التعليم في مرمى النار

مدارس القبيطة في لحج بين الاستباحة والتدمير

January 29, 2025

مدارس انتهكت حرمتها، وتعرضت للهجوم والاعتداء، وحُولت إلى ثكنات عسكرية، فأصبحت خارج الخدمة تمامًا. هكذا ترك النزاع المسلح بصماته العميقة على العملية التعليمية في مديرية القبيطة بمحافظة لحج، حيث دفعت المدارس ثمناً باهظاً لهذا الصراع.

تسلط هذه السطور الضوء على معاناة العملية التعليمية في هذه المديرية، وما شهدته من انتهاكات صارخة، بدءًا من الاعتداءات والهجمات المباشرة على المدارس، وصولًا إلى استخدامها كثكنات عسكرية من قبل أطراف النزاع، مما أدى إلى شل قدرتها على أداء دورها التعليمي.

كما تناقش الانعكاسات المؤلمة لهذه الانتهاكات على حق الأطفال في التعليم، مسلطة الضوء على المشقة التي يتحملها الطلاب والمعلمون في ظل بيئة تفتقر إلى الأمان، حيث يواصلون كفاحهم للحفاظ على شعلة التعليم مضاءة رغم التحديات الجسيمة.

 

مدرسة عمار بن ياسر للتعليم الأساسي والثانوي

يتلقى نحو ألف طالب وطالبة، من الصف الأول الابتدائي حتى الصف الثالث الثانوي، تعليمهم في مدرسة عمار بن ياسر الواقعة بمنطقة الشريجة، مديرية القبيطة، محافظة لحج. يعمل في المدرسة 34 معلمًا، إلا أنها تعرضت لانتهاكات متكررة من قبل مختلف أطراف النزاع.

في قرابة الساعة الثامنة مساءً من يوم الأحد الموافق 22 مارس/آذار 2015، تم احتلال المدرسة والتمركز في بوابتها من قِبَل مسلحي جماعة أنصار الله (الحوثيين)، واستخدام جزء منها كثكنة عسكرية.

وفي يوم الخميس 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، عند الساعة الثالثة والنصف عصرًا، استهدفت غارات جوية لطيران التحالف بقيادة السعودية والإمارات المدرسة دون سابق إنذار، بهدف ضرب مسلحي جماعة أنصار الله (الحوثيين) المتمركزين داخلها. نتج عن القصف أضرار جسيمة في مبنى المدرسة وسورها، وتدمير أثاثها، بالإضافة إلى تشققات في المباني المجاورة بسبب الشظايا.

تعرضت المدرسة لقصف جوي آخر يوم الأربعاء 27 يوليو/تموز 2016، عند الساعة الثانية عشرة ظهرًا، أثناء امتحانات نهاية الفصل الدراسي، مما أدى إلى توقف العملية التعليمية بشكل كامل، وتحول المدرسة إلى مكان غير آمن لتعليم الطلاب.

في صباح يوم الأربعاء 24 أغسطس/آب 2016، عند الساعة الحادية عشرة، تعرضت المدرسة لقصف بري من قبل مسلحي أنصار الله المتمركزين على جبل الحمام غربًا، مما ألحق أضرارًا إضافية بالمبنى ومحتوياته. وتكرر الهجوم يوم الثلاثاء 20 فبراير/شباط 2018، عند الساعة الرابعة عصرًا، بصواريخ الكاتيوشا التي أطلقتها قوات المجلس الانتقالي الجنوبي بعد سيطرتهم على الأطراف الجنوبية الشرقية لمنطقة الشريجة، ما تسبب في مزيد من الدمار للمدرسة.

توقفت العملية التعليمية في المدرسة منذ 27 يوليو/تموز 2016، ونزح العديد من أهالي المنطقة. استُكمل تعليم الطلاب في منطقة المليح بمديرية القبيطة، تحت الخيام، الأشجار، والكهوف، وسط بيئة وظروف تعليمية غير مواتية، حيث تعرضوا لحرارة الصيف القائظة وصقيع الشتاء، بالإضافة إلى خطر جرف السيول خلال موسم الأمطار.

في عام 2021، تدخلت منظمة المستقبل عبر مؤسسة ينابيع الخير لبناء مدرسة صغيرة بديلة في قرية شقرة، شرق منطقة الشريجة، مديرية القبيطة. تبعد هذه المنطقة حوالي ثلاثة كيلومترات عن مواقع المواجهات بين قوات اللواء الثاني مشاة حزم الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي، والمسيطرة على المنطقة، وقوات جماعة أنصار الله (الحوثيين) المتمركزة على الجبال غرب الشريجة.

انتقل طلاب مدرسة عمار بن ياسر من منطقة المليح إلى المدرسة البديلة في شقرة منذ بدء العام الدراسي 2021/2022، بعد عودة غالبية الطلاب من مناطق نزوحهم، في حين لا يزال بعض الطلاب نازحين مع أهاليهم. يبلغ عدد الطلاب حاليًا حوالي 653 طالبًا وطالبة، فيما يبلغ عدد المعلمين 37 معلمًا.

تتكون المدرسة البديلة التي بنيت في منطقة شقرة من تسعة فصول دراسية صغيرة، لا تستوعب جميع الطلاب الذين يعانون من الازدحام داخل الفصول. يتم تدريس بقية الطلاب في خيام بجانب الفصول، وهم مفترشون الأرض. يعاني الطلاب من نقص حاد في التجهيزات الأساسية، مثل الكراسي، السبورات، والكتب المدرسية، بالإضافة إلى عدم توفر خدمات الكهرباء والمياه.

لا يزال موقع المدرسة البديلة غير آمن؛ إذ تقع على بُعد حوالي ثلاثة كيلومترات من مواقع المواجهات بين قوات المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات جماعة أنصار الله (الحوثيين) المسيطرة على الجبال الغربية للمنطقة.

تتكرر الاشتباكات بين الطرفين من حين لآخر، مما يؤدي إلى وصول قذائف القصف العشوائي إلى الطرقات وجبال المنطقة، وأحيانًا إلى محيط المدرسة والطرقات المؤدية إليها. وهذا يضطر الطلاب والمعلمين إلى تعليق العملية التعليمية في المدرسة البديلة أيضًا، حتى تتوقف الاشتباكات والقصف العشوائي على المنطقة.

مدرسة الثورة للتعليم الأساسي والثانوي

إحدى المدارس التي حولتها جماعة أنصار الله (الحوثيين) إلى ثكنة عسكرية هي مدرسة الثورة للتعليم الأساسي والثانوي، الواقعة شمال غرب محافظة لحج بمنطقة سوق الاثنين التابعة لمديرية القبيطة في محافظة لحج.

تقع المدرسة على تل مرتفع يُعرف بالمهدد، في موقع استراتيجي يتوسط العديد من القرى المجاورة.

قبل الأحداث، كانت المدرسة تحتضن حوالي 650 طالبًا وطالبة من مختلف القرى القريبة، وكان يعمل فيها نحو 33 معلمًا ومعلمة إلى جانب الطاقم الإداري.

بعد سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين) على مديرية القبيطة في منتصف عام 2015، تدهور الوضع الأمني في المنطقة. ومع ذلك، استمرت العملية التعليمية حتى منتصف عام 2019، حين تحوّلت المنطقة المحيطة بالمدرسة إلى ساحة مواجهات بين جماعة أنصار الله (الحوثيين) وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي، التي سيطرت في تلك الفترة على منطقة عيريم بمديرية القبيطة، جنوب المنطقة التي تقع فيها المدرسة، على بعد أقل من كيلومتر واحد.

في يوم السبت، 13 يوليو/تموز 2019، اقتحمت جماعة أنصار الله (الحوثيين) المدرسة في ساعات الصباح الباكر، واستخدمت مبانيها كثكنة عسكرية، حيث خُصصت بعض الغرف لتخزين الأسلحة وأخرى كمطبخ للجماعة. أدى ذلك إلى توقف العملية التعليمية بالكامل.

زرعت جماعة أنصار الله (الحوثيين) الألغام والمتفجرات حول المدرسة لحماية مواقعها الأمامية، مما جعلها خط مواجهة أولي. وأسفرت هذه الإجراءات عن وقوع انفجارات متكررة أودت بحياة الماشية التي اقتربت من المبنى.

وفي نفس اليوم، عند الساعة الثانية ظهرًا، استهدف طيران التحالف بقيادة السعودية والإمارات المدرسة بصاروخ أصاب المنطقة المحيطة بها، مسببًا أضرارًا مادية منها تحطم زجاج النوافذ وسقوط الأبواب نتيجة قوة الانفجار.

مع احتدام المواجهات بين مسلحي جماعة أنصار الله (الحوثيين) وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي في تلك الفترة، شهدت القرى المجاورة للمدرسة نزوحًا جماعيًا، وتحولت المنطقة إلى مسرح لمعارك شرسة بين الطرفين بمختلف أنواع الأسلحة.

رغم نزوح المدنيين، تابع طلاب مدرسة الثورة دراستهم في العام الدراسي 2019/2020 في مناطق النزوح المختلفة بمحافظتي لحج وتعز. ومنذ منتصف عام 2020 وحتى اليوم رغم عودة معظم سكان القرى المجاورة مع تراجع حدة الاشتباكات، لا تزال المدرسة تحت سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين) وتُستخدم لأغراض عسكرية.

لذلك، اضطر الطلاب إلى الانتقال إلى مبنى بديل غير مؤهل تابع لوحدة صحية قيد الإنشاء في قرية "إيفوع" المجاورة لمدرسة الثورة منذ سبتمبر/أيلول 2020 وحتى الآن. هذا المبنى، الذي يفتقر إلى النوافذ والغرف المناسبة، أصبح ملاذًا للتعليم رغم افتقاره إلى الأساسيات.

منير محمد- اسم مستعار45- عامًا، من أهالي مديرية القبيطة، قال لـ"مواطنة": "كان عدد الطلاب والطالبات في مدرسة الثورة قبل احتلالها نحو 650 طالبًا وطالبة، ولكن نتيجة الحرب والنزوح أصبح عددهم حاليًا قرابة 450 طالبًا وطالبة. ويتابع ما تبقى من الطلاب تعليمهم في أماكن نزوحهم".

ورغم قسوة الظروف، يواصل الطلاب تعليمهم في المبنى البديل، متحملين بيئة تعليمية غير ملائمة، حيث يجلسون على الأرض في غرف صغيرة، ويفتقر المبنى إلى النوافذ التي تحميهم من أشعة الشمس الشديدة في الصيف أو البرد القارس في الشتاء.

يُعَدّ الموقع الاستراتيجي لمدرسة الثورة، المطل على عدد من القرى، أحد الأسباب الرئيسية لاستمرار استخدامها عسكريًا من قِبَل جماعة أنصار الله (الحوثيين)، ما جعلها هدفًا متكررًا لقوات المجلس الانتقالي التي تتمركز على بُعد أقل من كيلومتر واحد جنوب المدرسة، حيث استُهدفت مرارًا منذ منتصف عام 2019 بالأسلحة المتوسطة.

ورغم استمرار الاحتلال للمدرسة حتى العام الحالي 2025، واستخدامها كثكنة عسكرية، يواصل طلابها التعليم بإصرار في ظل ظروف صعبة في المبنى البديل، متشبثين بحقهم في بناء مستقبلهم.

مدرسة 30 نوفمبر للتعليم الأساسي

تقع مدرسة 30 نوفمبر للتعليم الأساسي في منطقة الدبي التابعة لمديرية القبيطة بمحافظة لحج، وكانت تقدم التعليم للطلاب من الصف الأول الابتدائي إلى الصف الثامن، بفترتين صباحية ومسائية. نظرًا لعدم كفاية الفصول الدراسية، كان يتم تدريس بعض الطلاب في خيام بجانب المدرسة.

بلغ عدد الطلاب والطالبات في المدرسة 319 طالبًا وطالبة، بإشراف تسعة معلمين.

أصبح موقع المدرسة في منطقة الدبي منطقة تماس على خط مواجهات بين قوات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي وقوات جماعة أنصار الله (الحوثيين) منذ يوليو 2018، وحتى الآن. وبدأت جماعة أنصار الله (الحوثيين) بزراعة الألغام في محيط المدرسة، مما جعل موقع المدرسة غير آمن منذ منتصف عام 2018 وحتى الوقت الحالي. كما تمركزت قوات أنصار الله (الحوثيين) في مواقع لا تبعد أكثر من 100 متر شمال وغرب المدرسة. وخلال هذه الفترة، وقعت مواجهات بمختلف أنواع الأسلحة بين قوات جماعة أنصار الله (الحوثيين) وبين قوات المجلس الانتقالي المتمركزة شرق المدرسة، على بعد حوالي كيلومتر واحد، وتحديدًا في تبة المرخومة وجبال الدبي.

بعد أن أصبح موقع المدرسة على خط مواجهات، وزُرعت المساحة المجاورة لها بالألغام من قبل قوات جماعة أنصار الله (الحوثيين)، تم تعطيل المدرسة بشكل كامل.

عبد الباسط عبده، 48 عامًا، أحد المعلمين في المدرسة، قال لـ"مواطنة": "منذ مطلع سبتمبر 2018، اضطررنا لنقل الطلاب لمتابعة تعليمهم إلى مبانٍ متفرقة. جزء منهم تابع تعليمه في مبنى وحدة صحية في المنطقة يبعد قليلًا عن خط المواجهات بين الطرفين، بينما انضم البعض الآخر إلى مدرسة عمار بن ياسر في الشريجة".

وأضاف: "في العامين التاليين، تابع طلاب مدرسة 30 نوفمبر تعليمهم في منزل أحد المواطنين في المنطقة الذي كان قد نزح منها. وكان المنزل محميًا بجبل من الجهة الغربية. لكن في عام 2021، طلب صاحب المنزل إخلاءه بعد عودته إلى المنطقة، واضطررنا إلى الانتقال لمنزل آخر في القرية. وبعد عام، طلب صاحب هذا المنزل الآخر أيضًا إخلاءه، فقمنا بنقل الطلاب إلى منزل جديد قيد الإنشاء في المنطقة، حيث يدرسون فيه حتى الآن. ولكن لا نعلم متى سيطلب صاحب هذا المنزل إخلاءه، وسنضطر عندها للبحث عن مكان جديد".

وتابع قائلًا: "على الرغم من أن المواقع البديلة التي استخدمناها كمدارس كانت أيضًا غير آمنة، فإننا كنا مضطرين للاستمرار في العملية التعليمية للطلاب. وبين فترة وأخرى، كانت قذائف القصف العشوائي تسقط على الجبال القريبة من المنطقة".

منذ عام 2018 وحتى اليوم، ظل مبنى مدرسة 30 نوفمبر مغلقًا وخارج الخدمة بسبب الألغام والأجسام المتفجرة المزروعة بجواره وفي الطرق المحيطة، من قبل قوات جماعة أنصار الله (الحوثيين).

على الجانب الشرقي من المدرسة، تتمركز قوات اللواء الثاني مشاة حزم التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي على جبال الدبي والمرخومة، على بُعد نصف كيلومتر إلى كيلومتر واحد عن المدرسة. وتعتبر هذه المواقع خطوطًا أمامية لهذه القوات. أصبحت المنطقة التي يقع فيها مبنى المدرسة منطقة تماس بين الطرفين، حيث تقع فيها مواجهات عنيفة بشكل متقطع بمختلف أنواع الأسلحة منذ عام 2018 وحتى الآن.

حتى في المواقع البديلة، لم يكن الطلاب والمعلمون بمنأى عن الصراع. القذائف العشوائية والأعيرة النارية كانت تصل أحيانًا إلى تلك المناطق، مما يضطرهم إلى تعليق العملية التعليمية لعدة أيام عند اشتداد الاشتباكات.

رغم الظروف القاسية وانعدام الأمان، يواصل الطلاب والمعلمون في مدرسة 30 نوفمبر تعليمهم بإصرار في المواقع البديلة، في ظل غياب الحلول الجذرية التي تضمن لهم بيئة تعليمية آمنة ومستقرة.

مدرسة الشهيد محمد محمود الزبيري للتعليم الأساسي

تقع مدرسة الشهيد محمد محمود الزبيري للتعليم الأساسي في منطقة الصريح التابعة لمديرية القبيطة بمحافظة لحج. قبل توقف الدراسة في سبتمبر 2015، كان الطلاب والطالبات يتلقون التعليم فيها من المراحل الأساسية، حيث بلغ عددهم ما بين 150 إلى 170 طالبًا وطالبة، وبلغ عدد المعلمين فيها 19 معلمًا ومعلمتين، إلى جانب الطاقم الإداري.

منذ سبتمبر 2015، توقفت العملية التعليمية في المدرسة نتيجة اشتداد الحرب والمواجهات المسلحة بين قوات جماعة أنصار الله (الحوثيين) والقوات الموالية للرئيس هادي آنذاك. حيث سيطرت جماعة أنصار الله (الحوثيين) على منطقة الصريح والمناطق المجاورة، ما أدى إلى نزوح جماعي لسكان القرية والقرى المحيطة.

تحولت المنطقة التي تقع فيها المدرسة إلى ساحة حرب ومواجهات بين قوات جماعة أنصار الله (الحوثيين) والقوات الموالية للرئيس هادي، والتي كانت تتمركز بشكل غير منتظم على منطقة كرش، مديرية القبيطة، شرق منطقة الصريح على بُعد نحو أربعة كيلومترات. واستمرت المواجهات بين الطرفين ونزوح الأهالي في مناطق مختلفة حتى عام 2019.

في عام 2018، انسحبت جماعة أنصار الله (الحوثيين) من المنطقة بعد زراعة الألغام والأجسام المتفجرة بشكل عشوائي في المنطقة والجبال والطرقات، وأصبحت المنطقة تحت سيطرة قوات اللواء الثاني مشاة حزم التابعة لمحور العند والموالية للمجلس الانتقالي، بينما استمرت المواجهات بين الطرفين وتعرضت المنطقة بشكل عام للقصف البري بجميع أنواع الأسلحة.

بعد سيطرة قوات اللواء الثاني مشاة حزم، التابعة للمجلس الانتقالي، على المنطقة، استُخدم مبنى المدرسة كثكنة عسكرية، منذ مطلع فبراير 2019. حيث تم تخصيص جزء منه كمستشفى ميداني، بينما استُخدم الجزء الآخر كمكاتب إدارية ومخازن للمؤن والأسلحة.

من الجهة الغربية لمنطقة الصريح، تجاورها منطقتا الشريجة والدبي التابعتان أيضًا لمديرية القبيطة بمحافظة لحج، على بُعد قرابة ثلاثة كيلومترات. ومنذ عام 2018 وحتى الآن تُعد تلك المناطق مناطق تماس بين قوات المجلس الانتقالي الجنوبي وجماعة أنصار الله (الحوثيين).

خلال الفترة من عام 2015 وحتى 2021، تابع طلاب مدرسة الزبيري تعليمهم في مناطق نزوحهم، في مناطق مثل كرش التابعة لمديرية القبيطة، ومناطق العند التابعة لمديرية تبن، ومناطق تابعة لمديرية المسيمير بمحافظة لحج.

في العام الدراسي 2021/2022، وبعد عودة أغلب الأهالي إلى المنطقة، ومع استمرار احتلال المدرسة من قِبل قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، اضطر الأهالي والمعلمون لاستئناف تعليم طلاب مدرسة الزبيري تحت الجسور المخصصة لتصريف السيول على الطريق الذي يمر بالمنطقة.

يمتد هذا الطريق بين منطقة كرش والشريجة التابعة لمديرية القبيطة، ويربط محافظة لحج بمحافظة تعز. تبعد هذه الجسور عن مدرسة الزبيري نحو كيلومتر واحد من الجهة الشمالية.

تحدث لـ"مواطنة" فاروق ناجي، مدير المدرسة (50 عامًا)، قائلًا: "يوجد على هذا الخط العام حوالي عشرة جسور قريبة من منطقتنا. نقوم بتدريس كل صف تحت أحد تلك الجسور، مفترشين الأرض، إذ لم نجد أي خيار آخر لمواصلة تعليم الطلاب سوى تحت هذه الجسور، بعد أن أصبحت المدرسة محتلة".

وأشار إلى أن بعض الطلاب لم يعودوا من مناطق نزوحهم ويواصلون تعليمهم هناك، بينما انضم نازحون جدد إلى طلاب مدرسة الزبيري تحت الجسور. يبلغ عدد الطلاب حاليًا 147 طالبًا وطالبة، بإشراف 13 معلمًا ومعلمتين.

وقال: "القوات المتمركزة في مدرسة الزبيري قدمت خيامًا لتعليم الطلاب، لكننا لم نستخدمها خشية أن تُثير الشكوك لدى قوات جماعة أنصار الله (الحوثيين) المسيطرة غرب المنطقة، والتي قد تعتبر هذه الخيام تابعة للقوات المسيطرة على المنطقة وتستهدفها".

واختتم فاروق حديثه: "حتى التعليم تحت الجسور ليس آمنًا، إذ إنها تُعد مجاري لتصريف السيول خلال مواسم الأمطار. كما أن السيول قد تجرف معها الأجسام المتفجرة والألغام التي زرعتها جماعة أنصار الله (الحوثيين) في الجبال والمواقع المحيطة، مما يُشكل تهديدًا إضافيًا لحياة الطلاب والمعلمين. ومع ذلك، نحن مضطرون للاستمرار في تعليم الطلاب رغم هذه الظروف الخطرة، في ظل غياب أي بدائل أو خيارات أخرى".

على الرغم من قسوة الظروف التي خلفتها الحرب على بعض مدارس مديرية القبيطة بمحافظة لحج، فإن المعلمين والطلاب يكافحون لمواصلة التعليم بخيارات بديلة، رغم استمرار الخطر على حياتهم ومعاناتهم.

تدعو "مواطنة" جميع أطراف النزاع، وفي مقدمتها جماعة أنصار الله (الحوثيين) ,والتحالف بقيادة السعودية والإمارات، والمجلس الانتقالي الجنوبي، إلى التوقف الفوري عن استخدام المدارس واحتلالها، والكف عن استهداف المدارس والمنشآت التعليمية، والعمل على تحييد العملية التعليمية، وضمان تمكين الطلاب من حقهم في التعلم في بيئة آمنة ومستقرة دون عوائق.