لا تبحثوا عنه.. سيكون ضيفنا

قصة مُحتجز في ذمة مجموعة مسلحة شبحية

April 8, 2023
Image by <a href="https://pixabay.com/users/gatterwe-37534/?utm_source=link-attribution&amp;utm_medium=referral&amp;utm_campaign=image&amp;utm_content=1594946">simone gatterwe</a> from <a href="https://pixabay.com//?utm_source=link-attribution&amp;utm_medium=referral&amp;utm_campaign=image&amp;utm_content=1594946">Pixabay</a>
Image by <a href="https://pixabay.com/users/gatterwe-37534/?utm_source=link-attribution&amp;utm_medium=referral&amp;utm_campaign=image&amp;utm_content=1594946">simone gatterwe</a> from <a href="https://pixabay.com//?utm_source=link-attribution&amp;utm_medium=referral&amp;utm_campaign=image&amp;utm_content=1594946">Pixabay</a>

أثقلتْ الأيام كاهل اليمنيين، وأحنت ظهورهم، حتى وهم في مقتبل العمر. هنا تختبئ قصة سلطان وأسرته، وتكّمُن مثل طريدة، لنأتي ونسمعها على لسان الأقرباء.

ويعمل سلطان الضالعي (اسم مستعار- 40 سنة)، مُزارعًا وليس له علاقة بأي طرف من أطراف النزاع؛ اعتقلته جماعة مسلحة تمارس نشاطها في مناطق سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي.

يقول شقيق سلطان (32 سنة):

“في أحد الأيام من مطلع يناير/ كانون الثاني 2019، كان سلطان يعمل على غراسه في أحد الحقول، بين الساعة الـ10:00 والـ11:00 صباحًا، عندما داهمته مجموعة مسلحة من ثمانية أشخاص تستقل عربة عسكرية غير مرقمة (طقم)، لونها بنيًّا. كان أحدهم يجلس بجانب السائق، يلبس ثوبًا أبيضًا ولديه لحية كثيفة.

عندما وصلوا بمعية الشخص الملتحي، ترجلوا من العربة بسرعة، باتجاه سلطان. كنا نحن أيضًا نتفقد الغراس، وبمعيتنا كامل (اسم مستعار- 11 سنة) ابن أخي. قاموا بتكتيف الضحية، ووضعوه أرضًا، متجاهلين صراخنا، وسؤالنا عمّا يريدوه منه، ومن ثم قاموا بسحبه على الأرض بين التراب والحصى. كان الرجل الملتحي يصرخ: “اسحبوا هذا المرتد المجوسي، عبد الملالي.. سنريك كيف تحرّض وتتطاول على أسيادك، ثم بصق عليه.

لم أستطع فعل شيء. فيما كان شقيقي يبكي ويرتعش ويمسك بي، فما عساي أن أفعله، فهم كثر ومسلحون. حاولت التكلم مع الملتحي، فقال: “انشغل بنفسك وإلا ستلقى مصيره”، حاولت كثيرًا دون جدوى، بعد ذلك أمسكاني اثنان من المسلحين، أحدهم لكمني من ظهري بسلاحه. وبعد أن أخذوه، ختم الملتحي كلامه بالقول: “لا تبحثوا عنه، لأنه سيكون ضيفنا”. كان هناك أناس يقفون بعيداً يشاهدون الواقعة، ولم يتدخلوا خوفاً من المسلحين.

بعد أخذ أخي لم أدرِ ما أفعل، فأخذت ابنه كامل وذهبت لإخبار أسرته، فانهاروا باكين. ثم توجهت إلى أخي الأكبر (50 سنة)، ورويت له الواقعة، فبدأ بلومي لأنني لم أمنعهم. قلت له: كيف أمنعهم وهم كُثُر ومسلحين؟! بعد ذلك وبمعية أخي الأكبر، اتجهنا إلى أحد مشايخ المنطقة وحدثناه بما حصل، فقال إنه سيتابع الموضوع، وطلب منّا الرجوع إلى بيوتنا، وإذا توصل لشيء سيرسل في طلبنا. كنت كلما تذكرت كيف سبحوا أخي ينفطر قلبي وتضيق الدنيّا بي.

بحثنا عن سلطان في سجن حكولة، فقالوا إنهم لا يعلمون شيئاً عن مكان احتجازه، ولا يعرفون شيئاً عمّن قام باعتقاله، ثم ذهبنا إلى السجن المركزي بـ(سناح) وردّوا أنهم لا يعلمون أين مكانه، ولم تصدر من دائرتهم أي أوامر باعتقاله. بعد خروجنا لحق بنا أحد الضباط، وقال لنا من أوصاف الرجل صاحب اللحية: أظن أنه عند الشيخ فلان (تحتفظ مواطنة لحقوق الإنسان باسم الرجل)، فابحثوا عنه وربما تجدوه.

ذهبنا إلى الشيخ، وكان منزله محاط بحراسة مشددة، ومنعونا من الدخول، فأعطيناهم الاسم الكامل لأخي، فردّوا أنهم لا يعلمون شيئًا عنه، وأنه ليس لديهم، (…) ونصحونا بعدم الاقتراب من المكان.

تحدثنا إلى أحد القيادات الأمنية، فقالوا: “اصبروا”، لكننا طلبنا منه أن يصيغ رسالة إلى الحزام الأمني والمجلس الانتقالي للمطالبة بالبحث عن أخي لكنه رفض، وقال إنه لا يريد أن يتورط بمشاكل معهم. قابلنا أيضًا مشائخ وشخصيات قبلية أخرى وضباط وجنود وأصدقاء في إدارات الأمن والسجون، ولم نصل إلى نتيجة، وخسرنا أمولًا كثيرةً قدمناها رشىً من أجل معرفة مكان أخي ولا شيء من كل ذلك.

بعد شهرين من البحث المضني جاء إلى منزلي أناس ملثمين، طرقوا الباب طرقات خافتة عند التاسعة مساءً، وطلبوا مني أن افتح لهم، فرفضت، فقاموا بتهديدي، وإن كنتُ أريد البقاء من أجل أولادي عليّ ألا أبحث عن أخي، وألا ألجأ إلى أي مسؤول لإخراجه.

الغريب أنهم طرقوا الباب بهدوء، وكأنهم لا يريدون أن يعلم بهم أحد، وقالوا، قبل مغادرتهم: “إن استمريت في البحث عن أخيك فسوف نقوم بإحراق الأرض والبيت”، واتبع قائدهم القول، بالحرف الواحد: “الآن تكلمنا معك بهدوء، أما في المرة القادمة ستلقى مصير أسود.  وعندما ذهبوا نظرت من النافذة فرأيت أربعة رجال صعدوا إلى السيارة ملثمين لا تُرى وجوههم”.

هذا الموقف أخافني بشدة، خفت على عائلتي ونفسي من بطشهم، وحين أخبرت أخي عبده بما حصل معي خاف أكثر مني، ومنذ ذلك الحين لم نعد نبحث عن (سلطان)، ففي تلك الأيام -وكما هو الحال الآن- الأمان مفقود والدنيا مقلوبة والبلاطجة بكل مكان، لذا سلمنا الأمر لله، أن يتولى سلطان ويحفظه، لأننا نعيش في غابة، يتحكم بها مجرمون وقتلة، لا نعرف من يوجههم.

ليس لنا عداوة مع أحد ولكن قبل شهرين، من اعتقاله، تشاجر سلطان مع أشخاص كانوا يريدون السطو على أرضه في مدينة الضالع فمنعهم من ذلك بأمر من الأمن وأخبرني أخي- حينها- أن هؤلاء توحي أشكالهم أنهم من الجماعات المتطرفة، كان أخي قليل الكلام، ولم يروِ لنا تفاصيل كاملة لكنه كان على علم بالمشكلة كلها.

يختتم نصر روايته بالقول:

“لا نعلم أين أخي حاليًا، فقد أخفوه تماماً ولم نتوصل إلى أي معلومة أو خبر.. لو تعلمون كيف حال عائلته لأصبتم بالحزن أكثر، فقد ذهبت زوجته الآن إلى بيت والدها مع أطفاله، ونحن نرسل إليهم بما نستطيع حتى لا يحتاجون لأحد. سلطان مريض بالسكر، ويعاني من نوبات نفسية تأتيه بين حين وآخر، وليس له علاقة بأحد من أطراف الصراع، حتى أنه لا يملك سلاحاً ولم يحمله أبداً.