يحب الإنسان اليمني بيته كثيراً ، خاصة صاحب الدخل المتوسط ، يتعامل معه وكأنه فرد من عائلته ، ذلك أمر لا يمكن أن يخفى على من يمر لرصد الأضرار التي تحدث للمدنيين بعد كل اشتباك أو حرب في هذا البلد..
منزل عبد الحكيم اختفت منه نقود وأغراض كان أكثرها تأثيراً مدخرات طفلته عفاف ذات العشر سنوات ، تم كسر حصالة عفاف وأخذ ال ( 4700) ريال الذي اجتهدت في جمعها منذ عيد رمضان ، بكت عفاف كثيراً على مدخراتها ولم ترض حتى عوضها والدها عنها
يحب الإنسان اليمني بيته كثيراً ، خاصة صاحب الدخل المتوسط ، يتعامل معه وكأنه فرد من عائلته ، ذلك أمر لا يمكن أن يخفى على من يمر لرصد الأضرار التي تحدث للمدنيين بعد كل اشتباك أو حرب في هذا البلد.
زارت منظمة مواطنة لحقوق الإنسان – ضمن بحثها الميداني حول الانتهاكات لتوثيقها في تقرير ستصدره المنظمة في وقت لاحق – عدد من المناطق التي حدثت فيها اشتباكات بين جماعة أنصار الله ( الحوثيون ) وبعض القوات الحكومية ، وهي الاشتباكات التي انتهت بسيطرة الحوثيون على صنعاء مساء يوم الأحد الموافق 21 سبتمبر 2014م، وقد تناوبت القوات الحكومية والحوثيون استهداف المنازل سواء بالاقتحام أو بالنهب أو بالقصف العشوائي ، وكنا حين نتوقف عند حالات القتلى والجرحى يشدنا السكان من أيدينا لمشاهدة الأضرار التي حدثت لمنازلهم ، وكأن الجدران والأثاث وأشياءهم الصغيرة بالنسبة إليهم هي جسد ينزف مثلهم تماماً.
كثير من السكان لم يغادر منزلهم إلا في اللحظة الأخيرة بعد أن أصبح من المستحيل أن يبقوا فيه ، وبعضهم رفضوا مغادرة بيوتهم وبقوا فيها حتى آخر لحظة رغم الخطر ، منهم من نجا ومنهم من توفي في منزله الذي عز عليه مغادرته إلا إلى مثواه الأخير.
تلك الأهمية للبيوت في قلوب اليمنيين تستحق أن آخذكم في رحلة تمر بتفاصيل معاناة جدرانها وأبوابها وأغراضها المختلفة، وحتماً هذا ليس إلا عينة صغيرة و غيض من فيض الأضرار التي لحقت ببيوت المواطنين خلال اشتباكات كانت مدتها أربعة أيام فقط .
حي النهضة كان من الأحياء التي هرب منها أغلب سكانها بسبب المواجهات ، أولئك الذين هربوا أمنوا حياتهم لكن منازلهم لم تأمن ، تلك العمارات التي تقع في مواجهة إحدى بوابات جامعة الإيمان وموقع عسكري “الفرقة سابقاً” تم اقتحامها من قبل القوات الحكومية يوم السبت الموافق 20 سبتمبر ، وذلك بعد حبس اثنين من حراسها التابعين لإحدى شركات الأمن واقتيادهم إلى حوش جامعة الإيمان والتحقيق معهم لمدة ساعتين ، ومن ثم تركهم بضمانة شفهية بأن يغادروا المدينة المكلفون بحراستها ، اقتحموا المدينة واستخدموا الكثير من شققها كمتارس وكأماكن للمعيشة والنوم، وحين عاد أصحابها إليها بعد يوم أو يومين لم تكن أبداً كما تركوها.
جاءت نفيسة الوشلي إلى شقتها بعد أن اشترت مغلقة بديلة لتلك التي أتلفها الرصاص ، وحين صعدنا معها وجدناها كباقي الشقق مقلوبة رأساً على عقب وتتوزع بين جدرانها ونوافذها أثار الرصاص ، قالت نفيسة أنها أخذت ذهبها معها ولكنهم أخذوا من غرفتها بعض الإكسسوارات ظناً منهم أنها ذهب، الغريب في شقة نفيسة أنها حين خرجت تركت كل أبوابها الداخلية مفتوحة ، ولكنها حين عادت وجدت أنه قد تم إغلاقها ومن ثم فتحها بالرصاص، وكأن فتح الأبواب بالرصاص كان تقليد مقدس لا بد منه حتى للأبواب المفتوحة !
تقول إلهام الطائفي أنها وجدت فتحة في الجدار بين شقتهم والشقة التي بجوارهم ، ويبدو أنهم دخلوا الشقة التي بجوارهم ووجدوها بدون أثاث ففتحوا فتحة في الجدار ، وبعد أن تأكدوا بأن الشقة التي بجانبها مؤثثة فتحوا بابها بالرصاص ودخلوها وعاثوا فيها فساداً.
أما عبد الحكيم الشهاري فلم يعرف أنه قد تم اقتحام شقته إلا بالصدفة ، وحاول أكثر من مرة أن يدخل إليها ولم يتمكن من ذلك ، سواء بسبب القوات الحكومية وقت الاشتباكات أو الحراسة الحوثية بعد انتهاء الاشتباكات ، منزل عبد الحكيم اختفت منه نقود وأغراض كان أكثرها تأثيراً مدخرات طفلته عفاف ذات العشر سنوات ، تم كسر حصالة عفاف وأخذ ال ( 4700) ريال الذي اجتهدت في جمعها منذ عيد رمضان ، بكت عفاف كثيراً على مدخراتها ولم ترض حتى عوضها والدها عنها.
المختلف في كل من شقتي الهام الطائفي وعبد الحكيم أن الجنود خلعوا ملابسهم الرسمية فيها ( البدلة والبيادة والكوفية ) ، استبدلوها بملابس لأصحاب البيت وتركوها مرمية على الأرض وغادروا.
أما وحدة عمر أحمد فكانت تريدني أن أصور كل خرق في الستائر على حدة ، وكل رصاصة في النوافذ ، كانت تمر بي في أرجاء المنزل الذي فُتح بابه بالرصاص أيضاً وهي تقول : هذا منزل بنيته بالدين من أجل بناتي ، بناتي يتيمات وأنا لوحدي مسؤولة عنهن.
هناك جانب آخر من حي النهضة اقتحم عدد من منازله مسلحون حوثيون ولكنها حوادث بها قتلى وجرحى و سيتضمنها التقرير الذي سيصدر لاحقاً حول الضحايا المدنيين في الاشتباكات ، لذا سأنتقل بكم إلى حي الأندلس بالقرب من جولة مذبح وتحديداً إلى منزل صالح الشرعبي ، والذي ينقسم إلى طابقين ، الطابق الثاني مؤجر لشبكة النماء اليمنية للمنظمات التنموية.
كان صالح يجول في شقته وهو في حالة ذهول ، يتأمل الجدران والأبواب وجميع التفاصيل وهو يردد بصوت منخفض ” لقد نقشت كل شبر في هذا المنزل نقشاً ، إنها تحويشة العمر ، إنه ثمرة الغربة الطويلة” ، لم يترك صالح وعائلته الشقة إلا في اللحظات الأخيرة وعلى مضض ، لم يكن يريد أن يتركها لكنه أدرك في لحظة من اشتداد الاشتباكات أنه قد يعرض حياته وعائلته للخطر فخرج وقلبه معلقاً فيها ، كان الحوثيون هم من اقتحم شقة صالح في غيابه وسكن فيها ، والمشكلة أنهم لم يفتحوا أبوابها الداخلية بالرصاص ، بل فجروها تفجيراً ، لهذا كان كل شيء مدمر ( الأبواب والعقود والقمريات والقواطع الداخلية ) ، عاد صالح وطلب منهم إخلاء منزله ، أخلوه ورحلوا على أنقاض منزل مضى صاحبه عمراً ينقشه نقشاً.
لم تكن الاقتحامات من طرفي الصراع هي الضرر الوحيد الذي أصاب البيوت ، بل كان هناك أيضاً القذائف والشظايا المتبادلة بينهما ، ففي حي الأعناب ، اقتحمت شظية منزل عارف علي محمد فأحرقت جزء من غرف وأثاث المنزل حرقاً ، واخترقت قذيفة منزل أحمد الخرساني فلم تأخذ جزء من منزله فقط بل أخذت أيضاً روح والدته وابن اخته.
لم تدم الاشتباكات في صنعاء تقريباً سوى 4 أيام ، وأشدها كانت يوم السبت 20 سبتمبر 2014م ، ومع هذا فإن رصد الأضرار يتدحرج ككرة الثلج ، ما أن تدخل حارة من أجل حالة إلا وتكتشف عشرات الحالات المتضررة بمختلف أنواع الأضرار.
وفيما يخص البيوت فإن الأضرار التي حدثت لها تحتاج إلى لجنة خاصة تشكلها الدولة لحصرها وتحمل مسؤوليتها وتعويض أصحابها ، لقد مات عدد من الناس من أجل بيوتهم التي رفضوا تركها فلا تقتلوهم مرتين يا أرباب الدولة الجديدة القديمة.