في تقديم إلى لجنة الأمم المتحدة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
(صنعاء) الثلاثاء، 15 فبراير/ شباط 2023
قالت مواطنة لحقوق الإنسان، في تقديم قدّمتهُ أواخر يناير/ كانون الثاني 2023، إلى لجنة الأمم المتحدة المعنيّة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إنّ الحكومة اليمنيّة فشلت في الإيفاء بالتزاماتها القانونية في احترام وحماية وإعمال حقوق الإنسان، بما في ذلك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لمن هم على أراضيها.
منذ بَدء النزاع في اليمن في سبتمبر/ أيلول 2014 وحتى اللحظة، لا يزال المدنيّون في اليمن عرضةً لانتهاكات متعدّدة، من بينها انتهاكات لحقوقهم المكفولة في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. درجت جميع الأطراف في اليمن، خلال النزاع، في سلوك متواتر، على انتهاكٍ واسعٍ لحقوق الإنسان في اليمن، ما أضرَّ بالأمن الغذائي للمدنيّين ووصولهم إلى المياه النظيفة، وفاقم من الأمراض التي يمكن الوقاية منها في الظروف الطبيعية، وأدّى إلى حرمانهم من حقّهم في التعليم، والحصول على الرعاية الصحية في ظلّ نظامٍ صحيّ يوشك على الانهيار، كل ذلك في ظلّ اقتصاد متردٍّ، ووضعٍ إنسانيّ هو الأسوأ في العالم، كما وصفته المنظمات الإنسانية لسنوات.
يُلزم العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الحكومةَ اليمنيّة، التي صادقت عليه في 9 فبراير/ شباط 1987، باحترام وحماية وإعمال حقوق الأشخاص الذين يعيشون في اليمن. ويوجب الالتزام الخاص باحترام حقوق الإنسان أن تمتنع الدول عن التدخّل، بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، في تمتع الأفراد بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية. أما الالتزام بالحماية فيلزم الدول بمنع الأطراف الثالثة من التدخل “بأيِّ شكلٍ من الأشكال” في هذه الحقوق. ويشترط الالتزام الخاص بإعمال حقوق الإنسان، أن تتخذ الدول خطوات إيجابية لضمان الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للسكان، وضمان التحقيق التدريجيّ للحقوق الاجتماعية والاقتصادية متى ما افتقرت البلدان إلى الموارد الكافية، مع الالتزام بإجراءات فوريّة للقضاء على التمييز، وضمان عدم التراجع عن الحقوق المكتسبة، وضمان تحقيق الحدّ الأدنى من الالتزامات الأساسية.
إنّ وجودَ دولٍ نشِطة عسكريًّا في اليمن، من بينها قوات التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، يُوْلِي الالتزامَ بالحماية أهميةً خاصّة. يُلزم القانونُ الدولي الحكومةَ اليمنيّة بحماية المدنيّين من الانتهاكات التي ترتكبها هذه الدول، فلا يمكن الموافقة على ارتكاب أفعال على أراضيها، قد تكون غير قانونية إذا قامت بها بنفسها.
ولا يمكن للحكومة اليمنيّة أيضًا تقديمُ العون أو المساعدة لدولٍ أخرى، بما في ذلك التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات، حيث تساهم هذه المساعدة في ارتكاب انتهاكات قانون حقوق الإنسان. لذا يجب اتخاذ التدابير المناسبة لحماية الأفراد من الانتهاكات التي ترتكبها الدول الأخرى أو الجماعات غير الحكومية النشطة في اليمن، من خلال إجراء تحقيقات مناسبة، ووضع ضمانات كافية لضمان امتثال هذه الجهات لقانون حقوق الإنسان على جميع الأراضي اليمنية.
وبناءً على ذلك، فإنّ التقديم يُركّز على الانتهاكات التي ارتكبتها الحكومة اليمنية، والقوات المسلحة، والجماعات الخاضعة لسيطرتها وحلفاءها، بما في ذلك قوات التحالف. وبما أنّ مراجعة اللجنة ستركز على التزامات الحكومة في المعاهدة، فإنّ تقريرنا يتضمّن أيضًا بعضَ الأمثلة على كيفية عدم التزام جماعة أنصار الله (الحوثيين)، التي تمارس سيطرةً فعليّة، وتقوم بمهام شبيهة بمهام الحكومة في مساحات شاسعة من الأراضي اليمنية، وقد فشلت في احترام وحماية حقوق الإنسان للأشخاص الذين يعيشون في اليمن.
وقالت رضية المتوكل، رئيسة مواطنة لحقوق الإنسان: “إنّ ممارسات الأطراف المتحاربة قوّضت حياة المدنيّين في اليمن، في حين أنّ خطوات الردع أو المساءلة ما زالت شحيحة، وأنّه يتعيّن على الأطراف اتخاذ إجراءات فورية لحماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومنع المزيد من المعاناة لملايين اليمنيين الذين تقطّعت بهم السبل بين الانتهاكات المروعة التي تطالهم في ظلّ سياسة الإفلات من العقاب”.
ومع الإعلان عن الهدنة الأطول في تاريخ النزاع اليمنيّ برعاية الأمم المتحدة في 2 أبريل/ نيسان 2022، سارعَ المدنيّون في اليمن إلى العودة إلى منازلهم آملين استعادةَ حياتهم المفقودة، إلّا أنّ الألغام والأجسام المتفجّرة التي خلّفتها الأطرافُ المتنازعة في الحقول والطرقات والمراعي وبالقرب من مصادر المياه، حالت دون وصولهم لمصادر عيشهم، وحدّت من وصولهم إلى مصادر الغذاء والماء نتيجة الانفجارات المتكرِّرة لها، في ظلّ عدم قيام الأطراف المتنازعة بمسؤوليتها في تسليم خرائط الألغام وإجراء المسوحات اللازمة لتطهير المناطق من الألغام.
أدّى الفشل في مساءلة الأطراف المتنازعة في اليمن إلى التمادي في ارتكاب الانتهاكات عينها التي تعرّض لها المدنيّون اليمنيّون منذ بداية النزاع حتى يومنا هذا، وهو ما ضاعف معاناة المدنيّين على مختلف المستويات.
ويهدف التقديمُ إلى إطلاع اللجنة على أنماطٍ من الانتهاكات للحقوق المكفولة في العهد، بناءً على البحوث الميدانيّة التي قامت بها “مواطنة” على المستفيدين، إلى جانب استهداف المنظمات الإنسانية بفرض قيود ومضايقات أثّرت على عمليّاتها وحدَّت من تدخّلاتها الضرورية لصالح المدنيّين العالقين وسط حِدّة القتال المتصاعد.
واستخدمت أطرافُ النزاع التجويعَ كسلاح حرب، فضلًا عن ارتفاع أسعار المواد الأساسية، بسبب أساليب مختلف الأطراف، واستهداف المستشفيات والمرافق الصحية، بالإضافة إلى استهداف المدارس واستخدامها، وتجنيد واستخدام الأطفال، علاوة على استمرار فشل السلطات في دفع رواتب موظفي القطاع العام، ما أثّر على حقّهم في الحصول على مستوى معيشيّ لائق.
ويُختتم التقرير بأسئلة يقترح أن تطرحها اللجنة على الحكومة اليمنية، بالإضافة إلى توصيات مهمّة لتعزيز حقوق الإنسان في اليمن.
ولجنة الأمم المتحدة المعنيّة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛ هي هيئة تتألّف من 18 خبيرًا مستقِلًّا يقومون برصد تنفيذ الدول الأطراف للمعاهدة الدولية بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وينبغي على جميع الدول الأطراف تقديمُ تقاريرَ منتظمة إلى اللجنة، توضح كيفية تنفيذها للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المنصوص عليها في المعاهدة. كما يحقّ للمنظمات غير الحكومية ومجموعات المجتمع المدني، تقديمُ معلومات بهذا الصدد إلى اللجنة للنظر فيها. وسينير التقديم مراجعة لجنة الأمم المتحدة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للوضع في اليمن، قبيل انعقاد دورتها الـ(73)، والتي ستنعقد في الفترة بين 13 فبراير/ شباط و3 مارس/ آذار 2023.