نشرت المقالة سابقاً في موقع Just Security بتاريخ 14 ديسمبر/ كانون الأول 2020
بريانكا موتابارثي وأسامة الفقيه
ستواجه إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن، عندما يتم تنصيبه كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية في يناير/ كانون الثاني، مجموعة من التحديات الهائلة. ومن أهم التحديات إنهاء الدعم الأمريكي للتدخل العسكري في اليمن الذي تقوده المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
أصبحت الحرب في اليمن وصمة عار على جبين العالم، فهي كارثة إنسانية متصاعدة تهدد حياة 24 مليون شخص يعتمدون على بعض أشكال المساعدات الإنسانية. وعلمية السلام لا تزال في تعثر دائم نتيجة لعدم وجود دعم دولي كبير لها، ولأنها تعجز عن إشراك الأطراف الرئيسية في النزاع.
وفي الوقت نفسه، قُتل آلاف المدنيين، كثير منهم جراء غارات جوية نفذها التحالف بأسلحة أمريكية الصنع تم بيعها للسعودية والإمارات، وآخرين جراء غارات أمريكية بطائرات بدون طيار، حيث إستهدفت الغارات الجوية للتحالف المدنيين والأعيان المدنية، بما في ذلك صالات الأعراس وقاعات العزاء والمدارس والأسواق والمرافق الطبية. ارتكب التحالف بقيادة السعودية والإمارات، بالإضافة إلى الأطراف المتحاربة الأخرى في اليمن، بما فيهم جماعة أنصار الله (الحوثيون)، انتهاكات جسيمة للقانون الدولي، ومع ذلك لم تٌتّخذ بحقهم إي إجراءات مساءلة جدية. فبالرغم من قيام الإمارات بسحب معظم قواتها البرية في عام 2019 – لا يزال هناك وجود لبعض القوات الإماراتية – إلا أنها واصلت عملياتها الجوية، وما تزال تمد ما يقرب من 90 ألف مقاتل يمني بأنواع مختلفة من الدعم، بما في ذلك من خلال إمدادهم بالسلاح.
وعدت حملة بايدن بإنهاء الدعم الأمريكي للتدخل بقيادة السعودية والإمارات في اليمن. لكنهم لم يقدموا بعد تفاصيل حول كيفية القيام بذلك، تاركين أسبابًا للشك في المدى الذي سيصل إليه هذا التحول.
ينبغي أن تكون إحدى العلامات الهامة رسالة مفتوحة من 30 مسؤولاً سابقًا في إدارة أوباما، نُشرت قبل عامين، يدعون فيها إلى إنهاء هذا الدعم. وقد تم الآن اختيار العديد من الموقعين على هذه الرسالة كمرشحين من قبل بايدن لشغل مناصب رفيعة المستوى في إدارته، بما في ذلك أنتوني بلينكين كوزير للخارجية، وأفريل هينز مديرًا للاستخبارات الوطنية، وليندا توماس جرينفيلد كسفيرة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة.
أوضحت الرسالة أن قرار إيقاف تزويد طائرات التحالف بقيادة السعودية والإمارات والتي تنفذ عمليات عسكرية في اليمن بالوقود – والتي أوقفتها إدارة ترامب قبل أيام قليلة من نشر الرسالة – لم يكن كافياً. ودعت إلى “تعليق كل أنواع الدعم الأمريكي للحملة في اليمن”، إلى جانب “تقديم مطالبة واضحة بوقف فوري وشامل لإطلاق النار، وزيادة الاستثمار الأمريكي في الدبلوماسية رفيعة المستوى اللازمة لإنهاء هذه الحرب”.
مبيعات الأسلحة
ولكن إذا تعلمنا أي شيء من السنوات الخمس ونصف الماضية، فهو أن “الدعم” يمكن تفسيره بعدة طرق. إن الدعوة إلى الدبلوماسية ودعم عملية السلام سيتم تقويضها إذا استمرت نفس الحكومات في بيع الأسلحة، وتجاهلت مطالبات المساءلة، وعملت على تقويض جهود إنهاء الحرب بأشكال أخرى.
تم تجاهل الشروط التي تنطبق أصلاً على مبيعات الأسلحة هذه، مما أدى إلى فشل التحالف في ضمان عملية استهداف بشكل أفضل في هجماته أو إحداث نتائج أقل ضررًا. لذلك، فإن الإنهاء المجدي للدعم الأمريكي يجب أن يشمل تعليق جميع مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، نظرًا لخطر استخدام هذه الأسلحة لارتكاب المزيد من انتهاكات حقوق الإنسان أو جرائم الحرب. كما يجب أن يتضمن دعوات صارمة للسعودية والإمارات والتحالف الذي تقودانه لإيقاف الهجمات غير القانونية، والتحقيق بمصداقية في تلك التي حدثت، واتخاذ خطوات ملموسة لضمان تحقيق المساءلة والإنصاف.
وقد دعا فريق الخبراء الدوليين والإقليميين البارزين بشأن اليمن التابع للأمم المتحدة مرارًا وتكرارًا إلى إنهاء عمليات نقل الأسلحة، والذي يقول إنها “تساعد على استمرار النزاع”. يجب أن يشمل ذلك وقف عمليات البيع المزمع عقدها من قبل إدارة ترامب لطائرات ريبر بدون طيار وطائرات إف -35 وأسلحة أخرى إلى الإمارات العربية المتحدة، والتي يحتمل أن تصل قيمتها إلى 23 مليار دولار. كما يجب أن يشمل ذلك وقف توفير قطع الغيار والصيانة للمعدات العسكرية التي تم بيعها في السابق وتبادل المعلومات الاستخبارية وتقديم أي دعم لوجستي آخر.
يجب أن يشمل إنهاء الدعم الأمريكي أيضًا إيقاف الإجراءات الدبلوماسية التي تحمي السعودية والإمارات وغيرهم من شركاء التحالف من الخضوع للتدقيق في أفعالهم التي إرتكبوها في اليمن. وبدلاً من ذلك، يجب على الإدارة الجديدة أن تدرك أنه لا يمكن تحقيق سلام دائم دون محاسبة مجدية لجرائم الماضي. يجب أن تضمن الدبلوماسية المستقبلية حماية احترام حقوق الإنسان في أي اتفاق. وعلاوة على ذلك، ينبغي أن تضمن الجهود مساءلة جميع أطراف النزاع وإنصاف الضحايا.
وفي حال عودة الولايات المتحدة إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، فعليها أن تفعل المزيد لدعم جهود المساءلة من خلال تلك الهيئة. وقد بدت الولايات المتحدة خلال العامين 2015 و2016 وكأنها تقوض جهود مجلس حقوق الإنسان لإجراء تحقيق في الانتهاكات المرتكبة في اليمن. وإذا كان بايدن يريد إثبات أن الولايات المتحدة لديها التزام حقيقي بإنهاء الانتهاكات في اليمن، فعليه أن يبدأ فصلًا جديدًا تتخذ فيه الولايات المتحدة مواقف مبدئية في المجلس فيما يتعلق بحقوق الإنسان والمساءلة والإنصاف.
المساعدات الإنسانية
أخيرًا، ومع انتشار جائحة فيروس كورونا (COVID-19) في اليمن وتفاقم الأزمة الإنسانية، يجب على الولايات المتحدة دفع جميع الأطراف المتحاربة لحماية وضمان إيصال المساعدات الإنسانية، وإزالة العوائق، والسماح بالوصول إلى السكان المتضررين في جميع المناطق. كما يتعين عليها إعادة النظر في قرارات السياسة الأمريكية التي تؤثر سلبًا على الوضع الإنساني. تشير تقارير أخبارية حديثة، على سبيل المثال، إلى أن إدارة ترامب تخطط لتصنيف الحوثيين كمجموعة إرهابية، وهي خطوة عارضتها الوكالات الإنسانية كما عارضها بشدة كبار مسؤولي الأمم المتحدة، بمن فيهم الأمين العام أنطونيو غوتيريش. إن مثل هذا التصنيف سيجعل الأمر أكثر صعوبة على الوكالات الإنسانية لتقديم المساعدات إلى الأجزاء التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن والتي لا تزال بحاجة لهذه المساعدات، وسيؤثر ذلك سلبًا على محادثات السلام.
بحلول الوقت الذي يتولى فيه بايدن منصبه كرئيس للولايات المتحدة، ستكون الولايات المتحدة على مشارف دخول عامها السادس من الدعم للتحالف الذي تقوده السعودية والإمارات في اليمن. استمر هذا الدعم بلا هوادة تقريبًا حتى نهاية ولاية أوباما، باستثناء التوقف المؤقت لمبيعات بعض الذخائر دقيقة التوجيه – وهي خطوة قام ترامب بعكسها بسهولة.
يجب على إدارة بايدن القادمة ليس فقط أن تفعل أفضل بكثير من العودة إلى سياسات ومواقف عهد أوباما بشأن اليمن من خلال إنهاء الدعم بشكل شامل، ولكن يجب أن تعيد التفكير في سياسة الولايات المتحدة بشأن اليمن. فبدلاً من قبول الدعم العسكري كثمن لدعم المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة للمصالح الأمريكية الأخرى، أو التركيز على البلد ]اليمن[ فقط كمصدر للتهديد. يجب أن تكون السياسة الجديدة مدفوعة بأهداف تحقيق سلام دائم، وضمان حقوق الإنسان لليمنيين. فبعد إرتكاب الكثير من الأخطاء، تستحق قضية تحقيق السلام والاستقرار في اليمن لصالح اليمنيين أن تكون هدفًا مستقلاً، بدلاً من النظر إلى البلد من خلال عدسة أمنية فقط.
وكما كتب بايدن بنفسه هذا العام، عندما كان انتخابه غير مؤكد، “سيتعين على الرئيس الأمريكي القادم أن يخاطب العالم كما هو في يناير/ كانون الثاني 2021، ستكون مهمة إصلاح الأمور مهمة كبيرة جداً … فلن يكون هناك مجال لإضاعة الوقت.” أظهر استطلاع للرأي العام في الولايات المتحدة عام 2018، وهو واحد من الإستطلاعات القليلة إن لم يكن الوحيد الذي تناول الحرب في اليمن، أن غالبية الأمريكيين يريدون أن تنهي بلادهم تواطؤها في هذه المأساة، واليمنيون الذين نعرفهم يتفقون على أنه لا يوجد وقت نضيعه – فكلا البلدين ستخسران الكثير.
يجب أن يكون أحد أكبر الدروس المستفادة من فترة بايدن كنائب للرئيس هو التعلم من الأخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة في اليمن، والأضرار الكارثية التي تستمر هذه الأخطاء في إحداثها. وسيكون إصلاح تلك الأمور مهمة شاقة بالفعل – وهي مَهمة لن يقوم بحلها عبر نصف إجراءات أو إجراءات غير مكتملة.
عن كاتبي المقال:
مدير مشروع مكافحة الإرهاب والنزاع المسلح وحقوق الإنسان في معهد حقوق الإنسان بكلية الحقوق بجامعة كولومبيا؛ شغلت سابقًا منصب مدير الطوارئ بالإنابة في هيومن رايتس ووتش، حيث قادت تحقيقات قسم الطوارئ وإعداد التقارير عن فظائع وأزمات حقوق الإنسان العالمية. لمتابعتها عبر تويتر (@priyanica).
مدير الإعلام والاتصال والمناصرة لدى مواطنة لحقوق الإنسان في اليمن (منظمة حقوقية مستقلة)، كما أدار سابقاً وحدة الأبحاث والدراسات في المنظمة. لمتابعته عبر تويتر (@osamahfakih)