ما الجرم الذي ارتكبه زوجي؟!
في أول زيارة له، ثالث يوم من احتجازه، ولوقت قصير خَيّر نائف ناجي (اسم مستعار- 28 سنة) زوجته فيما إذا كانت ترغب بالبقاء معه، أم تريد الانفصال عنه. كان ردها: سأنتظرك العمر كله.
وكانت جماعة أنصارالله (الحوثيين)، قد قامت باحتجاز نائف، في الـ18 من نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، على خلفية انتمائه لحزب الإصلاح، وذلك أثناء خروجه من الجامع بعد صلاة الجمعة، في مديرية بني الحارث، أمانة العاصمة، وايداعه سجن البحث الجنائي بصنعاء، لمدة ثلاثة أشهر، نُقل بعدها إلى سجن الأمن والمخابرات. وفي العام 2021 والموافق لشهر رمضان، تم تحويله إلى سجن شملان.
كان نائف يدرك أن من يقع في يد الجماعة، يعلقُ هناك. كان نائف حديث الزواج، ويعيش مع زوجته سنواتهما الأولى سندًا لبعضهما، في كنف أسرة يملأها المودة، ولم يكن أحد يعلم أن انتماء الرجل الحزبي سيكون يومًا سببًا في فقدانه لحريته، لسنوات طوال.
وهكذا وجدت دلال (اسم مستعار- 23 سنة) نفسها وحيدة في المستشفى تكابد آلام المخاض، والاعتناء بابنتها الرضيعة التي اضطرت المستشفى إبقائها في الحضانة لأكثر من شهر. اختارت لها اسم عناية (اسم مستعار) علّها تكون سببًا في منح والدها أيام هادئة ومستقرة، تهون عليه ما عاناه في المحتجزات.
لم تكن دلال قد أكملت تعليمها الثانوي بعد، ولم تعرف كيف ستواجه قسوة الحياة وحيدة، فبالرغم من أن والدتها ووالدها المتعبين يبقون معها في منزلها لأشهر، حتى تتاح لها الفرصة للاعتناء بطفلتها، إلا أن نائف لم يكن يألُ جهدًا في الاعتناء بهم وخدمتهم وتوفير الاحتياجات لهم.
كل ذلك وأكثر، كان سببًا في بقاء دلال قوية حتى اليوم، بالرغم من أنها وجدت نفسها فجأة، أبًا وأمًا وزوجة ومعيلة ومدافعة عن زوجها، ما أدى في إحدى المرات لإحالتها للتحقيق لدى جهاز الأمن والمخابرات التابع لجماعة أنصار الله، بسبب إرسالها رسالة لأحد مشرفي الجهاز، تسأله عن سبب احتجاز زوجها، ومتى سيتم الإفراج عنه.
كان الموقف مفزعًا لها. بعد تناوب خمسة من مسؤولي الجهاز على استجوابها وتوبيخها. شعرت بالخوف، لكنها استطاعت أن تتحكم بمشاعرها وتجيب على أسألتهم بما استطاعته من ثبات.
لم يكن عمرها يساعدها في ذلك الموقف الصعب، لكنها خبرت الحياة، ومعاناتها ولحظاتها العصيبة، وقد قضت أوقاتًا وحيدة بعد أن فقدت زوجها، ما منحها القوة في مواجهة ثلة المنتهكين أولئك.
تجلت لها صورة زوجها ومواقفه الشجاعة في رعاية أسرته، والأمان الذي كان يمثله لهم، تقول إن كل ذلك كان سببًا في مساءلتهم، بدلًا عن مساءلتها. أين زوجي؟ ولماذا لا يزال رهن الاعتقال؟
وبعد دأبها الطويل، وأسئلتها المتكررة، أحالوا نائف إلى النيابة الجزائية المتخصصة في نهاية عام 2019 ليُحاكم بتهم لا يدرك عنها شيئًا، مع ذلك لدى دلال اعتقاد أن حتى هذه المحاكمة هي إمعان منهم لشرعنه بقاء الزوج في المُحتجز.
أخبرها في الأيام الأخيرة أنه لم يعد يخشى أي منطوق للحكم، فقد تم الحكم على بعض رفاقه بالإعدام. يخبر زوجته ومحاميه، على سبيل اليأس، من أنه محتجز ولا يدري الجرم الذي ارتكبه ليعاقب بكل ذلك.
أما وقد أفنى أهم سنين عمره في السجن، فلا شيء سيعيد له الأمل، عدا زيارات زوجته التي لم تتخلف عن ميعادها يومًا، تمنحه الصبر ويعطيها القوة. وفي كل مرة كانت تزوره، كان يوصيها بإكمال تعليمها وقد فعلت!
لقد أكملت خلال سنوات احتجازه تعليمها الثانوي، ولم تكتف بذلك، بل درست دبلوم تمريض، وكانت تحاول أن تسعده بهذا الإنجاز. تخبره بأن عجلة الحياة تستمر، وأن هناك دائمًا أمل، سيتحرر يومًا من القيود ويكمل المشوار معها.
وفي كل مرة كانت تزوره، كانت تخبره بالتقدم الذي تنجزه في حياتها، كي يُبقى شيء من التفاؤل، ولم يكن كفاحه وحده الدافع نائف لكي يقف، كان حبها له أيضًا وقودًا كلما شعر بقلة الحيلة.
وفي أول يوم من رمضان التالي من اعتقاله في 2018، وكان موعد زيارتها له، مُنعت دلال من مقابلة زوجها، فرفضت العودة إلى المنزل ما لم تراه. بقيت أمام بوابة المُحتجز لساعات، حتى وقف الجلاد أمام مقاومتها عاجزًا، فسمحوا لها بالزيارة، وسلمته الطعام الذي صنعته بيدها.
زوجها أيضًا، كان متفاجئًا بما هي عليه من الجسارة، وقد غادرها وهي لا تعرف من أبجديات الحياة شيئًا. تدرك دلال أنها وهي وحيدة، تمثّل جيشًا كاملًا من المثابرة والإصرار، لأجل أن يأتي اليوم الذي يعيد فيه السجّان حرية زوجها، والذي من المؤكد أنه سيكون يوما ما.