"ما اسمك؟ من بيت من؟" كان قبل سنوات سؤالاً عادياً في اليمن، يمكن الإجابة عنه دون قلق وتشكك في نوايا السائل، سؤال يقصد به التعارف وتقوية الصلات بين أفراد المجتمع من مناطق مختلفة. لكنه أصبح اليوم سؤالاً مفخخاً قد تقود إجابته إلى السجن.
“ما اسمك؟ من بيت من؟” كان قبل سنوات سؤالاً عادياً في اليمن، يمكن الإجابة عنه دون قلق وتشكك في نوايا السائل، سؤال يقصد به التعارف وتقوية الصلات بين أفراد المجتمع من مناطق مختلفة. لكنه أصبح اليوم سؤالاً مفخخاً قد تقود إجابته إلى السجن.
استقبلت محافظة مأرب -التي تخضع لحكومة الرئيس عبدربه منصور هادي- خلال سنوات الحرب الأربع في اليمن، الكثير من النازحين الهاربين من ويلات الحرب في محافظات أخرى، ووفرت لهم بعض الخدمات التي تفتقر إليها مناطق أخرى في اليمن، لكنها في الوقت ذاته أوقفت على أبوابها حراس يتفحصون هويات القادمين، وقد يمنعون دخلوهم أو يعتقلونهم بناء على اللقب.
يقول أحد سكان صنعاء: “أصبحنا نخاف دخول مأرب بسبب ألقابنا، وقد يموت مرضانا دون قدرتنا على إسعافهم خارج اليمن بسبب إغلاق مطار صنعاء، وخطورة نقاط التفتيش الممتدة نحو المطارات الأخرى”.
تقع مأرب شرقي اليمن، وتبعد عن صنعاء ما يقارب 170 كيلومتراً، بلغ عدد سكانها 238 ألف نسمة وفق التعداد السكاني لعام 2004، وقد ازداد العدد بعد الحرب الأخيرة في 2015، بسبب حركة النزوح الكبيرة من المحافظات الأخرى.
وقد أصبح المرور بها حتمياً لعدد من سكان المحافظات الشمالية للوصول إلى مطار سيئون في حضرموت أو العودة منه، وذلك بعد أن أغلق التحالف بقيادة السعودية والإمارات مطار صنعاء الدولي – المطار الأكبر في البلاد – في 9 أغسطس/ آب 2016. فأصبحت هناك طرق طويلة يسلكها المسافرون للوصول إما إلى مطار سيئون أو مطار عدن ، ليتمكنوا من السفر إلى خارج اليمن.
تمر هذه الطرق بخطوط تماس بين مناطق سيطرة طرفي الحرب، ويخضع المسافرون للتفتيش في عشرات النقاط الأمنية والعسكرية الخاضعة لمختلف الأطراف، والتي تتفحص أوراقهم، وتستجوبهم بشأن أسباب السفر ووجهته، وتتصدر نقطة تفتيش باب الفلج في مأرب قائمة الاستجواب على أساس اللقب العائلي ، وقد يصل الأمر إلى حد الاحتجاز التعسفي، وإلصاق تهم غير مبررة.
يتعرض المحتجزون في نقطة باب الفلج -التي تقف عليها قوات تابعة للرئيس هادي- للتحقيق، والإذلال، والتهديد بالقتل، والتعذيب أحياناً. يقول إبراهيم (اسم مستعار) الذي اعتُقل في أبريل/ نيسان 2017 في نقطة الفلج إن المحققين ظلوا يسألونه عن أسماء قادة من جماعة الحوثي يحملون نفس اللقب، ويحاولون معرفة علاقته بهم، فأكد لهم إبراهيم أنه لا يعرف عنهم شيئاً، وأنه مجرد عامل قادم من السعودية لزيارة أطفاله الذين اشتاق إليهم.
فُتشت أغراضه، وحُجز في غرفة ضيقة مع مجموعة كبيرة من المعتقلين والمرضى العقليين، كان يتجنب تناول الطعام الذي يُقدم له كي لا يضطر إلى دخول الحمامات غير القابلة للاستخدام البشري. تعرض كغيره من السجناء للتعذيب النفسي والجسدي، فقد هُدد بالقتل، وضُرب بالسوط والعصي، وربط بالسلاسل. وكان يُسأل بصوت مرتفع عن كنيته ولقبه العائلي، ويسمع كلمات الإهانة للقبه، ويتهم أنه دخل مأرب تهريباً، كما نسبت إليه تهمتان ملفقتان؛ الأولى تهمة قتل، والثانية تهمة الانتماء إلى جماعة أنصار الله (الحوثيين).
أطلق سراح إبراهيم بعد تسعة أشهر في صفقة تبادل معتقلين، كما أفرج عن معتقلين آخرين، إلا أن كثيراً من الأبرياء المحتجزين بسبب ألقابهم ما زالوا يعانون بين جدران السجون بلا ذنب.
في بداية العام الحالي 2019 وصل علي (اسم مستعار) إلى نقطة باب الفلج ، في طريقه إلى سيئون للسفر إلى خارج البلاد. كان إلى جواره أحد أصدقائه متوجهاً أيضاً إلى المطار للسفر. نظر الجندي إلى أوراقهما، تفحص اسميهما، تأكد من لقب علي ثم طلب منه النزول من السيارة.
اقتاد علي طقم عسكري تابع لقوات الأمن الخاصة (الأمن المركزي سابقاً) إلى جهة مجهولة، بحث عنه بعدها صهره أحمد (اسم مستعار) في البحث الجنائي، وأقسام الشرطة، وجهاز الأمن السياسي، وأنكر الجميع معرفة مكانه، وبعد أسبوع عرف بوجوده في سجن الأمن السياسي.
تحدث أحمد بتردد إلى علي في زيارته الأولى، فقد كان يجلس بقربهما ملثمان يسجلان كل كلمة يقولانها، ولاحظ الحالة النفسية السيئة الشديدة له. قدم بعدها شكوى خطية إلى وكيل وزارة الخارجية وصدر أمر بالإفراج عنه لعدم وجود تهمة جنائية، إلا أن الأمر لم ينفذ.
كانت حالة علي النفسية تسوء بمرور الوقت، فقد اتّهم بمسؤوليته عن ملفات عسكرية لقوى خارجية، لم يعرف علي عن هذه التهمة شيئاً، فقد كان مجرد موظف عادي، متّجه لحضور دورة تدريبية. ما زال أحمد يتابع قضية صهره، وحصل على وعود من مسؤولين ونافذين في المحافظة بمساعدته، إلا أن شيئاً منها لم ينفذ.
قال أحمد الذي ما زال يتابع القضية: “لن أيأس، وسأستمر في متابعة الأمر حتى يتم الإفراج عن زوج أختي، فهو رجل مدني ليس له أي ميول حزبية أو طائفية أو سياسية، وتهمته الأولى والأخيرة هي لقبه”.
تستمر حالات الاعتقال بسبب الاسم في نقطة تفتيش باب الفلج بمحافظة مأرب، وعادة ما ينتمي المحتجزون إلى ما يشار إليه عادة بـ”الأسر الهاشمية”، ويُتهمون بمساندة جماعة الحوثي التي تعرف بأنها “أسرة هاشمية” أيضاً. وقد وثقت مواطنة لحقوق الإنسان 38 واقعة اعتقال تعسفي، و 22 واقعة اختفاء قسري في محافظة مأرب منذ 2015 إلى نهاية مارس/ آذار 2019، كثير من هذه الوقائع حدثت بسبب اللقب العائلي فقط.
أغلقت معظم منافذ الخروج من اليمن، وأصبحت الممرات بين مناطقها محاطة بحراس يلتقطون القادمين من مناطق بعينها بتهم معدّة سلفاً، ولم يعد العابرون يخافون من اصطحاب أسلحة أو مواد ممنوعة، بل أصبح كثير منهم يخافون فقط من حمل أسمائهم.