حين أمسى المطرُ نذيرَ خوف
منذ اندلاع الحرب في اليمن عام 2015 حتى الآن، كانت مناطق كثيرة من محافظة الجوف (شمالي اليمن)، مسرحًا للمواجهات العسكرية بين قوات الحكومة المعترف بها دوليًا، ومقاتلي جماعة أنصار الله (الحوثيين)، خلال ذلك، تم زراعة عدد كبير من الألغام والعبوات والأجسام المتفجرة من قبل جماعة أنصار الله (الحوثيين)، في مديريات: المتون، والمصلوب، والغيل، والحزم، وخب والشعف.
مع الوقت، لم يعد خطر تلك الألغام ومخلفات الحرب مقتصرًا على مناطق الاشتباك فقط، بل أمست تنتقل بشكل متكرر بفعل جرفها مع مياه السيول إلى مناطق أخرى من المحافظة، وفي الغالب ينتهي بها المطاف إلى القرى السكنية والمراعي ومزارع المواطنين وضفاف الأودية وممرات السيول. علمًا أن محافظة الجوف تعد مصبًا لمياه السيول القادمة من المرتفعات الجبلية في محافظات: عمران، وصنعاء، وصعدة.
تلك الألغام المهاجرة أصبحت مصدر تهديد حقيقي يتربص بالمدنيين الأبرياء من رعاة ومزارعين وعابري السبيل، الذين تلوثت أرضهم بتلك الألغام، وعطلت نشاطهم وأسباب دخلهم، خصوصًا أن غالبية سكان تلك المناطق يعتمدون في دخلهم على الزراعة والرعي.
في مديرية خب والشعف، كان هناك راعٍ يُدعى مبارك بن ناصر (45 سنة)، من أبناء منطقة الريان، مديرية خب والشعف، ورث مهنة الرعي عن أجداده، ويعرف كل شبرٍ في الوديان والجبال التي يرعى فيها مواشيه.
في إحدى المرات، بينما كان مبارك يقود قطيع أغنامه صوب المرعى الذي أخصبت أرضه من مياه المطر، لم يكن يدرك أن ثمة خطر -ليس من صنع الطبيعة- يتربص؛ في لحظةٍ لم يكن يتوقعها، انفجر لغم أرضي في إحدى أغنامه مُحدثًا دويًا وغبارًا! لحسن الحظ لم يصب مبارك بأذى جسدي، لكنه ألمه كان في صدره، فالأغنام بالنسبة له ليست مجرد مصدر دخل فقط، بل يعتبرها جزءًا من عائلته.
انفجار اللغم في هذا المكان/ المرعى غير المتوقع، بعث الخوف والقلق لدى الرعاة والمزارعين ورواد الطرقات في المنطقة، خشية أن يكونوا هم أو مواشيهم ضحيةً لتلك الألغام التي يجرفها السيل بشكلٍ عشوائي إلى أماكن غير متوقعة ويصعب تحديدها.
كما أصبحت الألغام والأجسام المتفجرة المنتشرة في تلك المناطق، عائقاً كبيرًا أمام عودة بعض المزارعين إلى مزارعهم ومناطقهم، وتهديدًا يقيّد حركتهم وتنقلاتهم، ولاسيما مع انتقال الألغام التي يتغير مكانها جراء جرف السيول من منطقة إلى أخرى، الأمر الذي يجعل المدنيين من سكان تلك المناطق يعيشون في خوف وقلقٍ دائمين.
أحد المزارعين في مديرية المتون، ويدعى محمد عبد الله نصر، قال: "نحن أمام مشكلة كبيرة، فالألغام ومخلفات الحروب، تشكل خطرًا كبيرًا على حياتنا ومزارعنا، ناهيك عمَّا جرفته السيول من ألغام وأجسام متفجرة بمختلف الأشكال والأحجام إلى المزارع، بل إن بعضها قد يصل إلى المناطق السكنية والطرقات العامة جراء تدفق السيول".
يوضِح "نصر" أن الألغام في مناطقهم تسببت في تضرر عدد كبير من المزارع منذ عام 2016، نتيجة المواجهات العسكرية في المناطق الزراعية، وكانت سببًا في عدم قدرة المزارعين على الوصول إلى مزارعهم، الأمر الذي أصاب الكثير من المزارع بالجفاف والتدهور وتلف المحاصيل.
وكان مزارعو محافظة الجوف قد طالبوا جماعة أنصار الله (الحوثيين)، بنزع الألغام التي زرعتها الجماعة في حقولهم الزراعية عقب سيطرة مقاتليها على المحافظة، إلا أنَّ الفِرق الهندسية التابعة لجماعة أنصار الله (الحوثيين) ممثلة بالمركز الوطني لنزع الألغام، قامت بنزع وتنظيف جزء بسيط من الألغام ومخلفات الحرب في بعض المناطق الملوثة، بينما لا تزال الكثير من المناطق ملوثة بالألغام ومخلفات الحرب.
يقول ناجي السنتيل، وهو مزارع من سكان المنطقة: "تنتشر الألغام التي يجرفها السيل في مناطق كثيرة من مديرية المصلوب، وهي قادمة من مناطق ملوثة بالألغام مثل: الهيجة، وملاحا - البيضاء؛ حيث تتدفق السيول من غرب محافظة الجوف عبر وادي مذاب الذي يصل إلى شرق مديرية الحزم، ويمر عبر مناطق المواجهات في مديريات: المتون والمصلوب والغيل، وينتهي المطاف بتلك الألغام في مناطق آهلة، وطرق عامة ومزارع شمال مديرية المصلوب التي تعد من أكثر مديريات محافظة الجوف تلوثًا بالألغام".
تطالب مواطنة لحقوق الإنسان كافة أطراف النزاع بالتوقف الفوري عن زراعة الألغام بمختلف أشكالها، والبدء في خطوات جادة لتطهير الأماكن الملوثة بالألغام بما فيها المناطق التي شهدت هجرة للألغام بفعل السيول للحيلولة دون سقوط المزيد من الضحايا المدنيين، وتطالب المجتمع الدولي بتشكيل آلية تحقيق دولية ذات طابع جنائي تضمن محاسبة المُنتهِكين ومساءلتهم، والانتصاف للضحايا.