
كيف أخفقت السلطات الألمانية في إنصاف المُدَّعين اليمنيين
أطفال لا يُمكن إنقاذهم من شقق محترقة بسبب القصف الكثيف المتواصل، ومنازل مُدمرة تحوَّلت إلى ركام خلال غارات جوية تستمر طوال اليوم، أولئك الذين عاشوا مثل هذه التجارب يعرفون أن هناك أنواعًا من الأضرار لا يُمكن التعويض عنها. ومع ذلك، كان هناك ثلاثة مواطنين يمنيين، من الذين تضرروا من الحرب الجوية، ما زالوا يأملون في تحقيق العدالة ومستقبل أكثر أمانًا عندما اعترضوا في عام ٢٠٢١ على التراخيص الألمانية لتصدير المعدات العسكرية إلى السعودية والإمارات. كان هدفهم وضع حد لشحنات الأسلحة الألمانية التي تعرِّض حياتهم ورفاههم للخطر بشكلٍ متكرر. لكن بعد أربع سنوات، يبدو أن هذا الأمل قد تحطم. سلسلة لا تنتهي من التقاعس الإداري وغياب الشفافية، إلى جانب مخاطر مالية غير قابلة للحساب، دفعت الثلاثة إلى اتخاذ قرار التوقف عن متابعة القضية.
دعم المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان (ECCHR) المُدَّعين الثلاثة بالتعاون مع المنظمة اليمنية "مواطنة لحقوق الإنسان".
رضية المتوكل، رئيسة "مواطنة لحقوق الإنسان"، تقول: "وثَّقت "مواطنة" ما لا يقل عن 1,070 غارة جوية عشوائية وغير متناسبة على أهداف مدنية، أسفرت عن مقتل وإصابة 7,624 مدنيًا على الأقل. هذا الرقم لا يشمل جميع الهجمات، بل فقط تلك التي تمكّنا من توثيقها. دُمِّرت مدارس ومستشفيات ومنازل مدنية، بالإضافة إلى البنية التحتية الحيوية للسكان، بينما قُتل أو أُصيب أو نزح الآلاف من المدنيين. وألمانيا لم تُسهم في هذا فحسب عبر تصدير الأسلحة إلى السعودية والإمارات، بل بعد عشر سنوات من هذه الهجمات المدمرة، لم تتخذ أي خطوات لتحقيق العدالة".
وتقول أنابيل بروجمان، المستشارة القانونية في شؤون الأعمال وحقوق الإنسان بالمركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان (ECCHR): "من المفهوم تمامًا أن يقرر المدَّعون التوقف عن متابعة قضيتهم في هذه الظروف. فيما يتعلق بالتراخيص الممنوحة سابقًا، تتصرف الحكومة الألمانية بغياب شبه كامل للشفافية. في الوقت نفسه، تطلب الهيئة الاتحادية الألمانية للأسلحة (BAFA) والمحكمة الإدارية من الأطراف المتضررة تقديم معلومات مفصلة للغاية، عن كل ترخيص على حدة، لتجنب مخاطر التكلفة الباهظة التي لا يمكن السيطرة عليها. وقد أدى ذلك إلى خلق مأزق مقلق يحول دون وصول المدَّعين للحماية القانونية الفعالة، ويجعل من الصعب تقييم ما إذا كانت صادرات الأسلحة الألمانية إلى مناطق النزاع تنتهك الالتزامات القانونية الدولية".
وكشفت سير الإجراءات كيف أن الحكومة والسلطات والمحاكم الألمانية تجعل المراجعة القضائية لصادرات الأسلحة شبه مستحيلة، بينما تحرم المدنيين المتضررين بشكل منهجي من الحماية القانونية الفعالة. ويمكن ملاحظة هذا التوجه المقلق أيضًا في إيطاليا وفرنسا، حيث نتخذ نحن وشركاؤنا إجراءات قانونية ضد صادرات الأسلحة التي استُخدمت ضد المدنيين في اليمن.
المزيد عن القضية:
تتعلق القضية بمعدات عسكرية مُرخَّصة للتصدير من ألمانيا إلى السعودية والإمارات، وهما الدولتان اللتان قادتا تحالفًا عسكريًّا تدخل في اليمن قبل عشر سنوات بالضبط، في مارس/آذار 2015، عبر شن غارات جوية مكثفة ضد المدنيين في اليمن. ارتبطت هذه الحرب الجوية بانتهاكات عديدة موثقة للقانون الإنساني الدولي، وعرَّضت الحق الدستوري في الحياة والسلامة الجسدية للمُدَّعين الثلاثة للخطر.
وبناءً على أدلة تشير إلى استمرار ألمانيا في تصدير الأسلحة والمعدات العسكرية للتحالف حتى بعد بدء الغارات، اعترض المدَّعون على تراخيص التصدير أمام الهيئة الاتحادية الألمانية للأسلحة (BAFA). شملت شكواهم معدات مُخصصة للحرب الجوية، مثل قطع غيار الطائرات وأنظمة توجيه القنابل، بالإضافة إلى القنابل والصواريخ التي تُطلق من الطائرات. ولأن هدفهم كان منع أي تراخيص جديدة لتصدير هذه المعدات وإلغاء التراخيص الممنوحة سابقًا في ذلك الوقت والتي لم تنتهِ صلاحيتها بعد، فقد طلب المدَّعون أيضًا الاطلاع على ملفات الهيئة (BAFA). ونظرًا لغياب الشفافية حول تراخيص تصدير الأسلحة، لم يتمكن المدَّعون من معرفة عدد التراخيص والشركات المشمولة.
أعاقت الهيئة الاتحادية الألمانية للأسلحة (BAFA) الإجراءات لمدة عامين بحجة التنسيقات الوزارية، ورفضت في نهاية أبريل/نيسان 2024 جميع الطلبات لعدم وضوحها. وقدَّم المتضررون استئنافًا ضد هذا القرار إلى المحكمة الإدارية في فرانكفورت في نهاية مايو/أيار 2024. وسمحت لهم المحكمة أخيرًا بالوصول إلى ملفات الإجراءات الرسمية في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2024، لكن جميع المعلومات ذات الصلة كانت قد أُخفِيت مسبقًا، فلم يتمكن المدَّعون ولا المحكمة من تحديد متى مُنحت التراخيص، أو ما إذا كانت المعدات العسكرية قد تم تسليمها بالفعل، ومتى.
وبالتالي، ما زال من غير الواضح عدد التراخيص المشمولة في الاستئناف والدعوى المرفوعة، ولكن وفقًا للهيئة (BAFA)، قد يتجاوز عددها المائة ترخيص. وفي الوقت نفسه، أعلنت المحكمة أنها ستحدد القيمة المالية للنزاع بناءً على عدد التراخيص المشمولة، مع تحديد أعلى قيمة ممكنة ودعوة جميع الشركات المعنية للانضمام إلى الإجراءات القانونية. ونظرًا لأن القيمة المالية للنزاع تحدد تكاليف الإجراءات، أصبحت المخاطر المالية على المدَّعين غير قابلة للحساب. لكنهم أيضًا لا يستطيعون حصر دعواهم في تراخيص أو شركات محددة، لأن الهيئة (BAFA) ما زالت تُخفي المعلومات الضرورية.