فتح تحقيق جنائي دولي

ما الذي يعنيه تحرك المحكمة الجنائية الدولية "غير المسبوق" في دولة فلسطين وإسرائيل؟

October 31, 2023

أعلن المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية، في إحاطة صحفية، أذاعها مساء الأحد، 29 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، من أمام معبر رفح، في الجانب المصري، من حدود مصر مع دولة فلسطين، عن فتح مكتب المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية، للتحقيق في جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، والجرائم الأخرى، المُرتكبة في دولة فلسطين وإسرائيل، إعمالًا لولايتها القضائية، وهو التحرك الأول لمحكمةٍ ذات ولاية قضائية دولية، منذ بدء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، في العام 1947، كلحظة لميلاد هذا الصراع، الذي من مفارقاته الكثيرة، أن عمره الطويل، بنفس عمر ميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني.

فما الذي يعنيه هذا التحرك الاستثنائي بالنسبة للقضية الفلسطينية؟ وما هي أهميته البالغة؟ وما الذي يمكن أن يحقّقه لصالح حقوق الإنسان والعدالة والمساءلة وجبر الضرر؟

في هذه المدونة التي أعدّها خبراء مواطنة لحقوق الإنسان، والتي أسّست منذ سنوات وحدةً مُتخصصة بالمساءلة والإنصاف، نُقدّم جُملة من الحقائق الأساسية كإجابات موجزة للعديد من الأسئلة، ذات الصلة.

>  ما هي محكمة الجنايات الدولية؟

المحكمة الجنائية الدولية هي هيئة قضائية دولية ومستقلة، للتحقيق في أخطر الجرائم التي تثير قلق المجتمع الدولي، وهي: الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، وجريمة العدوان، وتأسست المحكمة الجنائية الدولية في عام 1998، بموجب نظام روما الأساسي، والذي دخل حيز النفاذ في 1 يوليو 2002، ويقع المقر الدائم للمحكمة في مدينة لاهاي، في هولندا.

وتتمتع المحكمة بولاية قضائية وقانونية للتحقيق والمساءلة على الجرائم الأشد خطورة، المُرتكَبة في النطاقات الجغرافية للدول المُصادِقة على نظام روما، مثل: جرائم الحرب، وجريمة الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم العدوان، طبقًا لنظام روما الأساسي، والقانون الدولي الإنساني، والقانون الإنساني الدولي.

> ما هي الحالات التي تكون فيها الانتهاكات في أي دولة، ضمن ولاية هذه المحكمة؟

يجوز للمدّعي العام أن يفتح تحقيقًا بصورة مستقلة في عدد من الحالات، منها:
- ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة الجماعية وجريمة العدوان، من قبل أو على دولة طرف في نظام روما الأساسي، وقعت وصادقت عليه.
⁃ إحالة ملف من دولة طرف أو من مجلس الأمن،
⁃ من أجل التصدي لتهديد السلم والأمن الدوليين.
⁃  تقدُّم دولة أو إقليم دولة بطلب التحقيق.



>  ماذا فعلت المحكمة الجنائية الدولية منذ تأسيسها؟

مُنذ تأسيسها وحتى الآن، فتحت المحكمة 17 تحقيقًا، ونظرت في 31 قضية، كما أصدر قضاة المحكمة الجنائية الدولية 9 أوامر استدعاء للمثول، وأصدر القضاة 10 أحكام بالإدانة و4 أحكام بالبراءة.

وأصدر قضاة المحكمة الجنائية الدولية 40 مذكرة توقيف، واحتُجز 21 شخصًا في مركز الاحتجاز التابع للمحكمة الجنائية الدولية ومثَلوا أمام المحكمة، بفضل تعاون الدول، وفي حين لا يزال 16 متهمًا طلقاء، فقد تم إسقاط التهم عن 5 أشخاص بسبب وفاتهم.

> ما هو مكتب المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية، ومن هو المدعي العام؟

يُمثّل مكتب المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية، طبقًا لنظام روما الأساسي، جهازَ التحقيق المخول بإجراء التحقيقات الأولية، في الجرائم المزعوم ارتكابها التي تقع في نطاق ولاية المحكمة الجنائية الدولية، ومن واجباته إجراء التحقيقات بشكل مستقل ونزيه وموضوعي، وبفعالية وكفاءة، بما يتفق مع الواجبات القانونية والقيم الأساسية للمحكمة.

وينص نظام روما الأساسي أيضًا على أنّ مكتب المدعي العام يعمل بشكل مستقل. ولذلك، لا يجوز لعضو مكتب المدعي العام أن يسعى أو يتصرف بناءً على تعليمات من أيّ مصدر خارجي، مثل الدول أو المنظمات الدولية أو المنظمات غير الحكومية أو الأفراد.

وفي أداء ولايته، يساعد المدعي العام نائبان للمدعي العام، وينقسم المكتب إلى قسمين؛ قسم للادعاء، وقسم للخدمات المتكاملة، كما تشمل مهمة مكتب المدعي العام -بالإضافة إلى إجراء التحقيقات الأولية- مُباشرة الملاحقات القضائية، لمرتكبي جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجريمة العدوان.

> من هو المدعي العام الحالي للمحكمة الجنائية الدولية؟

منذ 12 فبراير 2021، تم انتخاب السيد كريم أ. أ. خان كيه سي، مدعيًا عامًّا للمحكمة الجنائية الدولية، في الدورة التاسعة عشرة لجمعية الدول الأطراف في نظام روما الأساسي، والتي انعقدت في نيويورك، حيث أدّى السيد خان اليمينَ الدستورية في 16 يونيو 2021، وهو محامٍ ومستشارٌ قانوني يتمتع بخبرة مهنية تزيد على 30 عامًا في كونه محاميًا في مجال القانون الجنائي الدولي وحقوق الإنسان، بريطاني الجنسية، ينحدر من أصول باكستانية، حاصل على درجة البكالوريوس في الحقوق مع مرتبة الشرف من كلية كينجز بجامعة لندن، بالإضافة إلى درجات ومؤهلات أخرى مختلفة، كما يتمتع بخبرة واسعة في كونه مدعيًا عامًّا ومحاميَ دفاع للضحايا أمام المحاكم الجنائية المحلية والدولية، بما في ذلك -على سبيل المثال لا الحصر- المحكمة الجنائية الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا، والمحكمة الدولية ليوغوسلافيا السابقة، ومحاكم كمبوديا، والمحكمة الخاصة للبنان، والمحكمة الخاصة لسيراليون، وعمل كأول مستشار خاص ورئيس فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم التي ارتكبها داعش في العراق بين عامي 2018 و2021، كما قام بتمثيل ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في أفريقيا وآسيا.

>  ماذا قال المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية في إحاطته الصحفية؟ وما دلالات الزيارة والإحاطة؟

من أمام الجانب المصري من معبر رفح الحدودي مع دولة فلسطين، أذاع المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، إحاطة موجزة، قال فيها:

أنا الآن أمام معبر رفح، نستطيع رؤية غزة أو على الأقل الرافعات التي على قطاع غزة، ولا نستطيع الاقتراب أكثر، إنّ هذه لَأيام مأساوية، أتمنى أن أتمكن من الدخول إلى غزة وإسرائيل في هذه المهمة الخاصة.

إنّ معاناة الرجال والنساء والأطفال واضحة ومستمرة، وكما قال الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس الأوتشا ورئيس منظمة الغذاء العالمي؛ إن تدهور الوضع الإنساني في تفاقم.

لقد فتحنا تحقيقًا حاليًّا بشأن الجرائم (المزعوم) حصولها في إسرائيل في 7 أكتوبر، وأيضًا في غزة والضفة الغربية، إنّ الناس يتم استهدافهم بناءً على أعراقهم، معتقداتهم، حضارتهم، أو جنسيتهم.

نحن نُحقّق باستقلالية، في الوضع في فلسطين والأحداث في إسرائيل، وفي الادعاءات أنّ الفلسطينيين ارتكبوا جرائم، نريد تعاونًا ومساعدة، وأيضًا سنحتاج إلى أن نمتلك العزم والقدرة والمهنية من أجل التحقيق وأن نُدقّق في الأدلة، ونفصل فيه بين الادعاءات وبين الحقائق.

إنّ الأهم في هذه اللحظة، التأكيد بوجود إنهاء كافة القيود المفروضة على وصول المساعدات الإنسانية التي يجب أن تذهب للأطفال والرجال والنساء، إنهم أبرياء ولهم حقوق طبقًا للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان؛ لذلك فإنّ هذه اللحظة هي التي يجب أن نتشارك فيها إنسانيتنا، بغض النظر عن معتقداتنا، وإيجاد أرضية مشتركة، كما يتوجب علينا التفكير في الأطفال والمدنيين الذين هم جزءٌ منّا ونحن جزءٌ منهم.

ولا بدّ من التأكيد بأن القانون الدولي الإنساني يكفل حقَّ الحماية لكل أولئك الذين يعانون الآن، هذا حق مكفول للجميع فهم يتساوون في حق الحماية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. ومهمة مكتبي العمل على تعزيز تلك الحقوق وتلك الحماية، طبقًا لولايتنا القضائية.

>  ما هي دلالات زيارة المدعي العام ومكانها وتوقيتها؟

ابتداء من الزيارة ذاتها ومكان وتوقيت تقديم الإحاطة التي قدمها المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية، هناك جُملة من الدلالات والأبعاد الهامّة، منها: إعلان تدشين تحرك المدعي العام، وتأكيد ولاية المحكمة على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المُرتكَبة في نطاق دولة فلسطين، كما تُمثل إعلان فتح تحقيق جنائي دولي، وتُمثل أيضًا توثيقًا أوليًّا لجريمة العقاب الجماعي وجريمة الحصار وجريمة منع وصول المساعدات الإنسانية إلى سكان دولة فلسطين، كما تُفصح الزيارة -بما في ذلك موقع ومكان تقديم الإحاطة الصحفية ثم مكان عقد المؤتمر الصحفي للمدعي العام، ومضامينه- عن وجود دعم عربي ومصري لتحرك المحكمة.

>  ما هي النتائج المتوقعة لإعمال المحكمة لولايتها القضائية على دولة فلسطين وإسرائيل؟

يمثّل فتح عملية تحقيق طبقًا لولاية المدعي العام بمحكمة الجنايات الدولية، مقدمةً لمساقٍ من أبرز محطاته المنظورة إصدار مُذكرات توقيف وملاحقة، بحق المسؤولين عن ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والجرائم الأخرى المُرتكبة في دولة فلسطين وإسرائيل، وستكون أوامر التوقيف تلك نافذة في نطاق 123 دولة مُصادِقة على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وهي محطة في الطريق إلى مساءلة المسؤولين عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والجرائم الأخرى المُرتكَبة في دولة فلسطين وإسرائيل، في إطار ردع وحماية المدنيين، وإنهاء سياسة الإفلات من العقاب.

> ما هي الجرائم التي تقع تحت ولاية المحكمة؟

تمنح المعاهدةُ التأسيسية للمحكمة، المسماة نظام روما الأساسي، المحكمةَ الجنائية الدولية الولايةَ القضائية على أربع جرائم رئيسية.

⁃  جرائم الحرب

وجرائم الحرب تعني ما يلي: الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف المؤرخة في 12 آب/ أغسطس 1949، أي: أيُّ فعلٍ من الأفعال التالية ضد الأشخاص أو الممتلكات المحمية بموجب أحكام اتفاقية جنيف ذات الصلة، التي تشكّل: انتهاكات جسيمة لاتفاقيات جنيف في سياق النزاع المسلح، وتعمد توجيه هجمات ضدّ السكان المدنيين بصفتهم هذه أو ضدّ الأفراد المدنيين الذين لا يشاركون مباشرة في الأعمال القتالية، وتعمد توجيه هجمات ضد أهداف مدنية، أي أهداف ليست أهدافًا عسكرية، ومن ذلك تعمد شنّ هجمات على الأفراد أو المنشآت أو المواد أو الوحدات أو المركبات المشارِكة في أي بعثة من بعثات المساعدة الإنسانية أو حفظ السلام وفقًا لميثاق الأمم المتحدة، ما دام يحق لهم التمتع بالحماية الممنوحة للمدنيين أو الأهداف المدنية بموجب القانون الدولي للنزاع المسلح.


وتشمل كذلك -على سبيل المثال- استخدام الجنود الأطفال؛ وقتل أو تعذيب أشخاص مثل المدنيين أو أسرى الحرب؛ وتعمد توجيه هجمات ضدّ المستشفيات أو المعالم التاريخية أو المباني المخصصة للأغراض الدينية أو التعليمية أو الفنية أو العلمية أو الخيرية.

كما تشمل القتل العمد، والتعذيب أو المعاملة اللاإنسانية، بما في ذلك التجارب البيولوجية،
والتسبب عمدًا في معاناة شديدة أو إصابة خطيرة بالجسم أو الصحة، وتدمير الممتلكات والاستيلاء عليها على نطاق واسع، وإجبار أسير الحرب أو غيره من الأشخاص المشمولين بالحماية، على الخدمة في قوات دولة معادية، والحرمان المتعمد لأسرى الحرب أو غيرهم من الأشخاص المشمولين بالحماية، من الحق في محاكمة عادلة ومنتظمة، والترحيل أو النقل غير المشروع أو الحبس غير القانوني، وأخذ الرهائن.

⁃  الجرائم ضد الإنسانية

والجرائم ضد الإنسانية، هي انتهاكات خطيرة تُرتَكب كجزء من هجوم واسع النطاق ضدّ أي سكان مدنيين. وتشمل الجرائم المدرجة في نظام روما الأساسي، مثل: القتل، والاغتصاب، والسجن، والإخفاء القسري، والاسترقاق -ولا سيما للنساء والأطفال- والاستعباد الجنسي، والتعذيب، والفصل العنصري، والترحيل.

⁃  جريمة الإبادة الجماعية

تعني الإبادة الجماعية تلك الأفعال التي تُرتَكب بقصد تدمير جماعة قومية أو إثنية أو عِرقية أو دينية، كليًّا أو جزئيًّا، بصفتها تلك، وقتل أعضاء الجماعة، وإلحاق ضرر بدني أو عقلي خطير بأفراد الجماعة، وتعمد إلحاق ظروف حياة جماعية محسوبة لتحقيق تدميرها المادي كليًّا أو جزئيًّا، وفرض تدابير تهدف إلى منع الولادات داخل المجموعة، ونقل أطفال المجموعة قسرًا إلى مجموعة أخرى.

⁃  جريمة العدوان

وجريمة العدوان تعني قيام القوات المسلحة لدولةٍ ما، بغزو إقليمِ دولةٍ أخرى أو الهجوم عليه، أو أيّ احتلال عسكري، ولو كان مؤقتًا، ينجم عن مثل هذا الغزو أو الهجوم، أو أيّ ضمّ لإقليم دولة أخرى أو لجزء منه باستعمال القوة المسلحة ضدَّ إقليم دولة أخرى؛ أو قيام القوات المسلحة لدولةٍ ما بمهاجمة القوات المسلحة البرية أو البحرية أو الجوية أو الأسطولين البحري والجوي لدولة أخرى، أو قيام القوات المسلحة لدولةٍ ما بقصف إقليم دولة أخرى بالقنابل، أو استعمال دولة الحصارَ على موانئ دولةٍ ما أو على سواحلها من جانب القوات المسلحة لدولة، أو قيام دولة ما باستعمال قواتها المسلحة الموجودة داخل إقليم دولة أخرى بموافقة الدولة، أو سماح دولةٍ ما وضعت إقليمها تحت تصرف دولة أخرى بأن تستخدمه هذه الدولة الأخرى لارتكاب عمل عدواني ضد دولة ثالثة؛ وإرسال عصابات أو جماعات مسلحة أو قوات غير نظامية أو مرتزقة من جانب دولةٍ ما أو باسمها تقوم ضد دولة أخرى بأعمال من أعمال القوة المسلحة تكون من الخطورة بحيث تعادل الأعمال المعدّدة أعلاه، أو اشتراك الدولة بدور ملموس في ذلك.

>  ما هي المرجعيات القانونية لعمل هذه المحكمة؟

⁃  نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وقّعت وصادقت عليه 123 دولة، من بينها دولة فلسطين والأردن، وتتصدر إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، مناهضة المحكمة وعملها.
⁃ القانون الدولي الإنساني، وبوجه أخص اتفاقية جنيف الرابعة.
⁃  القانون الدولي لحقوق الإنسان.
⁃  ميثاق الأمم المتحدة.
⁃ وثيقة مصادقة دولة فلسطين على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

>  ما هو سبب تحرك المحكمة الجنائية الدولية الآن؟ ولماذا لم تتحرك سابقًا؟

منذ 1 أبريل/ نيسان 2015، أصبحت دولة فلسطين، تحت ولاية المحكمة الجنائية الدولية، حيث انضمت في 2 يناير/ كانون الثاني 2015، إلى نظام روما الأساسي، وأصبح انضمامها كدولة طرف حيز النفاذ، عقب إيداعها لصك انضمامها لدى الأمين العام للأمم المتحدة، فقد أُعلن في 7 يناير/ كانون الثاني 2015، قبول المحكمة الجنائية الدولية لطلب دولة فلسطين الانضمام للمحكمة لدى المدعية العامة للنظر فيه.

وكانت دولة فلسطين قد بدأت أولى خطواتها للانضمام لنظام روما الأساسي في 22 يناير/ كانون الثاني 2009، عقب انتهاء عملية "الرصاص المصبوب" التي شنّتها إسرائيل على قطاع غزة، قدّم علي الخشان، وزير العدل الفلسطيني آنذاك، إعلانًا بموجب المادة 12 فقرة 3 لنظام روما الأساسي، يسمح باختصاص المحكمة الجنائية بأثر رجعي للتحقيق في الجرائم المرتكبة في الأراضي الفلسطينية منذ 1 يوليو 2002.

وفقًا للمادة 15 من نظام روما الأساسي، شرع مكتب المدعي العام في تنفيذ خطة عمل من أجل تحديد ما إذا كان هناك أساس معقول للمضيّ قُدُمًا مع التحقيق. وبعد ثلاث سنوات وفي أبريل/ نيسان 2012، خلص مكتب المدعي العام إلى رفض الطلب الفلسطيني في ولاية المحكمة الجنائية الدولية على الأراضي الفلسطينية، بحجة أن وضع فلسطين آنذاك في الأمم المتحدة كـ"كيان مراقب" لا كدولة، وهو ما يجعل فلسطين عاجزة عن التوقيع على نظام روما الأساسي؛ وبالتالي لا يمكن لفلسطين تقديم إعلان قبول اختصاص المحكمة، وفقًا للمادة 12 فقرة 3 من نظام روما الأساسي.

وفي 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 67/19 فيما يتعلق بمركز فلسطين في الأمم المتحدة، نالت به السلطة الفلسطينية صفة "دولة مراقب غير عضو". إلا أنّ هذا القرار لا يسري بأثر رجعي يسمح باعتماد إعلان قبول اختصاص المحكمة الجنائية الدولية المقدم من وزير العدل في 2009. وفي 2 سبتمبر 2014، أصدرت المدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا، بيان: "من حق الجميع معرفة الحقيقة حول اختصاص المحكمة الجنائية الدولية على فلسطين"، للرد على إشاعات تجنب المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في الجرائم المرتكبة في غزة، بسبب تعرضها لضغوط سياسية. ونشرت صحيفة الجارديان مقالة رأي للمدعية العامة فاتو بنسودا: "الحقيقة بشأن المحكمة الجنائية الدولية وغزة"، أوضحت من خلالها عدم صلاحية المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في جرائم الحرب المزعومة في فلسطين، ما لم تمنحها فلسطين الولاية القضائية على أراضيها.

وفي تاريخ 1 يناير/ كانون الثاني 2015، أعلنت فلسطين بقبول اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، بدءًا من 13 يونيو/ حزيران 2014، وفقًا للمادة 12 فقرة 3 من نظام روما الأساسي. وفي 2 يناير/ كانون الثاني 2015، انضمّت فلسطين إلى نظام روما الأساسي بإيداع صك انضمامها لدى الأمين العام للأمم المتحدة. وفي 7 يناير/ كانون الثاني، تم قبول الإعلان من المحكمة الجنائية الدولية وإرساله للمدعية العامة للنظر فيه، ودخل حيز النفاذ في 1 أبريل/ نيسان 2015.

وبعد تلقي المدعي العام إعلانًا صحيحًا من الحكومة الفلسطينية، وفقًا للمادة 12 فقرة 3 من نظام روما الأساسي، فقد أعلنت المدعية العامة فاتو بنسودا، في 16 يناير/ كانون الثاني 2015، فتح دراسة أولية للحالة في فلسطين، وفقًا للمادة 25 (1) (ج) من لائحة مكتب المدعي العام. لدراسة مدى توافر أسس معقولة لمباشرة التحقيق في الجرائم المزعوم ارتكابها على الأراضي الفلسطينية. وتزامنًا مع إعلان فتح دراسة أولية للحالة في فلسطين، قدّمت الحكومة الفلسطينية بلاغها الأول إلى المحكمة الجنائية الدولية في 25 يونيو/ حزيران 2015، عن جرائم إسرائيل المرتكَبة في الضفة الغربية المحتلة وأثناء حرب غزة عام 2014. ولم يسفر هذا الفحص عن اتخاذ قرار بفتح تحقيق آنذاك.

وفي 22 مايو/ أيار 2018، قدّمت فلسطين عبر وزير خارجيتها رياض المالكي، إحالةً لمكتب المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية بشأن "الوضع في فلسطين"، عملًا بالمادة 13 فقرة (أ) المتعلقة بممارسة الاختصاص، والمادة 14 المتعلقة بـ"إحالة حالة ما من قبل دولة طرف". وفي 24 مايو/ أيار 2018، قررت رئاسة المحكمة الجنائية الدولية إسناد الحالة في فلسطين إلى الدائرة التمهيدية بأثر فوري.

في 20 ديسمبر/ كانون الأول 2019، صدر بيان صحفي عن المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا، بعد اختتام الدراسة الأولية للحالة في فلسطين، أعلنت من خلاله عن استيفاء كافة المعايير القانونية التي يقتضيها نظام روما لفتح تحقيق في الحالة في فلسطين. إلا أنها أشارت في بيانها الصادر إلى وجود خلاف حول الإقليم الذي يمكن أن يجري فيه التحقيق، وتقدمت بطلب للجنة التمهيدية الأولى بإصدار قرار فيما يتعلق بالاختصاص الإقليمي للمحكمة الجنائية الدولية، وأُعيدَ تقديمه في 22 يناير/ كانون الثاني 2020. وفي 28 يناير/ كانون الثاني، أصدرت الدائرة التمهيدية الأولى في المحكمة الجنائية الدولية أمرًا دعت من خلاله فلسطين، وإسرائيل، والدول المهتمة، إلى تقديم ملاحظاتها.

وفي 5 فبراير/ شباط 2021، اتخذت اللجنة التمهيدية الأولى قرارًا بالأغلبية، مع اعتراض القاضي بيتر كوفاتش، بامتداد الولاية القضائية للمحكمة الجنائية الدولية في فلسطين ليشمل الأراضي التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967، وهي: غزة، الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، ليتحدد بذلك نطاق الولاية الجغرافية للمحكمة الجنائية الدولية.

>ما هو موقف إسرائيل من ولاية المحكمة الجنائية الدولية؟

لقد أثار قرارُ المدعية العامة السابقة للمحكمة الجنائية الدولية بوجود أساس لفتح تحقيق في الجرائم المرتكَبة في فلسطين وما لحقه من إصدار اللجنة التمهيدية الأولى قرار تحديد الولاية الجغرافية لاختصاص المحكمة الجنائية الدولية- غضبَ ومعارضة إسرائيل ووزير خارجيتها آنذاك بنيامين نتنياهو، حيث هاجم قرار المحكمة واتهم المحكمة بأنها هيئة سياسية لا قضائية، وقد سبق أن اتهم نتنياهو المحكمةَ الجنائية الدولية، بمعاداتها للسامية، وقال نتنياهو في بيان صحفي له بأن: "المحكمة التي تم إنشاؤها لمنع الفظائع مثل المحرقة النازية ضد الشعب اليهودي، تستهدف الآن الدولةَ الوحيدة للشعب اليهودي "، ودعا نتنياهو إلى فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية ومدعيها العام، وعملت الحكومة الإسرائيلية على تحدي المحكمة الجنائية الدولية، وشنّ حملة إعلامية ضدّ المحكمة وقضاتها منذ لحظة قبول المحكمة إعلانَ فلسطين بالولاية القضائية للمحكمة في فلسطين، وصرّح نتنياهو بأنه لن يجبر أيَّ جندي إسرائيلي على المثول أمام المحكمة الجنائية الدولية كمتهم في جريمة حرب.

ومنذ تقدم فلسطين بطلب الانضمام إلى المحكمة في 2015، عملت إسرائيل على فرض تضييقات على الحكومة الفلسطينية، فقد قامت بتجميد التحويلات المالية المخصصة للحكومة، بالإضافة إلى وقف تحويلات ضرائب الفلسطينيين.

وعلى الرغم من أنّ إسرائيل ليست عضوًا في نظام روما الأساسي، وبالتالي لا تخضع لولاية المحكمة الجنائية الدولية، فإن جرائمها المرتكبة في الأراضي الفلسطينية، والأراضي الفلسطينية المحتلة، هي في نطاق ولاية المحكمة، وهو ما يمكّن المحكمة من مساءلة المتورطين عن الجرائم المزعوم ارتكابها، بغض النظر عن جنسية مرتكِبيها، والقضاء على المناخ السائد من حالة الإفلات من العقاب.

وتطابقت مواقف الإدارات الأمريكية المتعاقبة مع الموقف الإسرائيلي من المحكمة وقضاتها، وبلغت الحملة الأمريكية ذروتها خلال فترة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي فرض عقوبات على المحكمة وقضاتها.

إنّ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يُعدّ واحدًا من أكثر الصراعات التاريخية والمعقّدة في العالم الحديث، حيث تمتد جذوره إلى ما يقارب قرنًا كاملًا، وهو ملفٌ ثقيل بالعديد من القضايا المتشعبة، بما في ذلك قضايا الحدود السياسية والاستيطان واللاجئين وحقوق الإنسان، وانتهاكات حقوق الإنسان.

> كيف يُمكن المساهمة في نجاح مهمة المحكمة في دولة فلسطين وإسرائيل؟

للإسهام في إنجاح مهمة المحكمة الجنائية الدولية في دولة فلسطين وإسرائيل؛ يمكن للدول العربية تقديم الدعم السياسي والدبلوماسي لعمل المحكمة، بالإضافة إلى التسهيلات اللوجستية، والدعم المالي اللازم لإنجاز كافة عملياتها بفاعلية وكفاءة ودقة.

> كيف يمكننا معرفة معلومات أكثر حول المحكمة الجنائية الدولية؟

تتوفر معلومات وحقائق هائلة عن عمل المحكمة وولايتها وقضاتها، في الموقع الإلكتروني الرسمي للمحكمة، وفي حساباتها وصفحاتها على شبكات التواصل الاجتماعي.