الخطر الذي يتربّص بالمدنيّين
قالت مواطنة لحقوق الإنسان، في بيانٍ لها اليوم، بالتزامن مع اليوم الدولي للتوعية بخطر الألغام، الذي يصادف الرابع من أبريل/ نيسان من كل عام، إنّ الألغام الأرضية والأشراك الخداعية التي زرعتها جماعة أنصار الله (الحوثيين) قد قتلت وما زالت تقتل المئات من المدنيين، وأصابت بشكل وحشي المئات منهم، منذ بداية النزاع المسلح في اليمن في سبتمبر 2014.
وذكرت مواطنة أنّها وثّقت منذ اندلاع النزاع في اليمن، نهاية العام 2014، وحتى مارس 2024، ما لا يقل عن 600 واقعة ألغام، 505 واقعة أجسام متفجّرة طالت المدنيّين، وفي مقدمتهم النساء والأطفال، في مختلف المحافظات.
قالت رضية المتوكل، رئيسة مواطنة لحقوق الإنسان: "إنّ زراعة الألغام والأشراك الخداعية، تشكّل تهديدًا خطيرًا على حياة وسلامة المدنيّات والمدنيّين، ليس في الوقت الحاضر وحسب، بل وفي المستقبل؛ كون هذا النوع من الأسلحة مفرط الضرر وعشوائي الأثر، كما أنها تشكّل عائقًا يحُوْل دون عودة السكان الفارّين والنازحِين إلى مناطق أخرى بسبب النزاع، إلى منازلهم؛ خشية وقوعهم ضحايا لهذه الألغام".
وأضافت المتوكل: "إنّ خطورة الألغام لا تقف عند الأثر المباشر على الضحايا، بل تمتد لتشمل تقييد ومنع وصول المساعدات الإنسانية، وتقييد الحركة، بما فيها تكبّد المدنيّات والمدنيّين مشقة الانتقال عبر طرق فرعية وعرة وبعيدة؛ تجنّبًا للطرق الملوثة بالألغام، والتأثير الكبير على مصادر دخل المدنيين، في ظل تلوث الكثير من مناطق الرعي والتحطيب والحقول الزراعية ومصادر مياه الري، بالألغام؛ ما جعل العديد من المدنيّين أمام خيارات الموت جوعًا أو الموت بفعل انفجار تلك الألغام والأجسام والمتفجرة المنتشرة في كل مكان".
قال طفل ناجٍ (13 عامًا)، لمواطنة: "كنّا نلعب كرة القدم في منطقة ربع الحضرمي في مديرية حيس، محافظة الحديدة، وانقسمنا إلى فريقين؛ فريق الكبار ويلعبون في أرض، وفريق الأشبال ويلعب في أرض مجاورة، كان عدد الأطفال يزيد على عشرين لاعبًا، خرجت الكرة إلى خارج ملعب الأطفال، وأثناء جلبها، سمعنا صوت انفجار قويّ، شعرت بالذعر، ورأيت التراب طار إلى السماء، ورأيت صديقي صالح الحيسي (اسم مستعار) يتقلب في الأرض، مبتور القدم".
وأضاف: "انخفض الجميع إلى الأرض، وأنا لم أستطع الحراك من هول ما رأيت، كنت أراهم يتطايرون في الجوّ مبعثرِي الأشلاء. وكان معنا كيس نضع فيه الكرات وأطقم اللاعبين، أخذنا هذا الكيس، وجمعنا فيه الأشلاء. لقد عدت إلى البيت وملابسي مليئة بالدم، كنت خائفًا وأرى الكوابيس طوال الليل".
وقال ناجٍ آخر (38 عامًا)، لمواطنة: "في يوم الأحد 1يناير/ كانون الثاني 2023، قرابة الساعة 2:00 مساءً، انفجر لغم أرضيّ في مرعى شعب جبل السد - منطقة الريدة، مديرية مكيراس - محافظة البيضاء، أثناء ما كان طفل يرعى الأغنام برفقة والده، ممّا أدّى إلى مقتل الطفل على الفور".
وأضاف: "كنت في مزرعتي بالقرب من المكان، وسمعت صوت الانفجار، فهرعت أنا وكل العمّال الذين كانوا معي، وكل أهالي القرية الذين سمعوا الانفجار في ذلك اليوم، إلى مكان الحادثة. وعند وصولي إلى المرعى، وجدنا والد الطفل يصرخ ويبكي بصوت مبحوح شاحب مستغيث بنا: "ساعدونا، ولدي مات!". وقد كان يزحف في الأرض، ولم يستطع الوقوف. فعدت مسرعًا إلى مزرعتي وأخذت دراجتي النارية بهدف إنقاذهم في أسرع وقت ممكن، وخاطرت بالدخول إلى المرعى مستعينًا بالله، وعند اقترابي منهم، وقبل أن أصل إليهم، انفجر بي جسمٌ متفجر آخر، وفقدت الوعي، ولم أستيقظ إلا وأنا في المستشفى".
يُحظَر استخدام الألغام المضادّة للأفراد في النزاعات، بموجب القوانين الدولية؛ لخطرها البالغ والممتد على المدنيّين، وعدم تمييزها بين المدني والعسكري، وتعدّ اليمن طرفًا في معاهدة أوتاوا التي سُنّت عام 1997، التي تنص على حَظْر استعمال وتخزين وإنتاج ونقل الألغام المضادّة للأفراد، وتفرض حظرًا شاملًا على تخزينها وتطويرها والاتجار بها.
عقب انخفاض وتيرة العمليات العسكرية منذ إعلان الهدنة في أبريل 2022، عاد بعضُ النازحين إلى ديارهم ومزارعهم، وكانت الألغام والأجسام المموهة تتربص بحياتهم. سقط عدد من الضحايا العائدين ضحيةً لهذه الأسلحة الفتاكة.
وعلى الرغم من انخفاض العمليات العسكرية، فإن زراعة الألغام ما زالت مستمرة؛ فبحسب إفادة شهود عيان قابلتهم مواطنة، فإن العديد من الأماكن التي تكون خالية من الألغام، سرعان ما تتحول إلى مناطق خطرة ملوثة بالأجسام التي تنفجر بالماشية أو أحد السكان، ولم يعُد من السهل تحديد الأماكن الآمنة.
تتركز الألغام بكثافة في المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، والمناطق التي سبق لها السيطرة عليها، وتعد محافظات البيضاء والحديدة والجوف وصعدة وبعض مديريات محافظتَي مأرب وتعز، أهم المناطق السكنية التي تنتشر فيها الألغام بدرجة كبيرة، وتتحمل جماعة أنصار الله (الحوثيين) المسؤولية عمّا يقارب 96% من وقائع الألغام.
طالبت مواطنة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، بدرجة رئيسية، بالتوقف الفوري عن زراعة الألغام، وتسليم الخرائط الخاصة بالمناطق الملوثة، وتطهيرها؛ للحيلولة دون سقوط المزيد من الضحايا المدنيين، والسماح بعودة السكان إلى منازلهم واستئناف أعمالهم بأمان، كما طالبت المجتمع الدولي بتشكيل آلية تحقيق دولية ذات طابع جنائي تضمن محاسبة المُنتهِكين ومساءلتهم، والانتصاف للضحايا، وتعزيز جهود السلام في اليمن.