تماس بين الحياة والموت

قتيلان وثلاثة جرحى في انفجار لغم

May 17, 2023

كبقية المدن اليمنية، تنعدم المتنفسات العامة أو حتى الخاصة في مدينة حيس، ولذا يلجأ أطفالها وشبابها إلى صناعة متنفساتهم مثل لعب كرة القدم في الملاعب الشعبية من بعد العصر إلى مغرب كل يوم.

وتمثل الملاعب الشعبية لكرة القدم المتنفس الوحيد للأطفال والشباب في هذه المدينة، تلك الساحات  الترابية لا تمتلك من الملاعب إلا الاسم فقط، ولا يربطها بكرة القدم الا دوران الكرة عليها وركض الهواة بعدها، فهي ليست أكثر من أراض زراعية طينية مملوكة لمزارعين تمتد على طول حدود المدينة من كل الاتجاهات؛ وقد يكون اللعب فيها أشبه بالذهاب إلى ساحة للموت.

في عصر الثلاثاء 14 فبراير/ شباط 2023، بينما كان يلعب أكثر من عشرين طفلاً لكرة القدم في قطعة أرض استخدموها كملعب شرق مدينة حيس محافظة الحديدة، ابتدأ اللعب وكان الحماس والضحك والحياة تضج في الملعب، ولم يكن يعرف الأطفال أنهم يلعبون على أرضية قاتل مستتر.

في قرابة الساعة الخامسة مساءً خرجت الكرة خارج الملعب، أعاد أحدهم الكرة، صفر الحكم ليرمي اللاعب الكرة -رمية تماس- ليستأنف اللعب، قفز يعقوب لاستقبال الكرة برأسه فنهض الموت من تحت الأرض، كانت تلك القفزة فاصلاً بين الحياة والموت.

يقول أحمد حامد (13 سنة- شاهد عيان): “خرجت الكرة عن الملعب ورمى بها أحد اللاعبين لاستئناف اللعب فجأة انفجر لغم، ارتفع التراب إلى السماء، وكنت أرى يعقوب ومفيد وهم يطيروا، تمزق جسد يعقوب إلى أشلاء ولم يتبقى منه الا كتلة من لحم، جريت إلى مفيد لأراه، لم يتبقى منه إلا نصف جسد، فتح فمه فشهق ومات

دب الرعب والهلع في المكان وثار الخوف وتحول الملعب إلى معرض للأشلاء، تمزق الطفل يعقوب نزهان فيصل (13سنة)، أما الطفل مفيد محمد رزه (10 سنوات) طار وانقسم إلى قسمين وما تبقى من نصف جسده ظل حبيس انفاسه ينازع وانتهى.

يقول رضوان صالح أحمد (14 سنة- جريح):

“ذهب عبد الملك ليحمل صديقه مفيد، فما أن أمسك يده حتى بترت”.

هرب عبد الملك هلعاً، وهرب الأطفال من الملعب، ثم جاء شبان -كانوا يلعبون بالقرب من المعلب- وجمعوا أشلاء الضحايا في كيس وفي ملابس الأطفال وأخذوهم إلى المستشفى.

يقول علي قاسم احمد حساني (19 سنة- شاهد):

أثناء أخذ مفيد على ظهر دراجة نارية إلى المستشفى، كان والده يجري باتجاهنا وعندما رأى ابنه بنصف جسد سقط على الأرض وبكى.

أُعيد ما تبقى من جثة يعقوب إلى منزله ككتلة من لحم، بينما أعيدت جثة مفيد بنصف جسد ملفوفة بكيس بلاستيكي أسود.

تركت هذه الواقعة ألمًا كبيراً بين الناس. قتيلان وثلاثة جرحى وندوب نفسية ستظل تصاحب أكثر من عشرين طفلاً كانوا هناك. هذا هو ما تفعله الحرب؛ أنها تقتل كل شيء وتنهي الحياة في لحظة.

يذكر أن أطفال مديرية حيس جنوب الحديدة حُرموا قرابة الخمس سنوات من لعب كرة القدم، بسبب وقوع الأراضي التي يستخدمونها كملاعب في منطقة خطوط التماس، ولكن هي أقرب لمواقع جماعة أنصار الله “الحوثيين” التي تتهم بزراعة هذه الألغام. وقد استخرجت فرق الألغام مئات الألغام من هذه الأراضي بعد انسحاب الجماعة من المنطقة.