يحاول مجموعات من المحتجزين، فيما يعرف بـ"العنبر السياسي" في مبنى السجن المركزي بالمكلا، الإضراب عن الطعام لفترات متقطعة، منذ منتصف فبراير/ شباط 2021 حتى الآن؛ احتجاجًا على عدم تنفيذ أحكام البراءة وقرارات الإفراج الصادرة بحقهم.
صنعاء – قالت مواطنة لحقوق الإنسان أن على السلطة المحلية في محافظة حضرموت الإفراجَ الفوري وغير المشروط عن المحتجزين تعسفيًّا في سجن المنورة المركزي في مدينة المكلا، حيث يقبع ما لا يقل عن 27 محتجزًا من الذين صدرت لصالحهم أحكامٌ بالإفراج؛ منهم 13 محتجزاً صدرت لصالحهم أحكامٌ بالبراءة، وبطلان إقامة الدعوى بحق 3 من هؤلاء المحتجزين، و11 آخرين ممن انتهت مدة محكوميتهم. ولا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي حتى تاريخ إصدار البيان.
وبحسب إفادات شهود وأهالي محتجزين، فإن قيادات إماراتية تمارس ضغوطًا على السلطات المحلية وتمنع الإفراج عن المحتجزين. تقول والدة أحد المحتجزين: “حين ذهبنا للسؤال عن ولدي، أخبرنا أحد المسؤولين بأن السلطة المحلية لا تستطيع تنفيذ أحكام الإفراج، فالمحتجزون مطلوبون للتحالف ]بقيادة السعودية والإمارات[، وخصوصاً دولة الإمارات”.
وقد تحققت “مواطنة” من ظروف الاحتجاز المعقدة والخطيرة، التي يخضع لها المحتجزون في المكلا؛ إذ شهد السجن المركزي بالمدينة، منذ منتصف مارس/ آذار 2021، ست محاولات انتحار أقدم عليها ستة من المحتجزين تعسفيًّا احتجاجًا على استمرار السلطة في احتجازهم رغم صدور أحكامٍ بالبراءة من قبل النيابة والمحكمة الجزائية المتخصصة في المحافظة، وتذكر مصادر موثوقة لمواطنة بأن المحتجزين قد حاولوا الانتحار باستخدام شفرات الحلاقة في حمامات السجن، في أربع حوادث متفرقة على الأقل، نُقل بعدها الضحايا لتلقي العلاج في أحد مستشفيات المكلا، في ظل حالة من التكتيم، ومن ثَمّ أعيدوا مرة أخرى إلى السجن، وتفيد الشهادات أن حالة هؤلاء المحتجزين الآن مستقرة.
يقول شقيق محتجز: “يشعر أخي باليأس الشديد؛ ما دفعه لمحاولة الانتحار، مع اقتراب شهر رمضان سيكون قد أكمل عامًا كاملًا منذ أن حُكم له بالإفراج، ولكنه ما يزال محتجزاً”.
يحاول مجموعات من المحتجزين، فيما يعرف بـ”العنبر السياسي” في مبنى السجن المركزي بالمكلا، الإضراب عن الطعام لفترات متقطعة، منذ منتصف فبراير/ شباط 2021 حتى الآن؛ احتجاجًا على عدم تنفيذ أحكام البراءة وقرارات الإفراج الصادرة بحقهم. وقد أقدمت سلطة السجن على كسر الإضراب وإرغام المحتجزين على تناول الطعام بالقوة. وكانت آخر زيارة للأهالي في 23 مارس/ آذار 2021، اطمأنّوا فيها على الحالة الصحية الجيدة للمحتجزين رغم تدهور أوضاعهم النفسية. بعدها منعت السلطات المحلية الزيارة عن المحتجزين، بحجة الاحترازات لمجابهة تفشي الموجة الثانية من جائحة كوفيد-19، في حين يظل التواصل الهاتفي متاحًا مرة كل ثلاثة أسابيع لمدة عشر دقائق.
كما قد خضع ما لا يقل عن 27 محتجزًا في سجن المنورة بالمكلا، لإجراءات تعسفية شديدة التعقيد؛ إذ ظل هؤلاء رهن الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري لمدة زمنية طويلة تصل بعضها إلى خمس سنوات، قبل أن يتم إحالتهم إلى المحكمة الجزائية المتخصصة ونيابتها، التي أصدرت بدورها أحكامًا بالبراءة وأوامرَ بالإفراج وكذا بطلان إقامة الدعوى أساسًا بحق مجموعة من هؤلاء المحتجزين. غير أن السلطات المحلية في المكلا اشترطت مقابل إطلاق سراح المحتجزين ضمانات شخصية وتجارية، بما في ذلك إلزامهم عدم مغادرة مدينة المكلا. وبالرغم من توفير الضمانات اللازمة، لا تزال السلطات المحلية ترفض إطلاق سراح المحتجزين، بموجب ما وصفه مسؤولون “أوامر قيادات إماراتية عليا”.
ووَفقًا لشهادات ضحايا وشهود عيان، فإن قوات إماراتية تدير أماكن احتجاز غير قانونية في جنوب اليمن، ووثّقت مواطنة تحويل قواتٍ إماراتية منشآت حيوية في اليمن إلى مراكز احتجاز وتعذيب، وتحديدًا منشأتَي: مطار الريان الدولي في المكلا بمحافظة حضرموت([1])، ومنشأة بلحاف للغاز المسال في محافظة شبوة، وتحققت “مواطنة” من احتجاز عشرات المدنيين في مراكز الاحتجاز تلك، وكذا تعرض الكثير منهم للتعذيب منذ أبريل 2016 وحتى الآن. وحتى بعد إعلانها عن تسليم عمل تلك المنشآت إلى السلطات المحلية، ما زالت القوات الإماراتية تمارس انتهاكات جمة، ناهيك عن ضغوط على القيادات تمنع من خلالها سير الإجراءات القانونية للإفراج عن المحتجزين.
كما تحققت “مواطنة” من تعرض 10 من المحتجزين إلى 27، لضروب من التعذيب والمعاملة القاسية والمهينة واللا إنسانية، خلال مراحل مختلفة من الاحتجاز التعسفي، امتدت من العام 2016 إلى 2019، في سجن مطار الريان وسجن الربوة في محافظة حضرموت، وكذا منشأة بلحاف في محافظة شبوة قبل نقلهم إلى السجن المركزي بالمكلا. وتراوحت أساليب التعذيب، وغير ذلك من ضروب المعاملة المسيئة، ما بين الحرمان من الطعام والشراب والنوم، والضرب المبرح بالقضبان الحديدية والهراوات والعصي والحبال، والصعق بالكهرباء، والدحرجة على الأشواك، والإرغام على احتضان قوالب ثلجية كبيرة بأجسادهم حتى تذوب، ناهيك عن إجبارهم على التعري قسرًا.
تقول والدة أحد الضحايا (50 سنة): “ضاع مستقبل ابني وضاعت سنوات دراسته دون ذنب”.
لا ريب في أن ممارسة التعذيب كوسيلة لانتزاع الاعترافات، في إطار عمليات التوقيف والتحقيق والاحتجاز، في الدستور اليمني والقوانين الدولية، هي ممارسة محظورة، ويجب لمسار مثل هذا أن يخضع للمساءلة القانونية والضغط الدولي المباشر لمحاسبة مرتكبيه.
وقالت رضية المتوكل، رئيسة منظمة مواطنة لحقوق الإنسان: “إن عدم تنفيذ السلطات في حضرموت لأحكام الإفراج عن المحتجزين يعد إمعانًا في التعسف غير المبرر بحق المدنيين؛ لقد وصل الظلم الذي يتعرض له المحتجزين إلى حد محاولة الانتحار لإنهاء الويلات التي يتعرضون لها. يجب إطلاق سراحهم فورًا“.
وكانت مواطنة لحقوق الإنسان قد أصدرت تقريرًا “في العتمة” في يونيو/ حزيران 2020، والذي يلقي بالضوء في أحد فصوله على قيام قوات التحالف بقيادة السعودية والإمارات، وكذا النخبة الحضرمية التابعة للمجلس الانتقالي المدعوم إماراتيًّا، بارتكاب فظائع متصلة بالاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب والمعاملة المسيئة في محافظة حضرموت([2]).
وتشدد مواطنة لحقوق الإنسان على أن ما من أولوية تساوي أولوية الإفراج عن المحتجزين الذين صدرت لهم أحكامٌ بالبراءة، والذين انتهت مدة محكوميتهم ولا يزالون رهن الاحتجاز تعسفياً حتى الآن. وتؤكد على الحاجة إلى مساءلة المنتهكين وضمان إنصاف الضحايا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] انظر أيضًا: مدونة الانتظار على أبواب الريان الموصدة على الرابط:
https://mwatana.org/death-on-the-road-to-seiyun/
[2] مواطنة لحقوق الإنسان، تقرير في العتمة، الباب الخامس، الفصل التاسع: معتقل مطار الريان حضرموت – قوات التحالف بقيادة السعودية والإمارات وقوات النخبة الحضرمية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، على الرابط:
https://mwatana.org/wp-content/uploads/2020/06/%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AA%D9%85%D8%A9.pdf