الألغام الأرضية كتهديد مستمر لحياة المدنيين في اليمن
أعلنت مواطنة لحقوق الإنسان، اليوم، عن إطلاق تقرير "حقول الموت"، الذي يسلط الضوء على الآثار الناجمة عن استخدام الألغام الأرضية في النزاع اليمني الحالي بنوعيها المباشر وغير المباشر على حياة ومستقبل المدنيين في أكثر من منطقة ومحافظة يمنية من المناطق الملوثة بالألغام، بوصفها إحدى أنماط الانتهاكات التي تستمر آثارها لفترات طويلة، قد تمتد لعقود بعد انتهاء العمليات العسكرية.
ويأتي تقرير "حقوق الموت"، كحصيلة لجهود حثيثة في الرصد والتوثيق قام بها فريق مواطنة الميداني والمركزي، خلال الفترة من يونيو/ حزيران 2023 حتى نهاية أبريل/ نيسان 2024، يستعرض مدى الانتشار المهول للألغام وطبيعة الأماكن التي زرعت فيها، ويحاول معالجة آثار هذا الانتهاك الذي تزداد خطورته وضحاياه مع انخفاض العمليات العسكرية وعودة العديد من السكان إلى منازلهم في المناطق التي نزحوا منها.
ويتكئ التقرير -في بنيته- على 537 واقعة ألغام وثقها فريق مواطنة في الفترة من يناير 2016 حتى مارس 2024، في نطاق جغرافي شمل 14 محافظة يمنية، تتصدرها محافظة الحديدة من حيث مقدار ونسبة التلوث بالألغام، تليها محافظات: تعز، الجوف، حجة، مأرب، البيضاء، صنعاء، الضالع، لحج، صعدة، شبوة، أبين، عدن، وإب، على الترتيب. تتحمل جماعة أنصار الله (الحوثيين) مسؤولية 512 واقعة، في حين تتحمل بقية الأطراف مسؤولية 25 واقعة.
وبحسب نتائج التقرير، فإن 96 % من الوقائع التي تم توثيقها تتحمل المسؤولية عنها جماعة أنصار الله (الحوثيين)، في حين يتوزع 4% أو أقل على الأطراف الأخرى، كما يظهر التقرير التركُّز الأعلى لانتشار الألغام في المناطق التي تسيطر عليها جماعة أنصار الله (الحوثيين) أو في المناطق التي سبق لها السيطرة عليها.
ويشير التقرير إلى أنه عقب إعلان عن الهدنة الأطول في تاريخ النزاع اليمنيّ برعاية أممية في 2 أبريل/ نيسان 2022، سارعَ المدنيّون في اليمن إلى العودة إلى منازلهم وقراهم بعد سنوات من الشتات في مخيمات اللجوء الداخلية، وهم يرعون آمالًا واسعة في استعادة حياتهم المفقودة، إلّا أنّ الألغام والأجسام المتفجّرة التي خلّفتها الأطرافُ المتنازعة في الحقول والطرقات والمراعي وبالقرب من مصادر المياه كانت لهم بالمرصاد، وحالت دون وصولهم لمصادر عيشهم، وحدّت من وصولهم إلى مصادر الغذاء والماء نتيجة الانفجارات المتكرِّرة، في ظلّ عدم قيام الأطراف المتنازعة بمسؤوليتها في تسليم خرائط الألغام وإجراء المسوحات اللازمة لتطهير المناطق من الألغام.
وقد أدى ذلك أيضًا إلى الإضرار بالأمن الغذائي للمدنيّين ووصولهم إلى المياه النظيفة، وفاقم من الأمراض التي يمكن الوقاية منها في الظروف الطبيعية، وأدّى إلى حرمانهم من حقّهم في التعليم والحصول على الرعاية الصحية في ظلّ نظامٍ صحيّ يوشك على الانهيار.. كل ذلك في ظلِّ اقتصادٍ متردٍ ووضعٍ إنسانيّ هو الأسوأ في العالم، كما وصفته المنظمات الإنسانية لسنوات.
المؤسف أن الأطراف المتسببة في جريمة زراعة الألغام تتنصل من أدنى مسؤولياتها، وهي المساهمة في عملية نزع الألغام من المناطق الآهلة بالمدنيين، على الأقل كبادرةٍ أدائية لإثبات عدم تَقَصُّد استهداف المدنيين والرغبة في إحلال الأمن والسلام في المناطق الواقعة ضمن نطاق سيطرتها، على نحوٍ يؤكد مدى الاطمئنان من عدم وجود أي مساءلة أو عدم جدواها إنْ وُجدتْ.
ورغم أن الغرض من زراعة الألغام يبدو -في ظاهر الأمر- عسكريًا بحتًا، إلا أن تبعاتها لا تتوقف عند الضرر المباشر المتمثل في الإيقاع بالضحايا، بل إن الأضرار غير المباشرة لا تقل خطورة؛ إذْ تمتد تبعاتها إلى التأثير على قطاعات مختلفة، مثل الاقتصاد والتعليم والزراعة، حيث يعيق انتشار الألغام الأرضية النشاط الاقتصادي، من خلال تقييد حرية حركة الأشخاص والبضائع، مما يؤدي إلى تعطيل الزراعة والتجارة والسياحة، كما تجبر الألغام الأرضية العديد من المدارس على الإغلاق، مما يُعيق العملية التعليمية ويحرم التلاميذ من حقهم في التعليم.
المشكلة أن تطهير المناطق التي تم تفخيخها بالألغام الأرضية والأشراك الخداعية في محافظات مختلفة من اليمن، ليس بالأمر السهل، نظرًا لوجود عدة عراقيل تجعل مهمة عملية نزع الألغام مهمة شاقة وخطرة، إلى جانب كونها مُكلفة للغاية وتتطلب معدات متخصصة وخبراء مؤهلين، في مقابل أن اليمن يعيش أزمة اقتصادية خانقة يتعذر معها توفير التمويل اللازم لعمليات إزالة الألغام.
كما أن عدم توثيق أماكن زراعة الألغام الأرضية بشكل دقيق حتى الآن، إلى جانب التضاريس الوعرة في عديد المناطق التي تمت فيها زراعة الألغام بكميات كبيرة، يعد عائقًا آخر أمام إمكانية إزالة الألغام في المدى القريب.
ويعد استخدام الألغام الفردية محظورًا بموجب اتفاقية حظر الألغام الأرضية "اتفاقية أوتاوا" لعام 1997، والبروتوكولات التابعة لها التي تحظر استخدام وإنتاج وتخزين ونقل وتحويل الألغام الأرضية، ويعد اليمن طرفًا فيها، إذْ صادق عليها عام 1999، ودخلت حيز التنفيذ في مارس/ آذار 2003.
كما يحظر القانون الدولي الإنساني استخدام الأسلحة العشوائية، أو توجيه هجمات عشوائية ضد المدنيين والأعيان المدنية، وتعد الألغام من الأسلحة العشوائية التي لا تميز بين المدنيين والعسكريين، كما تنص مبادئ القانون الدولي الإنساني على عدم التسبب بمعاناة لا داعي لها، في حين أن الألغام تتسبب بمعاناة وأضرار طويلة المدى تستمر لفترات ما بعد الحرب، وهو ما يجعلها محظورة بموجب القانون الدولي الإنساني، ويمثل استخدامها في النزاعات انتهاكًا صارخًا لقواعد ومبادئ القانون الدولي الإنساني. ويُحظَر استخدام الألغام وغيرها من الأجسام المتفجرة بموجب المادة السابعة من البروتوكول التابع لاتفاقية حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية معينة يمكن اعتبارها مفرطة.
ودعت مواطنة لحقوق الإنسان، الأطراف المسؤولة عن زراعة الألغام، وفي مقدمتها جماعة أنصار الله (الحوثيين)، إلى الالتزام بالاتفاقيات الدولية الملزمة بحظر زراعة واستخدام الألغام بطريقة عشوائية، والمبادرة إلى نزعها، وتمييز المناطق الملغومة بإشارات تحذيرية لتفادي وقوع مزيد من الضحايا المدنيين.
وأهابت مواطنة بالمجتمع الدولي والجهات والهيئات ذات الصلة، إلى تقديم المساعدة لليمن للتخلص من الألغام، ودعم جهود السلام ومساءلة الأطراف المسؤولة عن هذا النوع وغيره من الانتهاكات بحق المدنيين، إلى جانب إسناد وتعزيز جهود المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني في تدريب الفرق المتخصصة وتوعية المدنيين بمخاطر الألغام وتأهيل الضحايا، وتنسيق جهود الرصد المستمر.