عن الموت في الطريق إلى سيئون وفظاعات أخرى

إذن.. فليمت من يمت فليس من سبيل للمواطن، المقيم في سهول وسواحل وهضبة حضرموت إلا ركوب البيجو 505 ذو الموديل 89 ليقطع مسافة 300 كيلومتر تقريباً قد لا يتحملها ذو الجسد المنهك او القلب الضعيف.

March 30, 2021

الانتظار على أبواب الريان الموصدة

الاثنين، 29 مارس/ آذار 2021

في صبيحة 24 إبريل/ نيسان 2016 غادرت آخر عناصر تنظيم القاعدة ساحة مطار الريان (الدولي) بعد احتدام المعارك بين قوات النخبة الحضرمية والتحالف بقيادة السعودية والإمارات من جانب وعناصر التنظيم من جانب آخر. شاعت الأخبار في اليوم التالي أن التنظيم قد فخخ ساحة المطار وأن التحالف سيقوم بتمشيطه تمهيداً لإعادة تشغيله خلال أيام بعد تفكيك شبكة الفخاخ.

تعدت الشهور تلو الاخرى، وبدلا من تمشيط ساحة المطار من المفخخات لفت أسواره الشمالية والغربية بأسلاك الأسيجة، إيذانا بتحويله من مطار الريان الى معتقل كبير يقف على بوابته بشكل شبه يومي عشرات المواطنين بالتناوب بحثا عن ابن أو للسؤال عن أب أو للمطالبة بالإفراج عن قريب محتجز، لكن أبوابه ظلت موصدة في وجه مدنيي ساحل حضرموت والمناطق المجاورة لأشهر.

على أبواب الريان في إحدى عشيات شهر فبراير/ شباط 2017 يحكي سعيد تفاصيل وقفته مع أفراد من عشيرته، فهم ليسوا مسافرين عن طريق المطار بل محتجين للمطالبة بالإفراج عن أحد أفراد العشيرة يراهم ذويهم أبرياء فيما تراهم القوات المرابطة من خلف أسوار المطار مشتبهين بهم تستلزم الضرورة الأمنية اعتقالهم حتى يستتب الأمن.

في 2018 أطلقت مجموعة من النساء الحضرميات حملة مناصرة لإعادة فتح مطار الريان. سُمح لهن برفقة المحافظ بعد شهور من الحملة بزيارة المطار، لكنهن وجدن في ساحته استحداثات لبناء صالة أخرى غير الصالة الأم التي بنتها شركة هندية إبان إنشاء وتشييد المطار المعروف، وبتمويل نصف حكومي ونصف الآخر قرضاً كويتياً، إذ افتتح في ثمانينيات القرن الماضي.

يسري عبده علي (41 سنة)، موظف في المؤسسة العامة للكهرباء أصيب بمس كهربائي بينما كان في منطقة علو شاهق فسقط إلى الأرض، في سبتمبر/ أيلول 2020 قضى نحبه وهو يقطع مسافة 300 كيلو متر (لحوالي 5-6 ساعات) براً للسفر عبر مطار سيئون إلى جمهورية مصر لتلقي العلاج، بينما لا يبعد مطار الريان المغلق عن بيته سوى 25 كيلو متراً.

مات يسري وهو الذي قدم لهذه البلد سنوات من عمره ولعله في أحد الأيام كان هناك على أبواب الريان يمارس عمله في خدمة وطنه، بينما تشرع أبواب المطار للفنان الإماراتي عيضة المنهالي الذي زار قوات بلاده هناك في أواخر سبتمبر/ أيلول 2016.

أوصد مطار الريان في وجه شادي نادر سعيد (اسم مستعار) (46 سنة)، من مدينة المكلا، ليتجشم عناء الطريق الى سيئون، ليودع شقيقه المريض للسفر إلى مصر ولكن كانت الفاجعة توفي شقيقه على بوابة مطار سيئون ولسان حال شادي وهو يبكي أخيه ماذا لو كانت أبواب الريان مفتوحة؟

في 24 مايو/ أيار 2019 بثت قناة (MBC) حلقة من برنامج اطمأن قلبي الذي يقدمه المذيع المتخفي غيث، وتدعمه الإمارات يمنح مواطنا يمنياً وظيفة، لم يفصح عن طبيعتها، بمطار الريان الدولي (30 كيلو شرق المكلا) بينما المطار في الأساس مغلق، إلى جانب كون التوظيف فيه حقاً سيادياً للحكومة اليمنية.

أثار هذا الإعلان حفيظة الناس في حضرموت، مطار مغلق ومذيع أجنبي يمنح وظيفة في مطار يفترض أن يكون تحت إدارة الدولة، وبالرغم من أنه لم يعلن عن الجهة المانحة للجائزة، إلا أن ارتباط الإمارات بإدارة شؤون هذا المطار، جعل الربط بينها وبين دعم البرنامج، أسهل من شرب كأس ماء. هذا الاستهتار، أشغل الشارع الحضرمي أياماً تلت بث الحلقة المثيرة للجدل.

في صبيحة 26 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 2019 أقام محافظ حضرموت حفل تدشين إيذانا بافتتاح مطار الريان، وحضرت معه الفرقة النحاسية في الساحة لتحيي مراسيم استقبال الرحلة الأولى.. لكنها ظلت الرحلة الأولى إلى اليوم، بعدها اغلقت أبواب الريان إلا من طائرة اماراتية في منتصف أبريل/ نيسان أقلت يمنيين عالقين في الخارج جراء إغلاق دول العالم لمنافذها البرية والجوية والبحرية لمجابهة جائحة (كوفيد- 19).

أوصدت أبواب المطار وظل المواطنين يتجشمون عناء السفر عبر مطار سيئون، مع أنه انتهت مبكراً أعذار عدم جاهزية المطار، طالما استقبل رحلتين. الصور المتداولة بمواقع التواصل أظهرت أيضاً جهوزية صالات المطار وأبراج المراقبة فيه.

في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 استقبل مطار الريان طائرة سعودية تقل على متنها فريق طبي تطوعي لجراحة القلب لتنفيذ تدخلات من مركز الملك سلمان لإجراء عمليات جراحية للأطفال المصابين بأمراض القلب لإنقاذ حياتهم.

مفارقات عجيبة.. أن تساعد في منح الحياة بينما تكون سببا في الموت.. لقد مات يسري وشقيق شادي وعشرات مثلهم يموتون على سرير المرض لان حالتهم لا تسمح بنقلهم برا لمسافات طويلة للسفر عبر مطار سيئون.

بعد عشرة أيام من وصول الفريق الطبي السعودي عبر المطار عاد محافظ حضرموت من العاصمة السعودية الرياض، جوا، ولكن هذه المرة حط في مطار سيئون. لقد أصبح المطار موصد الأبواب في وجوه الكل دون استثناء، ليعطي مؤشرا عن كيف تدار الأمور، بعد كل هذه السنوات من الحرب والدمار.

إذن.. فليمت من يمت فليس من سبيل للمواطن، المقيم في سهول وسواحل وهضبة حضرموت إلا ركوب البيجو 505 ذو الموديل 89 ليقطع مسافة 300 كيلومتر تقريباً قد لا يتحملها ذو الجسد المنهك او القلب الضعيف.

على أبواب الريان لم يعد يقف المواطنون للمطالبة بالإفراج عن قريب او ابن او اب فقط.. بل على تلك الأبواب تحتشد مجازاً قلوب مئات الآلف من اليمنيين، وبالأخص أهالي حضرموت والمناطق المجاورة، أملا في أن تفتح هذه الأبواب كما كان عليه الحال قبل 02 أبريل/ نيسان 2015. لكن حتى الآن، لا أمل، فهناك يقف حراس غلاظ، يأبون لهذه البوابات أن تفتح. ولا تزال فصول القصة مستمرة، حتى يأتي من يكتب التاريخ، بإشراع هذه الأبواب، ليرى ما الذي يجري خلفها، ويستحق كل هذا العناد.