قبل الحرب، كنت أرى أن طريقي إلى صنعاء طويل إذا ما حسبت أني سأسافر زهاء العشر ساعات بالمواصلات العامة. ساعة ونصف إلى ساعتين أقطعها من المخا حتى أصل إلى مدينة تعز، ومن ثم خمس إلى ست ساعات أقطع فيها طريق السفر حتى أصل إلى صنعاء.
حين يصلني إيميل بحضور دورة تدريبية حقوقية في صنعاء تختلط عندي المشاعر ما بين الفرح بلقاء الزملاء والأنس بهم، وتبادل الخبرات والتجارب، كما هي الاستفادة من البرنامج التدريبي من ناحية، وبين تعب ومشقة الطريق، التي لم تعد تشبه الطريق الأولى إلا من جهة المسميات (من المخاء إلى تعز ومن تعز إلى صنعاء) من ناحية أخرى.
قبل الحرب، كنت أرى أن طريقي إلى صنعاء طويل إذا ما حسبت أني سأسافر زهاء العشر ساعات بالمواصلات العامة. ساعة ونصف إلى ساعتين أقطعها من المخا حتى أصل إلى مدينة تعز، ومن ثم خمس إلى ست ساعات أقطع فيها طريق السفر حتى أصل إلى صنعاء.
أما في ظرف الحرب فقد بانت الطريق وتغير مسارها، وبات ينتابني هَم البدء والاستمرار فيها حتى الوصول، ومع مرور الأيام يزداد بُعد هذه الطرقات ووعورتها وصعوبتها.
منذ مايو 2015، ومع فرض طوق على مدينة تعزمن قبل جماعة أنصارالله (الحوثيين)، كنت أسافر من مدينة المخا إلى مدينة عدن، عبر طريق اسفلتي لم يختلف كثيراً عن الطرقات الفرعية لشدة الخراب الذي لحق به، ولمدة أربع إلى خمس ساعات، ثم من عدن إلى صنعاء لمدة تصل إلى العشر ساعات، عبر محافظة الضالع.
ثم؛ ومنذ أكثر من عام، تم قطع طريق الضالع وتغيرت الطريق من عدن إلى مدينة تعز- منطقة الحوبان، نصفها عبر طرق فرعية (أودية وممرات سيول)، قبل أن تستأنف السفر مرة أخرى من الحوبان إلى صنعاء.
بعد الفتح الجزئي لحصار مدينة تعز في أغسطس 2016، تغير مسار طريقي من مدينة المخا إلى مدينة تعز، وهو يستهلك سبع ساعات نصفها وعر ومتعب للغاية، ونصفها على خط اسفلتي لم يتبق منه إلا اسم الاسفلت، فقد ذهبت أجزاء كبيرة منه، كما تتخلله الكثير من الانقطاعات غير المعبدة، فمعظم جسور وعبّارات السيول قد تقاسم تدميرها جماعة أنصار الله (الحوثيون) وطيران التحالف بقيادة السعودية والإمارات، كلٌ بوسيلته التي يملك (فهذا بعبوات ومتفجرات، وذاك بقصف جوي).
ولذا يخلف الطرفان هذه الإنقطاعات دون صيانة، أما المواطنون فقرروا أن يجدوا حلولاً للعبور من فوق هذه العبارات والجسور المدمرة لتستمر حياتهم، فتارةً يستديرون حولها، وتارةً يردمونها بأتربة، وهو ما يفاقم خطرها في موسم الأمطار والسيول.
وبعد عناء السبع ساعات التي تبلغك مدينة تعز، تتبقى أمامك ساعات طويلة تتراوح بين 10 إلى 18 ساعة إلى الحوبان ، منها ثلاث إلى أربع ساعات عبر طريق الأقروض الوعر والضيق إلى الحوبان، وهي الطريق البديلة عن الطريق وسط المدينة التي كنا نقطعها في ربع ساعة فقط. (للمزيد عن معاناة طريق الاقروض اقرا مدونة تعز: 10 كيلومتر وقد تحولت إلى 62 كيلومتر)
هذا إذا لم يتم قطع طريق الأقروض وهو السلوك الذي بات يتكرر كثيراً في الآونة الأخيرة، ويتم استبداله بطريق سامع، وهو ما يعني زيادة زمن السفر ومشقاته، فتزيد المدة على خط الأقروض ما بين الساعتين إلى الثلاث ساعات، في طريق جبلية أشد وعورة وصعوبة وخطراً.
وما إن تصل إلى الحوبان حتى تستأنف سفرك الطبيعي إلى صنعاء بما لا يقل عن ثمان ساعات وقد تصل إلى 10 ساعات.
لهذا كله بات من الطبيعي أن تعمد إلى تقسيم سفرك إلى يومين، فمتابعة السفر من المخا إلى صنعاء فيه مشقة لا يمكن أن يتخيلها إلا من سافر في هذا الطريق، لا سيما حين تسافر بصحبة أسرتك، مع الأخذ في الاعتبار بأن طريق الأقروض يتم إغلاقه مع غروب الشمس من كل يوم.
يحتاج الناس للسفر إلى صنعاء، لأسباب مختلفة، والكثير منهم يسافرون إلى صنعاء لأجل العلاج، وفي كل مرة عليهم أن يتحملوا مشقة هذا الطريق.
يذكر أن جميع الطرقات القديمة التي كنا نسلكها قبل الحرب تم قطعها من قِبل جماعة أنصار الله (الحوثيين)، بعد ذلك باتوا يتشاطرون الطرقات البديلة مع القوات التابعة لحكومة الرئيس هادي أو التابعة للتحالف بقيادة السعودية والامارات.
مع العلم أن كل الطرقات البديلة تمر في أودية ومجاري السيول وهو ما يشكل تهديداً مستمراً لحياة الناس ومعيشتهم، وفي أحسن الأحوال تقطع السيول عنهم طريق السفر وتؤخرهم لساعات وربما لأيام- إذا ما استمرت الأمطار والسيول.. وفي كثير من الأحيان تباغت هذه السيول الناس وهم في منتصف الأودية، وبتنا نسمع عن غرق بعض السيارات والشاحنات في هذه الطرقات.
ومما يزيد من معاناة الناس أن هذه الطرقات مليئة بنقاط التفتيش، التابعة لأطراف النزاع على اختلافها- إلا أن نقاط جماعة أنصار الله (الحوثيين) هي الأشد تعنتاً وتشديداً، وهو ما يعني زمن إضافي إلى زمن السفر الطويل.