كان سائقو الفرزة يرفضون صعود أي مواطن يملك نقودًا جديدة، بدأت حالة من الارتباك والسخط، وحينها قَدِم طقم أمني تابع للحوثيين وقام بتفريق المواطنين الذين ينوون السفر إلى صنعاء وغيرها من المحافظات...
مع إشراقة شمس السبت، الخامس من سبتمبر/ أيلول 2020، غادرت منزلنا الكائن في قرية حقل الفارد (مديرية دمت، محافظة الضالع)، لكوني أقضي يومي الإجازة (الجمعة والسبت) في القرية بين أفراد أسرتي، فيما بقية الأيام أقضيها في مدينة دمت.
غادرت المنزل متوجهًا إلى المدينة، وكنت خلال الأيام السابقة قد استعديت للسفر إلى صنعاء، وكان أبرز ما قمت به هو توفير عملة نقدية من الطبعة القديمة، حيث إن العملة النقدية الجديدة لا يتم تداولها في مناطق سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، والتي من ضمنها صنعاء.
عند وصولي إلى مشارف مدينة دمت تم توقيفنا في إحدى النقاط الأمنية والاستفسار عن هُويتنا وطلب بطائقنا الشخصية وما الهدف من دخولنا إلى مدينة دمت، إذ إن الوضع الأمني كان حينها على أشده، وذلك بسبب خروج مظاهرة حاشدة الليلة السابقة تطالب برحيل الحوثيين، وتندد بقرارهم منع تداول العملة الجديدة في المديرية.
على إثر هذا الأمر انتشرت عشرات نقاط التفتيش التابعة للحوثيين على مداخل مدينة دمت ووسطها، وفرضت حالة أمنية طارئة ومشددة على المواطنين الداخلين إلى المدينة، ومنعت تجمع أكثر من ثلاثة أشخاص في أحياء وأسواق وشوارع المدينة.
تمكنتُ من الوصول إلى فرزة صنعاء الواقعة في الشارع العام بالمدينة، وشاهدت حالة من الاضطراب وسط المواطنين المسافرين. هناك العشرات يجلسون على الأرصفة وأمتعتهم بأيديهم وجيوبهم مليئة بالنقود، ولكنهم مع ذلك غير قادرين على السفر بسبب أن النقود التي يملكونها هي من فئة العملة النقدية الجديدة.
وبينما كان سائقو الفرزة يرفضون صعود أي مواطن يملك نقودًا جديدة، بدأت حالة من الارتباك والسخط، وحينها قَدِم طقم أمني تابع للحوثيين وقام بتفريق المواطنين الذين ينوون السفر إلى صنعاء وغيرها من المحافظات، حتى إن هناك من المواطنين من فرّ هاربًا قبل وصول الطقم الأمني؛ خوفًا من الاعتقال، كما أن الكثير منهم أجَّل السفر حتى الحصول على عملة نقدية قديمة.
يذكر أن الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا نقلت البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن في سبتمبر 2016. حيث واصل البنك المركزي في عدن طباعة الأوراق النقدية الجديدة. ومما زاد الأمور تعقيدًا، في عام 2019، أن جماعة أنصار الله قررت حظر استخدام الأوراق النقدية الجديدة التي يطبعها البنك المركزي اليمني في عدن، مما أدى إلى زيادة رسوم التحويلات المالية ومعاناة المدنيين.
وبينما حالفني الحظ أنني أخذت الاحتياطات في هذا الجانب، وكنت أحمل مبلغًا ماليًّا من فئة العملة النقدية القديمة، مكنني الأمر من مغادرة مدينة دمت دون أية مشاكل.
ركبت على متن سيارة هيلوكس لون بني، وبدأنا بالسفر نحو صنعاء. كانت الساعة حينها تشير إلى الـ08:30 صباحًا، وكنا عند وصولنا إلى بعض نقاط التفتيش يتم سؤال السائق من أين نحن قادمون؟ فيجيب السائق: من دمت.
يأمر المسلح بركن السيارة على الفور والبدء بالتفتيش والتدقيق في البطائق الشخصية، وتفتيش ما نحمله من عملة نقدية. كان البعض من الذين في النقاط يسألون السائق عن الوضع في دمت، وكان السائق يجيب بأن الوضع بخير ومستقر.
اجتزنا عشرات نقاط تفتيش تابعة لجماعة أنصار الله (الحوثيين) المنتشرة على امتداد الخط المؤدي إلى صنعاء، كما اجتزنا عددًا من المدن والمحافظات، كإب وذمار؛ أما المدن والمديريات فهي: الرضمة ويريم ومدينة ذمار ومعبر ونقيل يسلح وبلاد الروس وقاع القيضي وحزيز، وصولًا إلى أمانة العاصمة.
وصلت إلى صنعاء عند الساعة الـ02:00 بعد الظهر. ثم قمت باستئجار سيارة تاكسي والذهاب مباشرة إلى الفندق الذي سأقيم فيه طوال مدة الدورة التدريبية.
وبعد انتهاء الدورة التدريبية في يوم الخميس العاشر من سبتمبر/ أيلول 2020، كنت على عجلة من أمري فعدت مباشرة إلى مدينة دمت، وأثناء العودة كانت هناك استفسارات من قبل أفراد النقاط الأمنية عن وجهتنا والتدقيق في بطائقنا الشخصية، ومن ثَمّ السماح لنا بالمرور.
كنت قد غادرت صنعاء الساعة الخامسة مساءً، حتى وصولي إلى دمت الساعة 10 مساء الخميس، وتقدر المسافة بين دمت وصنعاء بـ179 كيلو مترًا.