عن معاناة المدنيين الذين علقوا في اشتباكات كريتر

"تم إنقاذ سكان المنزل المجاور لنا وإخراجهم من قبل ابناء الحارة من خلال أحد نوافذه، وبعد ذلك ثم انقاذي أنا وابنتي وزوجي من خلال خلع حديد حماية نافذة منزلنا، وتمّ احضار سلّم صغير حتى نستطيع النزول من النافذة للأرض، وقد أصيب خزان الماء الذي يقع فوق المنزل من الأمام، ما أدى إلى تدفق الماء الى الداخل وإلى الشارع حيث تحترق السيارات"..

November 21, 2021

لا ذنب لي سوى أنني أسكن هذا الحي

21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021قد تنتهي حياتك ظلمًا بسبب حرب عبثية غير عادلة، وأنت تحلم بالعيش كإنسان عاديّ يحصل على قوت يومه للاستمرار. أن تمارس أبسط حقوقك، أن تعود لمنزلك بأمان، أن تغمض عينيك على أمل أن تستيقظ على غدٍ أفضل؛ كل ذلك صار حلمًا يعاش في مدينة كانت يومًا رمزًا للحياة.السبت الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول 2021، منعطف جديد في دورات العنف التي تشهدها مدينة عدن، ومسرح الأحداث هذه المرة، شارعُ الطويلة، مديرية كريتر، فبدلًا من أن تمطر السماء ماءً، أمطرت وابلًا من الرصاص تحت وقع اشتباكات دموية.في لحظة غير متوقعة، قد يصاب أحد أفراد أسرتك، يُدمَّر منزلك، يعيش أطفالك في الرعب والخوف في أكثر الأماكن أمانًا بالنسبة إليهم، بينما تبقى أنت مكبل اليدين في وسط وابل الجحيم المنهمر عليك من حيث لا تدري. كل ذلك حدث لنا لأن قوّات الانتقالي قررت القبض على زعيم فصيل مسلح يدعى "إمام النوبي".

"في صباح هذا اليوم، كنا في المنزل أنا وزوجي وابنتي ذات الـ17 سنة. بدأت الاشتباكات بين جماعة إمام النوبي وقوات المجلس الانتقالي، وكانت جماعة إمام النوبي متمركزة في حارتنا، ويتم إطلاق النار من بين منازلنا. لم أشاهد أحدًا منهم، ولكن كنا نسمع صوت إطلاق الرصاص قويًّا جدًّا، وبعض الضوضاء من الحارة من قبل المسلحين وهم يتنقلون من مكان إلى آخر".

في أولى بدايات هذا اليوم، قرابة الساعة الـ02:00 صباحًا، شهد هذا الشارع اشتباكات مسلحة، سقط خلالها العديد من الضحايا المدنيين. تم قطع الشوارع، وعُزِلت المديرية بشكل نهائي طوال اليوم. في اليوم التالي، تم السماح ببعض الحركة للناس مع استمرار هطول وابل من الرصاص الحي المتفرِّق فوق رؤوسهم؛ الأمر الذي أدّى إلى إغلاق جميع المحلات والبقالات والمطاعم، وحُرِم الناس من قدرتهم على مزاولة عملهم اليومي لكسب لقمة العيش.تروي لنا إحدى القاطنات في شارع الطويلة، عن ماراثون القتل ذاك، حيث علق منزلها في المنتصف:"في صباح هذا اليوم، كنا في المنزل أنا وزوجي وابنتي ذات الـ17 سنة. بدأت الاشتباكات بين جماعة إمام النوبي وقوات المجلس الانتقالي، وكانت جماعة إمام النوبي متمركزة في حارتنا، ويتم إطلاق النار من بين منازلنا. لم أشاهد أحدًا منهم، ولكن كنا نسمع صوت إطلاق الرصاص قويًّا جدًّا، وبعض الضوضاء من الحارة من قبل المسلحين وهم يتنقلون من مكان إلى آخر".تغيرت نبره صوتها، حين قالت:"عندما ازدادت حدة الاشتباكات بين الطرفين بعد الساعة 10:30 صباحًا، اختبأنا في الغرفة الداخلية للمنزل، وكانت أصوات القذائف تمر من فوقنا وطلقات النار التي لم تتوقف مخيفة جدًّا، كنا نُشهِّد ونُكبِّر خوفًا من أن نموت في أي لحظة".ثم استمرت في وصف المشهد:"رغم الوضع السيئ، اتصل بنا أحد الجيران، اسمه وهيب، يسأل عنّا، أخبرناه أننا بخير وأننا مختبِئون وغير قادرين على الحركة، وهو -بدوره- أخبرنا أن المنزل المجاور لنا احترقت أمام بابه سيارة، وأنهم سيحاولون إخراج ساكنيه منه. لكن وهيب وبعض شباب الجيران لم يستطيعوا الوصول إلينا بسبب الاشتباكات واحتراق السيارة حينها.

تم إنقاذ سكان المنزل المجاور لنا وإخراجهم من قبل أبناء الحارة من خلال إحدى نوافذه، وبعد ذلك ثم إنقاذي أنا وابنتي وزوجي من خلال خلع حديد حماية نافذة منزلنا، وتمّ إحضار سلّم صغير حتى نستطيع النزول من النافذة للأرض، وقد أصيب خزان الماء الذي يقع فوق المنزل من الأمام، ما أدى إلى تدفق الماء إلى الداخل وإلى الشارع حيث تحترق السيارات.بعد أن خرجنا من المنزل، ذهبنا وبقينا في بيت الجيران، ونحن مفزوعون، فلم نصدق أننا سننجو وسوف نستطيع الخروج من المنزل بعد الذي كنا فيه". لم تكن النجاة حليفَ كلّ من كانوا موجودين في الحي؛ فالفتى محمد (14 سنة)، طلبت منه والدته الذهاب لشراء الفطور، لكنه لم يعد. اشتدت الاشتباكات ومحمد في الشارع، فشعر بالخوف الذي قاده، مصحوبًا بغريزة البقاء، للاختباء تحت حافلة كانت موجودة بالشارع، لكنها لم تنفعه بشيء؛ فقد أصيب جسده الهزيل بست رصاصات متفرقة في بطنه، كما سقطت الحافلة على رأسه بعد أن أصيبت إطاراتها بالرصاص، فظل محمد يصارع الموت هناك لوحده حتى وافته المنية، بحسب إفادة أحد الشهود.يقول خال الضحية:" علمت من بعض الأشخاص أنهم وضعوا محمدًا في المسجد بسبب عدم قدرتهم على إسعافه إلى أحد المستشفيات، بسبب محاصرة المنطقة من قبل قوات المجلس الانتقالي. دخلت إلى مسجد "الهدى" حوالي الساعة الـ08:00 صباحًا، ورأيت محمدًا ملقى على الأرض وبجانبه أخوه علاء وبعض أبناء "الطويلة" الذين وجدوه. كان محمد قد فارق الحياة وملابسه تملؤُها الدماء بسبب إصاباته المتفرقة في جسده". طفل لا ذنب له غير أنه ذهب لإحضار ما يسد جوعه وجوع عائلته.ضحية أخرى -وليست الأخيرة- كانت أنهار يوسف إبراهيم محمد (60 سنة)، التي أصيبت بطلقة نارية في رجلها اليمنى أوصلتها إلى البتر ومن ثم الموت السريري. اخترقت الطلقة الجدار ثم نفذت إلى مفصل الركبة لترديها طريحة الأرض، وذلك أثناء اقترابها من النافذة لمعرفة سبب الضوضاء العالية التي كانت تسمعها بالشارع".روت لنا زوجة شقيق الضحية :"كان بعض الشباب التابعين لإمام النوبي، موجودين في نهاية الحارة، ويقومون بإطلاق الرصاص باتجاه بداية الحارة، حيث تتواجد قوات المجلس الانتقالي.كان الضرب قويًّا بأسلحة ثقيلة وليس رصاصًا عاديًّا، وكنا جالسين في غرفة المعيشة حين قامت أخت زوجي أنهار بالذهاب إلى نافدة الغرفة، وعندما شاهدناها أنا وبناتي صرخنا عليها أن ترجع مكانها، وما هي إلا ثوانٍ أثناء التفاف جسمها للجهة اليمنى إلا وتصيبها رصاصة اخترقت جدار الغرفة الجانبي مسببة ثقبًا في الجدار، وبعدها اخترقت ركبتها اليمنى، على إثرها سقطت على الأرض مباشرة وهي تنزف.كنا نحاول الوصول إليها، ولكن منعنا خوفنا لأن إطلاق النار كان قويًّا ومتواصلًا، فبقينا بجانب باب الغرفة ونشاهدها وهي على الأرض تتألم، غيرَ قادرين على مساعدتها. بعدها بلحظات دخلنا إلى الغرفة بسرعة، وقمنا بسحبها أنا وزوجي وابني من مكان إصابتها حتى وسط الغرفة. كانت تنزف بشدة حينها، أحضرنا قطعة قماش وقمنا بربط مكان الإصابة حتى يتوقف النزيف. كنا نساعدها وهي تبكي وتتألم وتقول ساعدوني ساعدوني.تم بعد ذلك بتر رجل أنهار اليمنى من منتصف الفخذ، فدخلت بحالة غيبوبة، وتوقفت عندها وظائف الكلى والكبد عن العمل، وتعيش حاليًّا مرتبطة بالأجهزة الكهربائية التي تبقيها على قيد الحياة سريريًّا". ليس معروفٌ أين هو إمام النوبي الآن، ولا شيء واضح خرجت به هذه المعركة سوى الضحايا ومعاناة الناس. أصبح الأهالي يعيشون في حالة من الخوف والتوجس الدائم، من أن تندلع حربٌ أخرى داخل شوارعهم المسكونة بأشباح هذه الحرب، ناهيك عن الخسائر المادية والمعنوية التي يتكبدونها بعد كل اشتباك في أحيائهم، ولا من ينظر إليهم بعدها. أَمَا آنَ لعدن أن تنعم بالسكينة والأمان؟! ألا يستحق أهلها الطيبون المسالمون ذلك؟!