المقاتلات الإسرائيلية تواصل استهداف المنشآت الحيوية والضرورية للسكان في اليمن
قالت مواطنة لحقوق الإنسان في بيان لها اليوم، إن استمرار استهداف المقاتلات الإسرائيلية للأعيان والمنشآت المدنية الضرورية لحياة السكان في اليمن يفاقم الأزمة الإنسانية ويرقى إلى مستوى جرائم الحرب.
وذكرت "مواطنة" أنه في يوم الخميس الموافق 19 ديسمبر/كانون الأول 2024، قرابة الساعة 4:15 صباحًا، شنت المقاتلات الإسرائيلية 11 غارة جوية استهدفت موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى بمحافظة الحديدة شمال غرب اليمن، ما أسفر عن مقتل 9 مدنيين من العاملين في الموانئ الثلاثة وإصابة ثلاثة آخرين بجروح خطيرة. كما تسببت الغارات بأضرار واسعة النطاق في الموانئ، بما في ذلك تدمير كلي لأربع لنشات (عائمات مائية) مخصصة لسحب السفن وإعادتها، وإلحاق أضرار متفاوتة بدرجاتها بعدد من الحاويات والمعدات والمحتويات الأخرى. كذلك أدى الهجوم إلى تسرب الوقود إلى مياه البحر واستمرار اشتعال النيران وتصاعد الدخان الناتج عن احتراق الوقود لساعات، مما تسبب في تلوث وأضرار بيئية كبيرة.
وأفادت "مواطنة" بأنه في الساعة 4:20 صباحًا من اليوم نفسه، شنت المقاتلات الإسرائيلية خمس غارات جوية على محطة توليد كهرباء حزيز بمديرية سنحان وبني بهلول في أمانة العاصمة صنعاء، حيث استهدفت غارتان منها المولدات الرئيسية للمحطة، وغارتان المولدات الفرعية، بينما استهدفت الغارة الخامسة خزان الوقود في المحطة. نتج عن ذلك أضرار واسعة النطاق في المحطة وخروجها عن العمل، ما أدى إلى انقطاع تام للتيار الكهربائي في بعض المناطق والأحياء التي تزودها المحطة بالكهرباء لعدة أيام.
وذكرت "مواطنة" أن فريقها المركزي والميداني نفذ زيارات ميدانية لمواقع الغارات في مديريتي سنحان وبني بهلول بأمانة العاصمة صنعاء، والموانئ المستهدفة بمحافظة الحديدة، ومطار صنعاء الدولي ومحطة رأس كتنيب المركزية بمحافظة الحديدة. خلال هذه الزيارات، أجرى الفريق 25 مقابلة مع ناجين وشهود عيان وموظفين وسكان محليين، كما عاين المواقع المستهدفة والأضرار التي أحدثتها الهجمات، ووثق الأضرار، والتقط صورًا لبقايا الأسلحة وآثار الضربات، وغيرها من الأدلة.
وخلال زيارات فريق "مواطنة" إلى موقعي الهجومين، عثر على بقايا الأسلحة المستخدمة، وشاركتها المنظمة مع خبراء دوليين متخصصين في تحليل وفحص بقايا الأسلحة. وتوصل الخبراء إلى أن الهجمات على ميناء الحديدة تمت باستخدام قنبلة GBU-39، وهي قنبلة صغيرة القطر تزن 250 رطلًا، وموجهة بدقة، وتصنعها شركة "بوينغ" الأمريكية، وهي نفس الذخيرة المستخدمة في الهجمة السابقة على ميناء الحديدة التي شنتها المقاتلات الإسرائيلية في 20 يوليو /تموز 2024.
في حين رجح الخبراء أن تكون الذخيرة المستخدمة في الهجمات على محطة حزيز بصنعاء نوع من الأسلحة الموجهة بدقة من إنتاج إسرائيلي. وقد أظهرت صور بقايا الأسلحة التي تم فحصها أن الذخيرة المستخدمة تتفق مع الذخائر التي تنتجها إسرائيل، مثل Rampage وSPICE-250 وSPICE-1000 وSPICE-2000 وهي نوع من أنواع الذخائر الموجهة بدقة.
وأفادت "مواطنة" بأن المقاتلات الإسرائيلية واصلت استهداف المنشآت الحيوية والضرورية للسكان المدنيين في اليمن. حيث شنت المقاتلات الإسرائيلية، يوم الخميس الموافق 26 ديسمبر/كانون الأول 2024، قرابة الساعة 04:45 مساءً، بمديرية الصليف بمحافظة الحديدة، 13 غارة جوية استهدفت خلالها محطة توليد رأس كتنيب المركزية. أسفرت الغارات عن جرح 8 مدنيين من عمال المحطة، وتدمير المحطة كليًا وإخراجها عن الخدمة، بما في ذلك تدمير خمسة محولات بسعة 11/132 كيلووات، ومحولين بسعة 33/132 كيلووات، وتدمير جميع القواطع الكهربائية للمحولات داخل محطة التحويل. كما لحقت أضرار جسيمة بمشروع الطاقة الشمسية بسعة 35-37 ميجاوات، وأصيب خمسة خزانات وقود، سعة كل منها 2500 متر مكعب، كل خزان يغطي وحدة واحدة، والوحدة تولد 30 ميجاوات من الطاقة.
وذكرت "مواطنة" أن المقاتلات الإسرائيلية شنت، في اليوم نفسه الخميس الموافق 26 ديسمبر/كانون الأول 2024، قرابة الساعة 05:00 مساءً، سبع غارات جوية على مطار صنعاء الدولي، استهدفت التجهيزات الملاحية، وبرج المراقبة الجوية، وصالة المغادرة، ومواقع أخرى داخل المطار أثناء وصول رحلة جوية من العاصمة الأردنية عمان. وقبيل هبوط الطائرة بدقائق، تسببت الغارات في أضرار كبيرة ببرج المراقبة والتجهيزات الملاحية وملحقات المطار الأخرى، وأسفرت عن مقتل وإصابة ما لا يقل عن 20 شخصًا من المدنيين من موظفي المطار والمستقبلين. وتمكنت "مواطنة" من الحصول على أسماء 7 من الضحايا، من بينهم مدير عام منظمة الصحة العالمية وموظف في شركة الخطوط الجوية اليمنية وخمسة مدنيين آخرين. كما استهدفت المقاتلات الإسرائيلية، في اليوم نفسه، ميناء رأس عيسى بمحافظة الحديدة، ومحطة حزيز لتوليد الطاقة الكهربائية بأمانة العاصمة صنعاء بعدد من الغارات الجوية التي أسفرت عن أضرار جسيمة بالمنشأتين ومقتل 4 مدنيين وإصابة اثنين آخرين.
وأشارت "مواطنة" إلى أن ميناء الحديدة ومينائي الصليف ورأس عيسى تمثل منافذ رئيسية لإدخال البضائع والسلع الأساسية إلى المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين) في اليمن، بما في ذلك السلع الضرورية لبقاء ملايين السكان المدنيين في تلك المناطق. وأوضحت أن الاستهداف المتكرر لهذه المنشآت الحيوية سيؤثر بشكل كبير ومباشر على قدرة هذه الموانئ على استقبال شحنات البضائع والسلع الأساسية وتفريغها، وبالتالي على قدرة ملايين المدنيين على الوصول إلى احتياجاتهم الأساسية، بما في ذلك المواد الغذائية الضرورية والأدوية والوقود.
وأضافت "مواطنة" أن هذا الاستهداف هو الثالث من نوعه الذي تتعرض له محطة رأس كتنيب المركزية بمحافظة الحديدة، حيث تم استهدافها للمرة الأولى من قبل التحالف بقيادة السعودية والإمارات في عام 2018، مما ألحق بها أضرارًا جزئية. وتم استهدافها للمرة الثانية في 20 يوليو/تموز 2024 من قبل المقاتلات الإسرائيلية، مما أدى إلى إخراج أكثر من 50% من المحطة عن العمل، وهذا هو الاستهداف الثالث الذي دمر المحطة بشكل كليّ وأخرجها عن الخدمة تمامًا.
وأوضحت "مواطنة" أن الأمر ذاته ينطبق على محطة حزيز لتوليد الطاقة الكهربائية في أمانة العاصمة صنعاء والتي تعرضت لاستهداف متكرر عقب إصلاحها وإعادتها للعمل. وقد تعرضت العديد من محطات توليد الطاقة الكهربائية من بينها محطة حزيز المركزية وغيرها من المنشآت المدنية الحيوية للاستهداف من قبل الأطراف المتنازعة بشكل متكرر على مدى أعوام، وأدى إلى خروجها إما بشكل كلي أو جزئي عن الخدمة في فترات متفاوتة من عمر النزاع.
وأشارت "مواطنة" إلى أن محطة رأس كتنيب المركزية تزود محافظة الحديدة وعددًا من المحافظات الأخرى بالطاقة الكهربائية. وتقدر تكلفة إعادة تشغيل المحطة بمليارات الدولارات، كونها دمرت تمامًا، وستتطلب وقتًا وجهدًا كبيرين، مما سيؤثر سلبًا على توفر الطاقة الكهربائية. وقد يضطر الأفراد إلى الاعتماد على بدائل مكلفة مثل ألواح الطاقة الشمسية أو الكهرباء التجارية، وهي خيارات صعبة المنال لغالبية السكان المدنيين في الحديدة والمحافظات الأخرى بسبب محدودية الدخل خصوصًا وأنها ذات تكلفة عالية.
وذكرت أن الوضع قد يزداد سوءًا في فصل الصيف بسبب الحاجة المتزايدة للكهرباء لدى السكان في المناطق الساحلية، ومنها محافظة الحديدة، لاستخدامها في أغراض التبريد وتلطيف الأجواء في ظل ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات عالية. في حين أن محطة حزيز، هي الأخرى، تزود عددًا من مديريات محافظة صنعاء بالطاقة الكهربائية، ولا تزال تتعرض للاستهداف بشكل متواصل من قبل القوات الإسرائيلية، مما يحد من وصول السكان إلى احتياجاتهم من الطاقة الكهربائية بشكل كافٍ.
وقالت رضية المتوكل، رئيسة منظمة مواطنة لحقوق الإنسان: "إن الاستهداف المتكرر للمنشآت الحيوية للسكان في اليمن يمثل جريمة حرب، ويفاقم الأزمة الإنسانية، ويضاعف معاناة السكان المدنيين، فهم المتضرر الأول من استهداف هذه المنشآت الحيوية".
وأكدت: "أن على القوات الإسرائيلية الالتزام بمبادئ وقواعد القانون الدولي الإنساني، والكف عن استهداف المدنيين والمنشآت المدنية الضرورية، ووضع حد للمعاناة والأضرار التي لا تزال تتسبب بها يوميًا، متجاهلة مختلف القوانين والأعراف الدولية والإنسانية، في ظل تجاهل تام وصمت مطبق من قبل المجتمع الدولي، وخاصة الدول الداعمة لإسرائيل".
وقد تسببت الهجمات الجوية بحالة من الذعر والهلع بين السكان المدنيين في المناطق القريبة من المواقع المستهدفة، وبين الناجين من العمال والموظفين والمدنيين في محطات توليد الطاقة الكهربائية في صنعاء والحديدة، والموانئ المستهدفة بمحافظة الحديدة، بالإضافة إلى مطار صنعاء الدولي.
وقال شاهد عيان، وهو أحد موظفي محطة حزيز في مديرية سنحان وبني بهلول (36 عامًا) لـ"مواطنة": "بعد القصف، كانت النيران تشتعل أمامي، وكانت صورة زوجتي وأولادي تظهر أمامي بين اللهب".
كما قال شاهد عيان آخر (42 عامًا): "عندما عدت إلى البيت، وجدت زوجتي وأولادي في انتظاري. كنت أحتضن أولادي وهم وزوجتي يبكون، وأنا أبكي معهم من شدة الخوف".
وتحدثت إحدى النساء القاطنات في الحي بالقرب من محطة حزيز لتوليد الطاقة الكهربائية (40 عامًا) قائلة: "بعد أول صاروخ، بدأت النيران تشتعل. ذهب ابني، الذي يبلغ من العمر 9 سنوات، إلى النافذة ليشاهد ما يحدث، وفي تلك اللحظة حدث قصف آخر واشتعلت النيران. خاف وأخذ يجري نحوي وهو يقول: الموت جاء، الموت جاء، خلاص كلنا سنموت".
وعلى جانب آخر، قال أحد العمال الناجين في ميناء الحديدة لـ"مواطنة" واصفًا ما حدث: "عندما سمعت صوت الانفجار الأول، كنت بالقرب من صديقي. أمسكت به بشدة، وبدون تفكير ألقينا بأنفسنا في عرض البحر هربًا من الموت. كانت لحظات وكأنها يوم القيامة. توالت الانفجارات، واشتعل المكان بألسنة اللهب. كلما أخرجت رأسي من الماء رأيت النار تطوق المكان، فأجبر صديقي على البقاء تحت الماء لأن ما دونه الموت".
فيما قالت إحدى الناجيات في مطار صنعاء الدولي (35 عامًا) لـ"مواطنة": "كنا بانتظار قريبتي القادمة على متن رحلة من الأردن. كنا داخل السيارة في موقف المطار، وفجأة شاهدنا البرج يتطاير أمامنا. وبعدها بقليل، سمعنا انفجارًا آخر بالقرب من صالة الانتظار. كان الناس يتطايرون وكأنها القيامة، والكل كان يحاول النجاة بنفسه. كنا نجثو على ركبنا ونحبو لمغادرة المكان".
وقال أحد الضحايا لـ"مواطنة" (50 عامًا): "كنت في موقف السيارات الخاص بالمطار، وفجأة سمعت الضربة الأولى، ثم الثانية، ثم خمس ضربات متتالية. بين كل ضربة وضربة كانت هناك 5 إلى 10 دقائق أو أقل. تطاير برج المراقبة أمام أعيننا. قمت بإخراج أسرتي من الموقف إلى مكان آخر بعيد، لأن إحدى السيارات انفجر خزان البترول الخاص بها، وخشيت أن تنتشر الحرائق. كان الهلع والخوف والصراخ يعم المكان. أثناء نقلي لأسرتي، لاحظت أنني أصبت، وكان الدم يسيل من يدي. أجريت ثلاث عمليات لاستخراج الشظايا". وأضاف: "لا يمكنني نسيان ما حدث".
في حين قال أحد الناجين الذين قابلتهم "مواطنة" (62 عامًا) في محطة رأس كتنيب المركزية بمحافظة الحديدة: "رأيت الموت وفكرت بأسرتي. كنت أتخبط من مكان إلى آخر أحاول الهرب. لم يكن هناك مكان آمن".
وأضاف: "أرى المحطة كأمي، ولا أفكر في مغادرتها على الرغم من القصف المتكرر والمخاطرة. لا يوجد مكان أذهب إليه. 40 عامًا من العمل في المحطة، واليوم أراها مدمرة تمامًا وخاوية على عروشها".
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد هدد باستهداف البنية التحتية الاستراتيجية في اليمن، بما في ذلك ميناء الحديدة. وصرح صباح 19 ديسمبر/كانون الأول 2024 بأن قوات الدفاع الإسرائيلية قصفت أهدافًا استراتيجية للحوثيين في ميناء الحديدة وعمق اليمن.
كما أن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس صرح خلال زيارته لمركز سلاح الجو الإسرائيلي في 19 ديسمبر/كانون الأول 2024 بأن إسرائيل ستضرب الحوثيين بقوة في اليمن وتستهدف بنيته التحتية الاستراتيجية. وأضاف: "كما فعلنا في غزة ولبنان، سنفعل ذلك في صنعاء والحديدة في اليمن".
من جانب آخر، حذر موظفون أمميون من استمرار استهداف المنشآت الحيوية في اليمن من قبل إسرائيل، ولا سيما ميناء الحديدة الذي يُعد شريان حياة لملايين المدنيين.
يذكر أن هذه هي المرة الرابعة التي تستهدف فيها المقاتلات الإسرائيلية منشآت حيوية في اليمن، بما في ذلك موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، خلال بضعة أشهر. استُهدف ميناء الحديدة للمرة الأولى بتاريخ 20 يوليو/تموز 2024، حيث شنت المقاتلات الإسرائيلية نحو ست هجمات ثنائية على منشآت النفط وخزانات الوقود، ورصيف وكاترينات ميناء الحديدة. كما استُهدفت المحطة المركزية لتوليد الكهرباء الواقعة في منطقة الكثيب بمديرية الصليف بمحافظة الحديدة، مما أدى إلى إخراج كافة محطات تزويد مدينة الحديدة بالكهرباء عن الخدمة، وإلحاق أضرار بالغة بها.
أما الاستهداف الثاني، فقد وقع بتاريخ 29 سبتمبر/أيلول 2024، عندما استهدفت المقاتلات الإسرائيلية محطة الحالي في مديرية الحالي، والمحطة الخاصة بميناء الحديدة في مديرية الميناء، ومحطة رأس كتنيب في مديرية الصليف، وخزانات الوقود بميناء رأس عيسى بمحافظة الحديدة، وقد ألحقت الهجمات المتكررة دمارًا وأضرارًا واسعة النطاق بالبنية التحتية والمعدات والمحتويات الخاصة بالموانئ الثلاثة ومحطات توليد الطاقة.
ودعت مواطنة لحقوق الإنسان المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة والدول الفاعلة، وفي مقدمتها الدول الداعمة لإسرائيل والهيئات الحقوقية المختلفة، إلى وضع حد للسلوك الوحشي الإسرائيلي والعمل على إنهاء الفظائع والانتهاكات التي ترتكبها بحق المدنيين في العديد من المناطق، ومنها اليمن.
وجددت "مواطنة" دعوتها لتعزيز المساءلة والعدالة الدولية، ووضع حد لسياسة الإفلات من العقاب السائدة، بما يضمن محاسبة المنتهكين، والانتصاف للضحايا، وتعزيز السلام العالمي وصون حياة الإنسان وحقوقه وحرياته.