سبعٌ عجاف في طيِّ المجهول

لغز المصير الغامض لـ د. مصطفى المتوكل

August 30, 2024

في 27 أبريل/ نيسان 2017، بينما كان الدكتور مصطفى المتوكل عائداً من مطار سيئون -بعد سفره للمشاركة في مؤتمر بالمغرب- اعترض رحلة الحافلة التي كان على متنها جنودٌ موالون للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، واقتادوه إلى مكان مجهول.. ومنذئذٍ ما يزال مصيره مبهمًا، كما لم يسمحوا لعائلته -التي أضناها البحث والمتابعة- بزيارته أو التواصل معه.

وبعد ست سنوات من رحلة من البحث والتطواف والمتابعة القانونية التي قامت بها عقيلته الدكتورة إلهام المتوكل، توفيت بحسرتها قبل أن تراه، في 26 مارس/ آذار 2023. وهنا لا يمكن أن نفصل بين الأوقات العصيبة التي عاشتها، والانتكاسة الصحية التي ألمت بها. وكان آخر منشور كتبته الراحلة على مواقع التواصل الاجتماعي، عبارة عن شكوى من عدم تضمين زوجها في لائحة تبادل المحتجزين.

سافر الدكتور مصطفى إلى المغرب للمشاركة في المؤتمر السنوي للهيئات الاستثمارية، بعد تلقيه دعوة باعتباره رئيساً للهيئة العامة للاستثمار في صنعاء. تقول عائلته إنه مر من المناطق التي تسيطر عليها حكومة هادي، وسافر من مطار سيئون وعاد منه، واستقل حافلة عمومية بثقة، لأنه شخصية أكاديمية ومدنية ولم يتوقع أن الاختفاء القسري هو ما ينتظره.

حتى الآن، مضت سبع سنوات دون أن تعثر عائلته على إجابةٍ أو خيطٍ يفضي للكشف عن مصيره، كما لم تنجُ من حملات التحريض والتشفي ومباركة اختفائه القسري، من جانب بعض الموالين الأطراف سياسية، رغم أن الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري تعدان من الجرائم لا يمكن تبريرها تحت أي ظرف.

في 15 مايو/ آيار 2017 سافرت زوجته الأستاذة الجامعية إلهام المتوكل إلى مأرب، رافقها فريق قانوني من أجل المطالبة بحقها القانوني في زيارته والاطمئنان عليه، وكان برفقتها في الزيارة أيضاً ثلاثة من أعضاء نقابة هيئة التدريس بجامعة صنعاء، من بينهم رئيس النقابة، تضامناً مع زميلهم.

في مبنى محافظة مأرب تم استقبالها كمذنبة، وهي الباحثة عن زوجها المختفي. تقول إلهام (في إفادة سابقة قبل وفاتها): "لم أتصور تلك المعاملة السيئة من بعض المسؤولين في مأرب، حيث تم التعامل معي وكأني عبد الملك الحوثي، بينما أنا لست سوى زوجة مفجوعة باختفاء رفيق حياتها ومنع أي تواصل به". ورغم تكبدها مشقة السفر الطويل بين صنعاء ومأرب، أوصدت في وجهها الأبواب، وعادت خاوية الوفاض.

قبل مغادرتها مأرب تلقتْ محاميها اتصالاً من هاتف محجوب الرقم، أخبرهم المتصل أن الدكتور لم يعد موجوداً في مأرب، ومؤكدٌ أنه قد تم تسليمه للسعودية. ثم أضاف: "لا تتعبونا ولا نتعبكم، الأفضل أن تغادروا"، وهو ما قررته إلهام بعد أسبوعين من الزيارة.

لدى الدكتور مصطفى المتوكل خمسة أبناء (ثلاث بنات وولدان)، توفى أحد أبنائه في ماليزيا بسبب خطأ طبي بعد تعرضه لحادث سيارة. كانت الوفاة بعد أشهر من اختفاء أبيه القسري، قضاها في حسرة على والده حسب إفادة أسرته. تقول إحدى بناته: "كان عاماً كارثياً بالنسبة لنا، اختفاء والدنا القسري ثم موت شقيقي المؤلم؛ وقد اضطررنا إلى تهريب جثمانه عبر عُمان خوفاً من احتجازه في مأرب مثلما حدث مع والدي".

يشار إلى أن الاختفاء القسري يعد جريمة بموجب القوانين والاتفاقيات الدولية. ويرفض إعلان الأمم المتحدة لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري التذرع بأي ظروف استثنائية مثل الحروب أو عدم الاستقرار السياسي لتبرير الاختفاء القسري. الذي تم إدراجه ضمن الجرائم ضد الإنسانية في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية عام 1998.  

ومع اندلاع الحرب في اليمن ارتفعت نسبة جرائم الاختفاء القسري بشكل ملحوظ، وهي جريمة تشترك فيها جميع أطراف النزاع في اليمن.