رئيسة منظمة مواطنة: " لقد أقدم التحالف الذي تقوده السعودية على إغلاق المطار الرئيسي في العاصمة صنعاء مما حال دون وصول الإمدادات الطبية والإغاثية الحيوية .. لا أعرف شخصاً لم يتأثر بالأزمة في اليمن "
بقلم: رضية المتوكل
ظهر هذا المقال اولاً بالانجليزية في صحفية الجارديان في ١١ سبتمبر ٢٠١٧
سوف أتحدث يوم الاثنين في مؤتمر دولي يشارك فيه الكثير من الأشخاص الذين يتمتعون بسلطة وقف بيع الأسلحة التي تجلب الكثير من المعاناة لكثير من الناس؛ وآمل حقاً في أن يستمع المشاركون لي. أريدهم أن يدركوا مدى أهمية هذه السلطة فحسب.
أنا من اليمن التي تعرضت منذ أكثر من عامين للتدمير الذي تدفع عجلته التدفقات الكبيرة من الأسلحة التي يتم تزويد الأطراف المتحاربة الرئيسية بها – التحالف الذي تقوده السعودية وجماعة الحوثي المسلحة وحليفها السابق الرئيس صالح والقوات التي تتبع الرئيس عبدربه منصور هادي والجماعات المسلحة الموالية له.
الألغام الأرضية ومدافع الهاون والصواريخ البالستية والطائرات المقاتلة من طراز اف – 16 والقنابل العنقودية والكلاشنكوف – نطاق واسع من الأسلحة المستخدمة ضد المدنيين. بحسب الأمم المتحدة، فقد قُتِل حوالي عشرة آلاف شخص وجُرِح أكثر من 40.000 شخص – معظمهم من النساء والأطفال. لا يوجد أحد في مأمن. أضطر نحو ثلاثة ملايين شخص إلى الفرار من ديارهم.
قامت منظمتي، وهي منظمة مواطنة لحقوق الإنسان، بتوثيق المئات من الانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي من جانب مختلف أطراف النزاع.
إنه لمن المثير للجزع أن نرى أنه عندما يُصاب الناس بجراح خطيرة نجد أن العديد من المستشفيات قد تعرضت للقصف وأن العديد من تلك التي مازالت تعمل بالكاد تتوفر لديها أياً من المعدات والأدوية، وتفتقر إلى ما يكفي من الموظفين والكهرباء والمياه الجارية. لقد أقدم التحالف الذي تقوده السعودية على إغلاق المطار الرئيسي في العاصمة صنعاء قبل أكثر من عام مما حال دون وصول الإمدادات الطبية والإغاثية الحيوية.
ها نحن الآن نحصد عدداً من المعضلات الإشكالية مثل أسوأ أزمة إنسانية في العالم على الإطلاق وأكبر تفشي للكوليرا في العالم على الإطلاق. يواجه اكثر من 17 مليون شخص الموت جوعاً فيما لقي 2000 شخص حتفهم بسبب الكوليرا حتى الان، في ظل وجود اكثر من 600 الف حالة مشتبه فيها.
لا أعرف شخصاً لم يتأثر بالأزمة في اليمن. يقول الناس إذا لم تمت بالقصف فإنك ستموت بسبب الجوع أو الكوليرا.
إذن، من أين تأتي كل هذه الأسلحة؟ المملكة العربية السعودية هي واحدة من أكبر مستوردي الأسلحة في العالم في حين أن تسعة عشر بلداً من التي قامت بتوريد الأسلحة للمملكة العربية السعودية هي من الدول التي وقعت وصادقت على معاهدة تجارة الأسلحة؛ وهذا يعني أنها ملزمة بعدم توريد الأسلحة حيثما يكون هناك خطر رئيسي من أنها سوف تسهم في ارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان أو القانون الإنساني الدولي. ما مقدار الأدلة التي يحتاجونها؟ لماذا أعمال القتل الوحشية والتجويع بحق مواطني بلدي لها صدى خافت جداً؟
هذا الأمر يعكس للأسف انتصار المصالح الاقتصادية على دماء الأبرياء.
منذ بداية عام 2015م، عندما بدأت الحرب في اليمن، وافقت المملكة المتحدة على مبيعات أسلحة بقيمة 3.7 مليار جنيه استرليني إلى المملكة العربية السعودية؛ وهذا الأمر سوف يستمر. سوف يبحث وفد من المملكة العربية السعودية عن تعزيز مخزوناتها من الأسلحة بريطانية الصنع في المعرض الدولي لمعدات الدفاع والأمن (أحد أكبر معارض الأسلحة في العالم) والذي يتم تنظيمه في لندن الأسبوع المقبل. سوف يقوم كل من السير مايكل فالون، وزير الدولة لشؤون الدفاع، و ليام فوكس، وزير الدولة لشؤون التجارة الدولية، بإلقاء خطابين رئيسيين في معرض الأسلحة. لماذا لا يحضرا مؤتمر معاهدة تجارة الاسلحة، ويضغطان باتجاه تطبيق المعاهدة..
لقد شعرت بخيبة أمل عميقة لسماع أنه في شهر يوليو من هذا العام قضت المحكمة العليا في المملكة المتحدة بأن الحكومة البريطانية لم تتصرف بشكل غير قانوني من خلال مواصلة بيع الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية؛ وهذا يبعث برسالة مرعبة مفادها أنه من الحسن إرسال الأسلحة إلى أنظمة وحشية سوف تستخدمها لتنفيذ انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان.
البلدان الأخرى التي تقوم بتوريد إمدادات كبيرة من الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية ووقعت على المعاهدة وصادقت عليها، فرنسا وإيطاليا وإسبانيا. الولايات المتحدة الأمريكية، التي وقعت على المعاهدة ولم تصادق عليها، وقعت عقداً مع السعودية في شهر مايو من هذا العام لتوريد معدات عسكرية بقيمة 110 مليار دولار أمريكي. كم عدد الأرواح الأخرى التي سيتم إزهاقها هذه العقوبات نتيجة لهذه الصفقات التجارية المربحة؟
قد لا يعرف بعض ممثلي الدول الأعضاء في معاهدة تجارة الأسلحة الضحايا المدنيين أو ما يحدث لليمنيين في الحرب اليومية الجارية. من المؤسف أن الكثير من اليمنيين قد عرفوا هذه الدول من خلال الأسلحة الثقيلة التي تدمر منازلهم وتقتل أسرهم وتمزق بلدهم.
قصتي من اليمن هي قصة مرعبة، وللأسف ليست فريدة من نوعها. سأكون جالسة إلى جانب زملائي من أفريقيا وآسيا والأمريكيتين والكاريبي والمحيط الهادئ الذين سيكون لدى جميعهم قصصاً عن المعاناة الهائلة الناجمة عن توريد الأسلحة.
هذا هو السبب في أن مؤتمر الدول الأطراف في معاهدة تجارة الأسلحة لا يمكن أن يكون مؤتمراً للأعمال كالمعتاد هذا الأسبوع. ينبغي على جميع الدول أن تقوم فوراً بوقف توريد الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية وجميع البلدان الأخرى التي تُستخدم فيها الأسلحة لارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي.
ينبغي أن تكون هناك أيضاً لجنة تحقيق دولية مستقلة للتحقيق في انتهاكات جميع أطراف النزاع في اليمن كخطوة أولى نحو المساءلة وإنهاء سياسة الإفلات من العقاب.
في العام الماضي، تم إنفاق الكثير من الوقت على المسائل الصغيرة والبيروقراطية في المؤتمر، إلا أن الوقت ينفذ بالنسبة للناس في بلدان مثل اليمن حيث يرتفع عدد القتلى بسرعة ويموت طفل كل عشر دقائق من الجوع والمرض.
كان لحكومة المملكة المتحدة على وجه الخصوص دوراً أساسياً في إنشاء معاهدة تجارة الأسلحة في المقام الأول، ومن المأساوي أن نراها الآن تتجاهل هذا الأمر بشكل صارخ.
تمتلك المعاهدة إمكانية إنقاذ الملايين من الأرواح والحد من المعاناة في جميع أنحاء العالم، ولكنها لا تستطيع أن تفعل ذلك إلا إذا قامت الدول فعلاً بتنفيذ ما وقعت عليه. إذا لم تقم الدول بذلك، فإنه يتعين إخضاعها للمساءلة.