشعاب مديرية حرض محافظة حجة، وأدى الهجوم إلى مقتل رجل وإمرأة وجرح 5 مدنيين بينهم طفلتين اثنتين.
يقول علي حسين عجار (35 سنة)، أحد أقارب الضحايا وشاهد عيان: “عند حوالي الساعة 12:30 ظهراً ذهبت لأشتري خضروات من سوق يبعد حوالي 5 كيلو مترات من القرية. وبعد حوالي نصف ساعة، سمعت انفجاراً قوياً ورأيت الدخان يتصاعد، وعلمت من الناس بأنه منزل عمي علي أحمد عجار (60 سنة) ففجعت وظللت أتساءل عن سبب استهدافه. وصلت إلى منزل عمي ورأيته مهدم وأهالي القرية متجمعين وقلت حسبي الله ونعم الوكيل. رأيت أخواني وأبناء عمي مرميين على الأرض: ابن عمي أحمد علي أحمد ذيب عجار (18 سنة) نصف رأسه مفقود وجسده متفحم، وأخته عائشة (21 سنة) ممزقة من البطن ومتفحمة، وأخي محمد (18 سنة) جريح بشظية في ظهره، وأختي العنود (13 سنة) جريحة بشظية في رجلها اليسرى، وأختي هاجر (7 سنوات) جرحت بشظية في رأسها وأختي خديجة (20 سنة) تعاني من إعاقة احترق جزء من وجهها، وأختي فاطم (27 سنة) جرحت بشظية وكسرت يدها اليسرى. قمت أنا وأبي وعمي بإسعاف الجرحى إلى مركز الحضن في الشعاب بمديرية حرض، وتم عمل الإسعافات الأولية ومن ثم نقلوا إلى مستشفى عبس الذي تديره منظمة أطباء بلا حدود.”
كما لم يسلم المدنيون في محافظة تعز من هجمات قوات التحالف العربي بقيادة السعودية إلى جانب ما يتعرضون له بسبب النزاع البري المسلح بين جماعة أنصار الله (الحوثيين) وقوات الرئيس السابق صالح من جهة وجماعات المقاومة الشعبية والقوات الموالية للرئيس هادي من جهة أخرى.
ففي يوم الثلاثاء 18 يوليو/ تموز 2017 عند حوالي الساعة 8:00 صباحاً قام طيران التحالف العربي بقيادة السعودية بقصف مخيم بمديرية موزع لنازحين موزع من قرى تابعة لمديرية المخا بمحافظة تعز. وقد وصل النازحون إلى تلك المنطقة المنطقة حوالي خمسة أشهر قبل تاريخ الواقعة بسبب الاشتباكات المسلحة بالقرب من معسكر خالد بمحافظة تعز.
أودى الهجوم إلى مقتل ما لا يقل عن 15 مدني بينهم 11 طفل دون سن الخامسة عشرة من أسرتين وجرح امرأة واحدة. وبعد الواقعة بحوالي ساعة، قصف طيران التحالف دكاناً يقع على الشارع الرئيسي ويبعد عن مخيم النازحين بحوالي 15 كيلو متر، وجُرح رجل واحد على الأقل.
وفي يوم الاثنين 24 يوليو/ تموز 2017، عند حوالي الساعة 9:30 صباحاً، قصف طيران التحالف العربي بقصف سيارة عليه 11 مدنياً على طريق الحدينة بقرية الكديحة التابعة لمديرية المخا في محافظة تعز. قتل طفل في هذه الواقعة وأصيب الآخرين. وكان قد نزح هؤلاء المدنيين قبل ثلاثة أشهر من منطقة الهاملي إلى قرية الكديحة بعد اشتداد وتيرة الاشتباكات المسلحة ، وقرروا النزوح مرة أخرى من قرية الكديحة لذات السبب.
القصف والهجمات العشوائية:
لا يزال المدنيون يسقطون جراء القصف والهجمات العشوائية بين قوات جماعة أنصار الله (الحوثيين) والقوات الموالية للرئيس السابق صالح من ناحية ومجموعات المقاومة الشعبية وقوات الرئيس هادي من ناحية أخرى لا سيما في تعز.
وقد وثقت مواطنة 62 واقعة لهجمات عشوائية خلال سبتمبر/ أيلول 2016 – يوليو/ تموز 2017 تركزت معظمها في تعز وبعضها حدثت في الجوف ومأرب. قتل في هذه الوقائع ما لا يقل عن 76 مدنياً وجرح ما لا يقل عن 150 آخرين، ويتحمل مسؤولية معظم الهجمات الدامية جماعة أنصار الله “الحوثيين” وقوات الرئيس السابق صالح.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، أصدرت مواطنة تقرير “فصول من جحيم” والذي يتناول انتهاكات القانون الدولي الإنساني في النزاع البري المسلح في تعز. سلط الباب الأول الضوء على 32 واقعة هجوم عشوائي على الأحياء السكنية في المدينة.
في يوم الاثنين 16 يناير/ كانون الثاني 2017، عند حوالي الساعة 8:00 مساءً، سقط مقذوف ناري على منزل شباط عبد الحفيظ عبد الوالي الشميري والذي يقع في قرية المويجر بمديرية مقبنة في محافظة تعز. وأسفر الهجوم عن مقتل خمسة مدنيين بينهم طفلين وجرح طفلين آخرين. وبحسب المقابلات التي أجرتها مواطنة، فإن شهود عيان يعتقدون بأن مصدر المقذوف كان من الجهة الغربية من كناطق حيس والخوخة التابعة لمحافظة الحديدة والخاضعة لسيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين) والقوات الموالية للرئيس السابق صالح.
قتل في الهجوم شباط عبد الحفيظ الشميري (35سنة) وزوجته أشجان محمد غالب عقلان (30سنة) وابنه محمد شباط عبد الحفيظ (3 سنوات) وابنته أبرار شباط عبد الحفيظ (سنتين). وسحر عبدة علي دحوة (34 سنه) زوجة الشقيق الأكبر لشباط (حافظ). وجرح أبناء حافظ عبد الحليم حافظ عبد الحفيظ (9 سنوات) و غصون حافظ عبد الحفيظ (4 سنوات)
يقول علي محفوظ الشميري (42 سنة)، وهو شاهد عيان: ” كنت على سطح منزلي منتظر لوجبة العشاء. أنا أسكن تحت الجبل الذي تعرض للهجوم ويبعد منزلي من المنزل الذي تعرض للهجوم حوالي كيلو متر واحد أو أقل. شاهدت شيئ شديد الإحمرار متجهاً نحو الشرق من الجهة الغربية من ناحية مناطق حيس والخوخة. كان في ظني أنه نجم ساقط من السماء، ومرت ثواني قليلة وأضاءت القرية بأكملها وحدث انفجار هائل.”
ويضيف الشميري: “ذهبت أنا والجيران بعد الانفجار مباشرة ورأينا الكارثة في منزل شباط عبد الحفيظ. قمنا بإخراج الجثث أنا وبعض أهالي المنطقة، وبعد مرور ساعة من الواقعة قمت بإسعاف طفلي شباط عبد الحفيظ وكانا فاقدي الوعي تماماً عبد الحليم وغصون إلى مستشفى البرح الذي يبعد حوالي 25 كيلو متر جنوباً لكن تم نقلهم مباشرة إلى مستشفى جبلة بمدينة إب بسبب نقص الاحتياجات اللازمة. لم تشهد هذه المنطقة أي اشتباكات مسلحة، وهذه الواقعة تعد أول كارثة تحدث لنا بهذه البشاعة وبهذا الإجرام. لا أعلم من أطلق المقذوف ولكن ما أعرفه حق اليقين أن الصاروخ أتى من الجهة الغربية من مناطق حيس والخوخة، ولم أسمع أي تحليق للطيران في ذلك الوقت.”
يقول عبد الحفيظ عبد الوالي الشميري (60 سنة)، وهو والد الضحايا، و كان يبيع القات على مقربة من مكان الواقعة: “كنت أصرخ وأبكي وأنا على الركام وأجمع جثث أولادي وأحفادي. ظللنا نبحث عن الجثث تحت الأنقاض لساعات طويلة منذ ساعة حدوث الواقعة 8:00 مساءً وحتى اليوم التالي عند الساعة 12:00 ظهراً. وأخيراً عثرنا على نصف جثة أشجان زوجة أبني شباط وهي محترقة. بغضون ثواني قليلة فقدت خمسة أشخاص بينهم أطفال.”
وبعد ظهر يوم الأحد 12 فبراير/ شباط 2017، عند حوالي الساعة 1:00 مساءً، أدى سقوط قذيفة على منزل في قرية الباطنه في مديرية المتون بمحافظة الجوف إلى جرح ثلاثة أطفال وإمرأة.
وسقطت القذيفة على الجهة الشرقية للمنزل، وأدى الهجوم إلى تضرر المنزل المكون من طابق ارضي مبني من الطين. ويعتقد أن مصدرها من المجمع الحكومي حيث تتمركز المقاومة الشعبية ويبعد حوالي 3 كيلو مترات عن المنزل، وتقع نقطة أمنية تابعة لجماعة أنصار الله (الحوثيين) جنوب المنزل والذي يبعد عن المنزل المستهدف بحوالي كيلو متر واحد. وتشهد هذه المنطقة اشتباكات من وقت لآخر بين طرفي النزاع.
استخدام الألغام الأرضية:
لا تزال أعداد الضحايا المدنيين الذين يسقطون قتلى وجرحى بسبب انفجار الألغام الأرضية في تزايد.
وثقت مواطنة ما لا يقل عن 21 واقعة انفجار ألغام زرعتها جماعة أنصار الله (الحوثيون) وقوات الرئيس السابق صالح في خمس محافظات يمنية: تعز، الجوف، البيضاء، مأرب، عمران. وقعت هذه الوقائع خلال الفترة سبتمبر/ أيلول 2016 – يوليو/ تموز 2017، وأدت إلى مقتل ما لا يقل عن سبعة مدنيين وجرح ما لا يقل عن 50 مدنياً.
وفي أبريل/ نيسان الماضي، أصدرت مواطنة تقرير “قاتل مستتر” والذي يوثق 33 واقعة كنماذج لوقائع انفجار ألغام أرضية بمدنيين تحققت منها المنظمة من خلال بحثها الميداني خلال الفترة من يوليو/ تموز 2015 حتى أكتوبر/ تشرين الأول 2016، في المحافظات عدن، تعز، مأرب، صنعاء، البيضاء ولحج. وأدت هذه الوقائع إلى مقتل 57 مدنياً وجرح 47 آخرين.
في يوم الاثنين 3 أبريل/ نيسان 2017، عند حوالي الساعة 11:30 صباحاً، أدى انفجار لغم عند مرور حافلة نقل كبيرة عليه بقرية الجفينة بمدينة مأرب إلى جرح طفل ووالده.
وتعد هذه المنطقة من منطقة الجفينة بمدينة مأرب تعتبر من المناطق التي دارت فيها الحرب والمعارك بين الحوثيين وقوات صالح من جهة وبين الجيش التابع للرئيس هادي والمقاومة الشعبية من جهة أخرى. وقد انسحبت قوات الحوثيين وصالح من هذه المنطقة في أكتوبر/ تشرين الأول 2015.
يقول حسين علي الهزمي (10 سنوات)، طالب في الصف الثالث من المرحلة الأساسية والذي أصيب في الواقعة: ” لم اذهب إلى المدرسة في ذلك اليوم لأذهب مع والدي علي حسين الهزمي (35 سنة) لجمع الأحجار على حافلتنا (القلاب) وبيعها في السوق. دخلنا بالحافلة إلى منطقة وقمنا بجمع الأحجار وتحميلها ، وعند انتهائنا تحركنا في طريق العودة من ذات الطريق باتجاه وسط المدينة. بعد خروجنا من المكان توقفنا قليلاً على جانب الطريق بسبب وجود حجرة كبيرة تعيق طريقنا. توقف والدي بجوارها وطلب مني أن ازيحها من أمام الإطار الأمامي من جهة اليسار. عند حفري لها وتحريكي للحجر، سمعت انفجاراً كبيراً وتطايرات أحجار وتراب وغبار كثيف شعرت بها في وجهي، وقذف بي الإنفجار الى الخلف.”
يضيف الهزمي: “لم أعد أرى بعيني سوى رؤية ضعيفة ومشوشة مع غشاء أبيض بعيني اليمنى، أما عيني اليسرى فلم أعد أرى بها شيئاً. “
الإعدامات الميدانية:
وثق الباب الثاني من تقرير “فصول من جحيم” تسع وقائع اعدامات ميدانية نفذتها المقاومة الشعبية والقوات التابعة للرئيس عبد ربه منصور هادي في محافظة تعز. وخلال الفترة سبتمبر/ أيلول 2016 – يوليو/ تموز 2017، وثقت مواطنة ستة وقائع في تعز.
وتقوم المقاومة الشعبية وقوات الرئيس هادي بتنفيذ إعدامات خارج إطار القانون بحق مناوئين لها ممن بعتقد بأنهم يتبعون جماعة أنصار الله المسلحة (الحوثيين) وقوات صالح، أو يعتقد بأنهم يتعاطفون او يعملون لصالح الحوثيين.
وقائع الاعتقال التعسفي والإختفاء القسري والتعذيب:
وثقت منظمة مواطنة ما لا يقل عن 30 واقعة اعتقال تعسفي و ثمانية وقائع اختفاء قسري وواقعة تعذيب واحدة حتى الموت تمت خلال الفترة سبتمبر/ أيلول 2016 – يوليو/ تموز 2017 قامت بها جماعة انصار الله (الحوثيين) وقوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح.
كما وثقت أيضاً ما لا يقل عن 10 وقائع اعتقال تعسفي وواقعتي إختفاء قسري و4 وقائع تعذيب قامت بها قوات تابعة لحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي خلال الفترة سبتمبر/ أيلول 2016 – يوليو/ تموز 2017.
ولازالت جماعة أنصار الله (الحوثيون) وقوات صالح تعتقل 16 صحفياً بصورة تعسفية، بينهم صحفي واحد على الأقل مُختفٍ قسراً منذ أكثر من عامين، وتعرّض هؤلاء الصحفيين للتعذيب خلال فترات متفاوتة. كما أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة، الخاضعة لسلطة جماعة الحوثيين والرئيس السابق صالح، في يوم الأربعاء 12 أبريل/ نيسان 2017، في صنعاء، ، حكماً “بالإعدام تعزيراً بحق الصحفي يحيى الجبيحي، لتخابره مع دولة أجنبية“.
وفي يونيو/ حزيران الماضي، أصدرت مواطنة بياناً “التعذيب في اليمن: سلطات متعددة وسلوك واحد”، ذكرت فيه أن مواطنة تحققت من 30 واقعة تعذيب، توفي على إثرها ثلاثة محتجزين على الأقل، جراء تعرضهم للتعذيب في معتقلات ومراكز احتجاز تابعة لجماعة أنصار الله المسلحة (الحوثيين) وحليفها الرئيس السابق صالح.
وتحققت أيضاً من 26 واقعة تعذيب، توفي فيها محتجز واحد على الأقل، في معتقلات وأماكن احتجاز تابعة لقوات الحزام الأمني وقوات تابعة لإدارة أمن محافظة عدن، وقوات النخبة الحضرمية في المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة الرئيس هادي.
الوضع الإنساني جراء النزاع في اليمن
تحققت مواطنة من عشرات الوقائع لمنع وصول مساعدات إنسانية بالإضافة الى حالات حصار تتعرض له مدن بعينها ما يحرم فئات واسعة من المدنيين المعوزين من تلقي المساعدات الإنسانية الضرورية كما يقوض قدرتهم على تدبير أمورهم الحياتية حتى بالحد الأدنى.
“الأسواء عالمياً “هو العنوان والمقياس الذي استقرت عنده توصيفات الأزمة الإنسانية في اليمن واجتمعت فيه تفاصيلها بعد أكثر من عامين على النزاع العنيف الذي دفع الأوضاع من التردي وعدم الاستقرار اللذين برزا قبل الحرب الى أعلى مستويات التدهور والانهيار وصولاً الى أكبر أزمة انسانية تشهدها البلد حالياً.
أوجدت الحرب ظرفاً ملائمة لسلسلة من أزمات حادة مترابطة ومتداخلة في تعقيداتها ومتسارعة جداً في تفاقمها. لم يعد الانهيار تهديداً وشيكاً بل واقعاً. لم يعد التشرد والنزوح كابوساً محتملاً وانما حقيقة يقاسيها حوالي مليوني نازح ومشرد طبقاً لمفوضية الأمم المتحدة للاجئين. تحولت المجاعة من شبح يخشاه السكان وتحذر منه المنظمات الإنسانية، الى معاناة يومية تطال اليوم 17 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي ولا يعرفون من أين ستأتي الوجبة التالية بحسب مكتب منسق الشؤون الإنسانية في اليمن.
يعاني النظام الصحي من انهيار كبير أدى الى توقف أكثر من 60 % من مرافق الخدمة الصحية خاصة مع دخول موظفي القطاع الحكومي في اليمن شهرهم العاشر دون أجور. كما أدى تفشي وباء الكوليرا في البلاد الى وفاة نحو 2000 حالة، وهناك نحو مليوني طفل مصابون بسوء التغذية الحاد ما يجعلهم أكثر عرضة للأمراض والاوبئة لا سيما الكوليرا في الوقت الراهن.
يواجه المدنيون في المناطق النائية والأكثر تضرراً صعوبة في الوصول الى مراكز التغذية والعلاج بسبب عدم قدرتهم على تحمل أجور النقل الى هذه المرافق لا سيما تلك التابعة لمنظمات إسانية واغاثية دولية داخل المدن.
ومن الصور التي وثقتها مواطنة للحرب، هناك عائلات فقدت منازلها وفرص عيشها. طرق وجسور ومرافق حيوية، مستشفيات ومراكز صحية تعرضت للقصف. وطال الدمار كذلك منشاءات صناعية وتعليمية، شبكات مياه ومحلات تجارية.
معوقات عمل منظمات المجتمع المدني لا سيما الحقوقية
منذ سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيون) على العاصمة صنعاء بقوة السلاح في سبتمبر/ أيلول 2014، تقلصت المساحة المتاحة للعمل المدني بشكل كبير. ومع وصول النزاع المسلح ذروته بتدخل التحالف العربي بقيادة السعودية في مارس/ آذار 2015، زادت التعقيدات والإجراءات على منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية على حد سواء.
تواجه مواطنة العديد من التحديات أثناء العمل في الميدان. وأبرز هذه التحديات عدم استقرار الوضع الأمني أو استمرار العمليات العسكرية في عدد من المناطق التي تشهد وقائع انتهاكات حقوق الإنسان وعدم القدرة على توثيقها بالشكل المطلوب.
بالإضافة إلى ذلك، استمرار موجات النزوح بسبب النزاع المسلح تشكل عائقاً كبيراً للحصول على شهادات الشهود أو الضحايا الذين سقطوا في بعض الوقائع أو شهادات شهود عيان. كما أن العبث في المواقع التي تتعرض للهجمات والعبث ببقايا السلاح المستخدم يعيق عملية التحقيق والاستقصاء في معرفة نوعية السلاح المستخدم في الهجمة على سبيل المثال وفي التعرف على ما هيته والطرف الذي يمتلكه.
والأهم من ذلك، تعرض فريق مواطنة الميداني لحملات التشويه ولخطر التهديد والتحقيق والاستجواب والاعتقال التعسفي أيضاً سواء في المناطق التي تسيطر عليها جماعة أنصار الله (الحوثيين) وقوات صالح أو المناطق التي تسيطر عليها حكومة الرئيس هادي والجماعات الموالية له.
أداء اللجنة الوطنية للتحقيق في مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان
لا يمكن البتة اعتبار اللجنة الوطنية للتحقيق في مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان المُنشأة من قبل حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي جهة ذات قدرة على تقديم تقارير مستقلة وموضوعية عن وضع حقوق الإنسان في اليمن، كونها مكونة من قبل طرف من أطراف النزاع الجاري في اليمن.
طريقة تشكيل اللجنة الوطنية يضر بمصداقيتها وفي نهاية المطاف قدرتها على التحقيق في الانتهاكات ومحاسبة المتورطين في الانتهاكات.
لدى اللجنة الوطنية محققين ومفوضين يفتقرون إلى الاستقلالية عن العمل السياسي، وبالتالي تكون اللجنة الوطنية عرضة للتأثير من قبل أولئك المتورطون في الانتهاكات أو الأطراف التي لديها مصلحة قوية في إخفاء تجاوزات وانتهاكات كما هو الحال مع التحالف العربي بقيادة السعودية. وبموجب القرار الرئاسي وآلية رفع تقارير اللجنة إلى الرئيس مباشرة، يعني أن اللجنة الوطنية لا تتمتع بأي استقلالية على الإطلاق.
بدلاً من ذلك، فإنه مع تشكيل لجنة تحقيق دولية، سيكون هناك مستوى كبير من الحيادية والاستقلالية عن العوامل السياسية الداخلية والتي تجعل استقلالية اللجنة الوطنية أمراً مستحيلاً.
علاوة على ذلك، فإن من أهم التحديات التي تواجهها اللجنة الوطنية هي الافتقار إلى المنهجية والقدرات الفنية، وطريقة تنفيذ العمل على الأرض. فواقع الحال على الأرض يتطلب وجود خبرات دولية متقدمة ومستقلة لعمل مثل هذه التحقيقات.
لا تتمتع اللجنة الوطنية باعتراف جماعة الحوثيين وقوات صالح، كما أن اللجنة الوطنية تفتقر لإلزام هذه الأطراف بتسليم وثائق للجنة بغرض المراجعة. لم ترد جماعة الحوثيين وقوات صالح بالرد على المذكرات المرسلة من قبل اللجنة في واقع الأمر.
على الرغم من اللجنة الوطنية قد ذكرت بأنها ستحمي الشهود، وقد امتنعت عن الكشف عن هوياتهم في التقرير، فإن قدرتهم على جمع بيانات من ضحايا الانتهاكات التي ارتكبتها حكومة هادي أو قوات الحوثي صالح قد تضررت بشكل كبير بسبب انتمائهم إلى الحكومة (طرف من أطراف النزاع)، ولا ينظر إلى المحققين على أنهم محايدون ومستقلون. قد يخشى الضحايا من التحدث إلى المحققين التابعين للجنة الوطنية خوفاً من ألا ينظر إلى الانتهاكات التي طالتهم على محمل الجد، أو خوفاً من القيام بتشويه الحقائق.
يبدو أن إعلان الرئيس هادي بأنه أحال مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان وانتهاكات القانون الدولي الإنساني الواردة في تقارير اللجنة الوطنية إلى النائب العام، بحسب ما أوردته وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) في النسخة التي تديرها حكومة هادي، محاولة واضحة لتقويض إنشاء تحقيق دولي مستقل في اليمن.
يتجاهل التحرك الأخير للرئيس هادي الضحايا، ويتجاهل مفهوم المساءلة وكذلك الحالة المقلقة في اليمن. وفي حين أن إحالة الحالات الموثقة في تقارير اللجنة الوطنية إلى النائب العام تدلل على الاستعداد للمساءلة، إلا أن كلاً من اللجنة الوطنية ذاتها وتقاريرها في الأساس معيبة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن القوانين اليمنية تفتقر إلى الأحكام التي من شأنها توفير السبيل المناسب الذي يمكن من خلاله توجيه الاتهام في العديد من هذه الجرائم، مما يجعل المساءلة في بعض أشد الجرائم فظاعة أكثر صعوبة. وعلاوة على ذلك، أظهرت المؤسسات العدلية اليمنية عجزاً شديداً عن التحقيق في القضايا الجنائية الروتينية، ناهيك عن التحقيق في الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
يقع على أطراف النزاع واجب التحقيق في انتهاكات القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، ومع ذلك، فإنه لا يجب اعتبار هذه التحقيقات كافية. وهناك حاجة إلى آلية تحقيق دولية مستقلة للعمل بشكل مستقل وتقديم المنتهكين للمساءلة.
وقالت المتوكل: “لا يزال الضحايا في انتظار خطوات جادة من مجلس حقوق الإنسان منذ قرابة عامين. يجب على المجلس إقرار تشكيل آلية دولية مستقلة للتحقيق في انتهاكات جميع أطراف النزاع في اليمن، وإرسال رسالة واضحة إلى الضحايا وذويهم من أنه من الممكن تحقيق العدالة والمساءلة في اليمن.”