يوافق اليوم 10 ديسمبر، ذكرى إقرار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي اعتمدَته الجمعية العامة للأمم المتحدة، معلنًة معايير موحدة لحقوق الإنسان لجميع الشعوب والأمم. هذا اليوم يعد بمثابة إنذارًا سنويًا بالمخاطر التي ستواجه البشرية إذا ما تم التخلي عن القيم الإنسانية، وهو تحديدًا ما حدث إزاء شعب اليمن..
يوافق اليوم 10 ديسمبر، ذكرى إقرار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي اعتمدَته الجمعية العامة للأمم المتحدة، معلنًة معايير موحدة لحقوق الإنسان لجميع الشعوب والأمم. هذا اليوم يعد بمثابة إنذارًا سنويًا بالمخاطر التي ستواجه البشرية إذا ما تم التخلي عن القيم الإنسانية، وهو تحديدًا ما حدث إزاء شعب اليمن.
تسبب تصويت مجلس حقوق الإنسان على عدم تجديد ولاية فريق الخبراء الأمميين المعني بالتحقيق في الجرائم في اليمن في نكسة لنظام حقوق الإنسان متعدد الأطراف، مقدمًا ضمان الإفلات الكامل لجميع أطراف النزاع المسلح من العقاب، تاركًا الضحايا من اليمنيين دون فرصة حقيقية لبلوغ العدالة أو التعويض أو الإصلاح.
في اليمن، يعد الإفلات من العقاب على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي، بما في ذلك جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية أمرًا صادمًا يعكس استخفاف جميع أطراف النزاع بالقانون الدولي وقيمة الحياة البشرية والكرامة. فعلى مدى 8 سنوات، ارتكبت جميع الأطراف–بما في ذلك قوات التحالف بقيادة السعودية والإمارات، والقوات المدعومة من الإمارات والحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، وجماعة أنصار الله المسلحة (الحوثيين)، والمجلس الانتقالي الجنوبي– انتهاكات منهجية واسعة النطاق للقانون الدولي، تتضمن القتل العشوائي، وإلحاق أضرار جسيمة بالمدنيين، في ظل فشل تام في إجراء أي تحقيقات موثوقة ذات مصداقية أو ضمان العدالة وتقديم التعويضات.
وحتى الآن، أسفر الصراع في اليمن عن مقتل أكثر من 233.000 شخصًا، بينهم 102.000 كنتيجة مباشرة للأعمال العدائية؛ و131.000 نتيجة المجاعات المرتبطة بالنزاع وانتشار الأمراض وتدمير البنية التحتية الصحية. هذه الانتهاكات تفرض تساؤل محوري حول مدى التزام المجتمع الدولي بدوره في توفير الحماية اللازمة وإنهاء معاناة اليمنيين. فهل سيمتثل لتعهداته بمساءلة المتورطين في هذه المأساة؟ أم سيتخلى عن مسئوليته في سبيل المصالح السياسية؟ هذا هو اختبار محدد ومهم لحقوق الإنسان على مستوى العالم.
الشعب اليمني في أمس الحاجة وبشكل عاجل لإقرار سلام شامل ودائم، على نحو يتطلب من المجتمع الدولي دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان، الأمر الذي يجب أن يعالجه المجتمع الدولي بطريقة منسقة وشاملة ردًا على ازدراء جميع أطراف الصراع التام للقانون وللحياة وكرامة المدنيين في البلاد.
إن الحل الحاسم للأزمة الإنسانية الكبرى في اليمن حاليًا يتعلق بحقوق الإنسان، لذا فإننا نكرر دعوتنا لتشكيل آلية تحقيق دولية مستقلة للتحقيق والإبلاغ العلني ورصد الانتهاكات والتجاوزات في اليمن، بما في ذلك جمع الأدلة وحفظها، وإعداد الملفات اللازمة للملاحقات الجنائية المحتملة في المستقبل، بالإضافة لتحديد الضحايا وتوثيق الانتهاكات تمهيدًا للمطالبات المستقبلية بالتعويضات.
لقد مر قرابة 14 شهرًا على تصويت مجلس حقوق الإنسان، بفارق ضئيل، على عدم تجديد ولاية فريق الخبراء الأمميين بشأن اليمن في أكتوبر 2021. ومنذ ذلك الحين، يتواصل التراجع المخزي للامتثال للحقوق المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والاتفاقيات والمعاهدات الدولية. إن غياب أي آلية مساءلة دولية عن هذه الانتهاكات لا يتسبب فقط في تفشي الإفلات من العقاب، وإنما يؤدي إلى الافتقار للمعلومات، وانعدام التوثيق لانتهاكات حقوق الإنسان الخطيرة بحق المدنيين
ورغم الضغط الدولي، لم تمتثل كافة الأطراف بشكل كامل لاتفاقية الهدنة لمدة 6 أشهر، المدعومة من الأمم المتحدة، والتي انتهت في أكتوبر 2022. ناهيك عن تعرض المدنيين، خلال الهدنة والتي كانت فرصة نادرة نحو تحقيق السلام، لانتهاكات عدة من بينها القصف البري وهجمات الطائرات بدون طيار واستخدام الذخيرة الحية والألغام الأرضية وتجنيد الأطفال، فضلاً عن الهجمات على المنشآت المدنية مثل المستشفيات والمدارس. هذا الفشل في الامتثال بشكل صحيح لاتفاق الهدنة يؤكد أن السلام بدون آلية مساءلة تعززه سيبقى هشًا، ويبقى معه حصار اليمنيين في مستنقع دموي، تتفاقم آثاره السلبية بفعل تدهور الوضع الاقتصادي والسياسي.
خلال عام 2022، شهدت البلاد نزوح قرابة 57.408 شخصًا نتيجة التدهور المأساوي للوضع الإنساني [1]. وتسبب تجاهل أطراف النزاع المسلح لمطالب منظمات المجتمع المدني في تفاقم ثقافة الإفلات من العقاب. إذ سبق وطالبت المنظمات بضمان التزام كافة أطراف النزاع بتأمين حرية التنقل والحيلولة دون المزيد من تدهور الأزمة الإنسانية الخطيرة من خلال استعادة تأمين الطرق، وضمان استعادة الطرق الواصلة بين المحافظات المختلفة، بما في ذلك طرق مأرب والضالع. ورفع القيود عن تحركات المرأة اليمنية والمقيدة بشكل خاص بموجب شروط تعسفية، مثل وجوب وجود ولي أمر عند السفر داخل الدولة أو خارجها. هذا بالإضافة إلى مطالبة جماعة أنصار الله (الحوثيين) بفتح الطرق المؤدية لمدينة تعز.
أن المدنيين اليمنيين لا يزالوا ضحايا المعاملة الوحشية والمهينة، إذ تواصل أطراف النزاع منع المساعدات الإنسانية من الوصول إلى وجهتها، وتستخدم المجاعات كسلاح حرب، فضلًا عن تجنيد الأطفال. كما يتجلى انكماش أي هامش ديمقراطي وتنعدم الحريات الأساسية في ظل استمرار القيود المفروضة على حرية التعبير وحرية العقيدة والحرمان التعسفي من الحرية الشخصية. وتتواصل انتهاكات الإخفاء القسري وترهيب النساء والصحفيين والنشطاء والمدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان والأقليات. فبدلاً من التستر على هذه الجرائم، وعرقلة جهود توثيقها والتحقيق فيها، يجب أن يضمن نظام حقوق الإنسان العالمي المساءلة عن هذه الجرائم الخطيرة بموجب القانون الدولي، بعد توثيقها بشكل مستقل من قبل مجموعة من الخبراء المستقلين. مثل هذا الإجراء القوي سيؤدي إلى السلام الدائم الذي يستحقه اليمنيين.
المنظمات الموقعة:
[1] من ١ يناير إلى ٢٦ نوفمبر 2022، تم تتبع بيانات النزوح التابعة للمنظمة الدولية للهجرة في اليمن التي احتوت على ٩٥٦٨ أسرة (٥٧٤٠٨ فردًا) ممن عانوا من النزوح.
https://displacement.iom.int/reports/yemen-rapid-displacement-tracking-update-20-26-november-2022 (November, 2022)