قصة يونس وحلمه المبتور
استيقظ من فراشه بسرعة.. عيناه يغمرهما الفرح.. وبخطوات تسابق بعضها بخفة اتجه نحو باب بيته.. انساب إلى حيه الناعس.. حيث الصمت يتربع على الارجاء.. عقارب الساعة نائمة باتجاه السادسة صباحاً.. لا أحد يستنشق صباح رمضان خارج المنزل
نظر إلى منازل جيرانه الصائمة محدثا نفسه قائلا:
وبحركاتٍ بهلوانية قفز إلى الأرضية المقابلة لبيته والممتلئة بالتراب.. لتتخذ شكل هضبة ترابية صغيرة …
نظر إلى السماء بفرح ثم أغمض عينيه وبدأ يعيش حلمه الازلي (سأكون طياراً يوما ما … ما هي الا 6 سنوات كي انتهي من الثانوية وبعدها.. سأكون في السماء).. قطع حديثه صوت الطائرة الحربية.. فتح عينيه وما زال وجهه إلى السماء … لم يرَ شيئاً.. قفز من الهضبة الترابية متجهاً للبحث عن أصدقائه …
عندما انتهى من صلاة الجمعة … كانت الساعة تقارب الواحدة ظهراً.. نادته أمه:
ذهب يونس مع خاله وفي داخله تململ كبير.. كان يدعو الله دائماً أن تنتهي الحرب كي ينتهي عناء جلب الماء المتكرر بشكل يومي..
عانقت انامله كف خاله وباليد الأخرى أمسك جالون الماء الأصفر والذي كان لزيت الطبخ يوماً ما.
عندما وصل إلى خزان المياه .. كان كما اعتاده ، قليل من الزحام .. واللون الأصفر يطغى على المكان ..
اقترب من صنبور الماء متأملاَ اياه واكسير الحياة يتساقط نحو الجالون ..
وفجأة ترامى إلى مسامعه ذلك الصوت ..
حدثته نفسه : نعم .. أنها قذيفة …
شيء ما أخبره أن يهرب … لكن وفي ثوانً معدودة سقطت القذيفة فوق صنبور الماء
لحظة صمت استولت على حواسه … لم يشعر بشيء .. لم يسمع أي شيء … رأى خاله يستنجده .. وبسرعة البرق اخترق صوت خاله المكان:
أراد أن ينهض من مكانه .. لكنه لم يستطع .. ألم كبير يحاصر كل خلية من جسده الذي بدا أكثر خفة …
نظر إلى رجليه .. لم يرهما .. أصابه الذهول وصُعق وهو يرى أشلاء رجليه متناثرة في الأرض وعلى خزان المياه و الجدران المحيطة به…
صرخ بأعلى صوته :
شعر بيدين تحملانه إلى ظهر دراجة نارية … كان إبن خاله ينظر إليه ويقول له:
وبالفعل احس بالنوم يداعب جفنيه وهو يقاوم ويحاول الا ينساب الى ذلك العالم السرمدي .. والالم ينهش صدره الصغير …
صرخ صوت بداخله :
عند وصولهم إلى المستشفى حمله احدهم فوق سرير متحرك .. وجره الى غرفة الجراحة .. وبعينين مجهدتين .. اختفى احساسه بالزمان والمكان .. وبدأت مقاومته تضعف حتى استسلم اخيرا … اغمض عينيه دون أن يدري …
كعادة الايام التي لحقت الحادثة أصبحت هذه التفاصيل تستولى على حياته … نفس الذكريات تلاحقه كل يوم وفي كل صوب ،
ذات السؤال الملح يتكرر في عقله : ما الفائدة المرجوة من أحدهم إن كان لا يملك ساقين ويعيش بيد واحدة ولا يميز الرؤى المحيطة به سوى بعين واحدة ….
وضع يديه على عينيه محاولاً منع دموعه من التساقط …
حاول رفع رأسه إلى السماء … مستجدياً حلمه الأزلي .. لكنه لم يستطع … لن يطير .. لن يصبح في السماء يوماً ما …
رأى بعضا من جيرانه يذهبون لخزان المياه … أراد أن يقول لهم :
لكنه اَثر الصمت …
كل هذا وأمه تنظر إليه من نافذة البيت وهو على كرسيه المتحرك .. واسئلة كثيرة تصرخ في كيانها .. كيف فقدتُ أخي بلمح البصر ؟ وكيف أصبح أبني ذو ال 12 ربيعاً عاجزا ؟
كيف سيحيا ما تبقى من عمره على كرسي متحرك في بلدٍ مثل بلدنا اليمن وفي مدينة يتجول الموت بين ازقتها كتعز ….
هربت دمعتان من عينيها وسقطت بهدوء على وجنتيها …
ذهبت إليه واحتضنته ثم اعادته إلى المنزل ….
وضعته على فراشه .. أمسك بهاتفه وبدأ يستعرض التغطية الإعلامية المسجلة لحادثته الأليمة ..
وصوت المراسل يملأ المكان
( مجدداً… قذيفة هاون تسقط على خزان مياه وتوقع قتلى وجرحى معظمهم من الأطفال …… )