تقرير يوثق الانتهاكات المروعة التي تطال المهاجرين الأفارقة خلال عبورهم الأراضي اليمنية
اليمن - صنعاء
الإثنين، 18 ديسمبر/ كانون الأول، 2023
قالت مواطنة لحقوق الإنسان، في بيان إطلاق تقرير "ترانزيت الجحيم"، الذي أصدرته اليوم، بالتزامن مع اليوم الدولي للمهاجرين، والذي يوثق جانبًا من الانتهاكات المروعة التي تطال المهاجرين الأفارقة، خلال عبورهم الأراضي اليمنية، إنّ على كافة أطراف النزاع في اليمن، التوقف عن استهداف حياة المهاجرين الأفارقة وانتهاك حقوقهم، ووضع حدٍّ لاعتداءات عصابات التهريب والاتجار بالبشر في مناطق سيطرة كافة الأطراف.
وقالت مواطنة، إنّ تقريرها الجديد، يوثق انتهاكات كافة أطراف النزاع في اليمن، التي طالت المهاجرين الأفارقة، خلال عبورهم الأراضي اليمنية، مثل: القتل والتشوية، والاحتجاز التعسفي، والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة اللاإنسانية والمهينة، والاختفاء القسري، والتجنيد، والاعتداء والاستغلال الجنسيين، والترحيل القسري والابتزاز، تورطت بارتكابها مختلف الأطراف، بما في ذلك وحدات حرس الحدود السعودي، وقوات التحالف بقيادة السعودية والإمارات، وجماعة أنصار الله (الحوثيين)، وتشكيلات المجلس الانتقالي الجنوبي، وقوات وتشكيلات الحكومة المعترف بها دوليًّا، وعصابات التهريب والاتجار بالبشر.
وتستعرض مواطنة في تقريرها "ترانزيت الجحيم"، 112 واقعة انتهاك، وثقتها المنظمة، منها 88 واقعة انتهاك ارتكبتها أطراف النزاع، و24 واقعة انتهاك ارتكبتها عصابات التهريب والاتجار بالبشر في مناطق سيطرة هذه الأطراف، واستمعت مواطنة، لشهادات 155 شخصًا، بينهم ضحايا مهاجرون وأقارب وأصدقاء ضحايا، ومسعفين، وعاملين صحيين، وشهود عيان، وتتبّعت المنظمة، تلك الانتهاكات، على امتداد خط عبور المهاجرين، البرية والبحرية، ابتداءً من المنافذ البحرية اليمنية، وطرق العبور داخل الأراضي اليمنية، ووصولًا إلى الحدود اليمنية السعودية.
قالت رضية المتوكل، رئيسة مواطنة لحقوق الإنسان: "ما يطال المهاجرين الأفارقة من انتهاكات مروعة، يندى لها الجبين، ويجب أن تتحرك كافة الأطراف لوقف تلك الانتهاكات، وعلى كافة الأطراف دون استثناء تحمل مسؤولية توفير الحماية لجميع المهاجرين الأفارقة الذين يعبرون الأراضي اليمنية، بدلًا عن انتهاك حقوقهم وكرامتهم، كما يجب عليها أن تتحمل مسؤولية الاعتداءات التي ارتكبتها عصابات التهريب والاتجار بالبشر في مناطق سيطرتها باعتبارها سلطات أمر واقع، منوط بها حماية المدنيين بمن فيهم المهاجرون الأفارقة، ووضع حدٍّ لنشاط تلك العصابات ومحاسبتها"، وأضافت المتوكل: "إنّ المأساة التي يعيشها المهاجرون الأفارقة خلال عبورهم للأراضي اليمنية، تعكس وحشية النزاع في اليمن وأبشع صور الانحطاط الإنساني، وتتطلب جهودًا حثيثة وحقيقيّة لوضع حدٍّ لتلك الانتهاكات، ومحاسبة المنتهكين، والانتصاف للضحايا".
وأكّدت مواطنة لحقوق الإنسان، أنّ معاناة المهاجرين الأفارقة خلال رحلة عبورهم للأراضي اليمنية، لا تتوقف عند تلك الانتهاكات المباشرة التي ترتكبها أطراف النزاع وعصابات التهريب والاتجار بالبشر ضدهم، بل بالإضافة إلى تلك الانتهاكات، يواجه المهاجرون أصنافًا عدة من المعاناة بسبب إغلاق وتشعب طرق عبورهم، نتيجةً للنزاع المسلح وتلوث الطرق بالألغام والأجسام المتفجرة، وبفعل انقسام الرقعة الجغرافية لليمن بين أطراف نزاع متعددة، وفي ظل فرض العديد من القيود على وصول المهاجرين للمساعدات الإنسانية الضرورية للبقاء على قيد الحياة والمحدودة بالفعل، واضطرارهم إلى قطع مئات الكيلو مترات سيرًا على الأقدم يواجهون خلالها نقص المؤن والمياه والغذاء، وتتقطع بهم السبل غير قادرين على مواصلة الطريق إلى وجهاتهم أو العودة إلى بلدانهم الأصلية.
قالت سمر عمر (ضحية إثيوبية الجنسية - اسم مستعار - 20 عامًا) لمواطنة: "غادرت بلدي إثيوبيا عن طريق ميناء بوساسو في الصومال، في رحلة بحرية استمرت 20 ساعة على متن أحد قوارب المهربين، وعندما وصلت إلى ساحل رأس العارة بمحافظة لحج (الواقعة تحت سيطرة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي)، تم اختطافي من قبل عصابات التهريب واحتجازي في أحد الأحواش، وهناك تعرضت للتعذيب والاستغلال الجنسي بشتى أنواعه لمدة 5 أشهر، وقاموا بابتزاز أسرتي في إثيوبيا للحصول على المال مقابل إطلاق سراحي، وبعد أن دفعت أسرتي لهم المال، أطلقوا سراحي، لأكتشف بعد ذلك بأيام وعند وصولي لأحد المراكز الصحية بعدن بأني حامل بطفل لا أعرف والده، كل ما أريده الآن أن أعيش وأربّي طفلي بأمان".
وقال ناجٍ إثيوبي الجنسية، لمواطنة: "كنّا في مركز احتجاز خاص بالمهاجرين في مبنى الهجرة والجوازات بصنعاء عندما قدمت قوات مكافحة الشغب التابعة لجماعة أنصار الله (الحوثيين)، وألقت عددًا من المقذوفات من النوافذ العلوية لأحد عنابر مركز الاحتجاز ثم انبعث الدخان وتعالت أصوات الانفجارات ونشب الحريق، حاولنا الهروب، لكن الأبواب كانت مغلقة، كنت أسمع أصوات الانفجارات وأصوات أصدقائي يصرخون ويتأوهون، لكني لم أستطع مساعدة أحد".
وأضاف ناجٍ (صوماليّ الجنسية - 27 عامًا) لمواطنة: "كنت أقوم بغسل ملابسي بالقرب من الخيمة التي أسكن بها في سوق آل ثابت بمديرية قطابر، محافظة صعدة، حينما سمعت أصوات إطلاق النار، وهو صوت اعتدنا عليه فلم أهتم، وبعد ربع ساعة سقط بالقرب مني مقذوف أطلقه حرس الحدود السعودي؛ مما أدّى لإصابتي وإصابة صديقي، وأصيب معنا طفل إثيوبي الجنسية، أصبت بالهلع ولم أشعر بالألم وقتها رغم خطورة إصابتي، كنا ننزف بشدة نحن الثلاثة، ولم يقم أحد بإسعافنا أو الاقتراب منا خشية أن يتم استهدافه، وبعد حوالي ساعة قام أحد اليمنيين بإسعافنا، ودفعنا كل ما نملكه من أموال لتلقي العلاج في المستشفى الجمهوري بصعدة، ولم نعد نملك أي شيء".
في الـ12 من مايو/ أيار 2022، عُثر على مجموعة من جثث المهاجرين اليمنيين والإثيوبيين متكدسة بالقرب من مرفق احتجاز غير رسمي في جنوب السعودية، ووفقًا لإفادات شهود جمعوا الجثث، تحدثوا إلى مواطنة، فإنّ المهاجرين كانوا قد عَبَروا الحدود من شمال اليمن إلى المملكة العربية السعودية في اليوم السابق، وطبقًا لتقرير طبي لفريق تشريح مُستقلّ قامَ بفحصِ جُثثِ سبعةِ يمنيّين عثر عليها مع مجموعة من جثث المهاجرين، فإنّ اثنتين من الجثث كانتا مصابتين بطلقات نارية، وأنّ الجثث الخمس المتبقية عليها آثار تعذيب.
وخلص الطبيب الذي فحص جثث الضحايا اليمنيين السبعة، في تقرير له من 14 صفحة، إلى أنهم تعرضوا لـ"عنف خارجي شديد للغاية باستخدام أداة أو أجهزة صلبة"، وأنّ "هناك علامات على إصابة حيوية ومتكررة بالتيار الكهربائي، وكلها علامات تظهر عادة في حالات الوفاة الناتجة عن التعرض للتعذيب".ووجد الطبيبُ أيضًا أنّ جثّتَينِ تبيّنَ أنه تمّ إطلاق النار على صاحبيهما؛ أحدهما في الرأس، والآخر في الجانب الأيمن من الجسم، وأنّ اثنتَين على الأقل تعرضتا لصدمة كهربائية، وإحداهما على الأقل تعرضت لشق "حول العضو الذكري نتيجة ربطه بضمادة ضاغطة".
وأشارت مواطنة في بيانها أنه على الرغم من التزايد المستمر في أعداد المهاجرين الوافدين إلى اليمن بقصد الإقامة أو الوصول إلى دول الخليج، وفي مقدمتها السعودية، وحجم المعاناة الإنسانية التي يتعرضون لها، فإنّ الجهود الدولية لوضع حدٍّ لهذه المعاناة باهتة للغاية ولا ترقى إلى مستوى المأساة التي يعيشها المهاجرون؛ ما يجعل من مأساتهم على جسامتها مأساةً منسية.
ودعت مواطنة لحقوق الإنسان، في اليوم الدولي للمهاجرين، كافة أطراف النزاع إلى التوقف الفوري عن استهداف المهاجرين الأفارقة في اليمن، وصون كرامتهم، وتمكينهم من حقوقهم الأصيلة في السلامة والأمن والحياة، وضمان الوصول الآمن والمنتظم للوكالات الدولية إلى مراكز الاحتجاز الخاصة بالمهاجرين، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إليهم، والنهوض بمسؤولياتها في وضع حدٍّ لنشاط عصابات التهريب والاتجار بالبشر في مناطق سيطرتها، والالتزام بواجباتها طبقًا للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
كما دعت مواطنة، المجتمع الدولي، بما في ذلك الوكالات الدولية والمنظمات المعنية بالمهاجرين، إلى مضاعفة جهودها للتخفيف من معاناة المهاجرين الأفارقة، خلال عبورهم الأراضي اليمنية، وجدّدت مطالبتها بتشكيل آلية تحقيق مستقلة وشفافة ونزيهة في الانتهاكات المرتكبة ضد المدنيين، بمن فيهم المهاجرون الأفارقة؛ لضمان محاسبة المنتهكين، والانتصاف للضحايا وجبر ضررهم.