"لا تتخلوا عني"
نادية (اسم مستعار- 38 سنة) ربة بيت وأم لأطفال يعتقدون بأن كل قرعة باب هي لوالدتهم.
“لا تتخلوا عني”، جملة قالتها الأم الضحية في أول اتصال لها بأسرتها بعد اختطافها واختفائها قسريًا في سجن البحث الجنائي التابع لجماعة (أنصار الله) الحوثيين. قالتها خوفاً من أن يشعر أهلها بالعار من اختفاءها، وهي التي وقعت ضحية لسلطة تدّعي بأنها صارت دولة، أو حلت محلها.
تبدأ القصة من فبراير/ شباط 2019؛ إذ تستهل نادية يومها بإخراج القمامة بعد تنظيف منزلها. وكالعادة تصادف الغرباء الذين قد يسألونها عن مكان ما قريب فتدلهم عليه، لكن هذه المرة كان السؤال ملحوقاً بوخزة إبرة في جسدها، لتستيقظ بعدها في مكان مجهول أشبه ببدروم وهي ترتدي ثياب السجينات ومثلها الكثير من الفتيات.
لربما اعتقدت بأن ذلك أسوء ما قد حدث ويحدث لها، حتى يأتي من يحلق لها شعر رأسها ويطالها بالضرب في كل أجزاء جسدها، وبعد هذا كله تتاح لها فرصة الخروج للحوش، وكأنهم يقدمون لها جميل على صمتها أثناء تعذيبها! نعم.. كان المكان هو البحث الجنائي التابع لجماعة أنصارالله (الحوثيين).
يمر الشهر الأول فتصبح معه المرأة الواقفة على قدميها بشعرها وأنوثتها؛ أخرى تحبو على الأرض بشعر حليق لأن الضرب على ظهرها أفقدها القدرة على المشي. يسوء الحال أكثر وتخسر وزنها ويشحب لونها فلا يشعرون بقيمة لها، فيرمونها أمام منزلها بعد قرابة إحدى عشر شهرًا من الاختفاء والتعذيب.
تستقبل الأسرة ابنتها تاركة كل ما حدث خلفها، وانكبت للاهتمام بأن تعود لحمة ابنتهم المنسلخة عن جسدها. يعود الأبناء لحضن والدتهم، وتحاول نادية العودة تدريجياً لحياة فقدتها لأشهر مضت.
لكنها لم تكن تعلم بأن هنالك من يراقبها وأن إعادتها لم يكن بقصد الإحسان وإنما لاعتقادهم بقرب أجلها، كما تعتقد أسرتها، لكنها ها هي لا تزال حية الآن وصحتها عادت، لذلك تم اختطافها مجدداً في منتصف العام 2020، بعد خروجها لشراء دجاجة، ولم تَعُد إلى اليوم.
نعم.. لم تعد نادية حتى الآن، وبالرغم من أن أسرتها لم تتخلى عنها، أصبحت في ذمة السجان وضميره الميت، بل في ذمة البشرية جمعاء. وحتى كتابة هذه المدونة، لا تزال نادية مختفية قسريًا، ولم يتم توجيه أي تهمة رسمية لها.