مؤتمر وطني حول حالة حقوق الإنسان

أكثر من مائتي مشاركة ومشارك من كافة مناطق اليمن

September 16, 2024

من صنعاء، عدن، حضرموت، تعز، وشبوة، بالإضافة إلى البث الحي الذي ربط بين الحاضرين والحاضرات في قاعات المؤتمر بالمحافظات، وكذلك المشاركين عبر الإنترنت. في مشهد فريد ونوعي، نظمت مواطنة لحقوق الإنسان مؤتمر "إرث البارود"، الذي تناول حالة حقوق الإنسان في اليمن بعد عشر سنوات من الصراع.

حضر المؤتمر في ست جلسات و35 فقرة على مدى يومي الأربعاء والخميس 11 و12 سبتمبر/أيلول 2024، أكثر من مائتي مشاركة ومشارك من ممثلات وممثلين لمجموعات الضحايا، وذوي الاحتياجات الخاصة، والفئات الضعيفة والمهمشة، ومدافعين عن حقوق الإنسان، وممثلي منظمات حقوقية ومؤسسات المجتمع المدني العاملة في الميدان، وناشطات نسويات، وأكاديميين، ومحاميات وقضاة، وصحفيين وكُتاب، ووسطاء محليين بارزين، وخبراء وباحثين من كافة مناطق اليمن.

في كلمتها الافتتاحية للمؤتمر الذي عقد في صنعاء، دعت رئيسة "مواطنة لحقوق الإنسان" رضية المتوكل إلى إطلاق سراح جميع المحتجزات والمحتجزين، من موظفي المنظمات الإنسانية والبعثات الدبلوماسية العاملة في اليمن من قبل جماعة أنصار الله (الحوثيين).

وقالت: "ضغطنا ولا نزال نبذل جهودًا كبيرة للكشف عن مصيرهم والسماح لعوائلهم بزيارتهم وإطلاق سراحهم. كنا نتمنى أن يُعقد هذا المؤتمر وقد تم إطلاق سراحهم جميعًا".

وأشارت المتوكل في كلمتها إلى معاناة اليمنيات واليمنيين من انتهاكات مختلف الأطراف خلال سنوات الحرب، ومن ضمنها الهجمات على المدارس والمستشفيات وقاعات العزاء والمقابر والأسواق.

وقالت: "ربما لم يوجد شيء لم يُقصف خلال العشر السنوات". وأضافت أن التجويع استخدم في اليمن كسلاح حرب، كما ذكرت أن الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب من ضمن الانتهاكات، مؤكدة أن جميع أطراف الحرب تورطوا في وقائع الانتهاكات، بما في ذلك جماعة أنصار الله (الحوثيين)، والتحالف بقيادة السعودية والإمارات، والحكومة المعترف بها دوليًا والتشكيلات التابعة لها مثل الإصلاح، والمجلس الانتقالي الجنوبي، والقوات المشتركة، وكل التشكيلات التابعة للإمارات، بالإضافة إلى القاعدة، وهجمات الطائرات بدون طيار الأمريكية.

تحدثت المتوكل عن أن أسوأ ما أصاب اليمن خلال سنوات الحرب هو الانهيار شبه الكامل للدولة، وانكماش المساحة المدنية التي كانت موجودة قبل 2014، والتي لم يكن وجودها بفضل من أحد ولكن بسبب نضال اليمنيين على مدار عقود طويلة.

وأكدت أن الشعب اليمني يستحق دولة ديمقراطية عادلة يحكمها الدستور والقانون، ولا شيء أقل من ذلك.

وختمت كلمتها بالقول إن هذا المؤتمر ليس فقط لتبادل الهم والوجع، رغم أهمية ذلك، ولكنه أيضًا للمساهمة في صياغة مستقبل أفضل، مشيرة إلى مسودة إعلان للمستقبل أعدتها "مواطنة" لمناقشتها بشكل أوسع.

من جانبها، دعت السفيرة الهولندية لدى اليمن، جانيت سيبن، في كلمتها خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، إلى الإفراج الفوري عن جميع المحتجزين من موظفي المنظمات الإنسانية والبعثات الدبلوماسية العاملة في اليمن لدى جماعة الحوثيين.

وقالت: "هذه التوقيفات تعيق قدرة العاملين على مساعدة ملايين اليمنيين الذين هم في أمسّ الحاجة إليها".

وأسفت لعدم الاستجابة لبيانات الأمين العام للأمم المتحدة ولبياناتنا المتكررة.

وأكدت بالقول " كلنا أصدرنا بيانات، وسنواصل إصدارها من أجل تسريع عملية الإطلاق غير المشروط والفوري لهؤلاء المحتجزين".

كما أكدت سفيرة مملكة هولندا في كلمتها، أن الانتهاكات التي تُلحق الضرر بالمدنيين لا زالت مستمرة، حتى خلال فترة الهدنة التي تشهدها اليمن منذُ أكثر من عامين؛ في كل مناطق اليمن، وهي انتهاكات ضد القانون الدولي ولا تزال مرتفعة.

وجددت التأكيد على استمرار بلادها في السعي إلى تعزيز السلام العادل الذي يحفظ الحقوق وسيادة القانون.

وأشادت السفيرة جانيت سيبن، بالجهود الشجاعة والمتميزة لمنظمة مواطنة لحقوق الإنسان، وعبرت عن اعجابها بعمل وشجاعة فريقها الذي يواصل العمل رغم الظروف الصعبة، وقالت: "نحن فخورون بأننا

نعمل مع مواطنة منذ العام 2017 وسنبقى متأثرين بعملكم وسنواصل دعم عملكم وجهودكم".

غياب المساءلة وقضاء مجير

من قاعة المؤتمر في مدينة تعز، ألقت والدة المختفي قسريًا عبدالرحمن صبري محمد يحيى حراب، منذ 20 أكتوبر 2017، لدى قوات الحكومة المُعترف بها دولياً، كلمة، شرحت فيها، رحلتها الطويلة والمُضنية، بحثاً عن ولدها اليافع، المُختفي قسرياً لدى التشكيلات العسكرية في تعز.

أما مها الحكيمي من تعز، إحدى ممثلات عائلات ضحايا المختفيين قسريًا، فقد تحدثت بأسى عن ابنها الذي لا يزال مختفيًا منذ نحو ثماني سنوات.

وقالت: "لم نعد نشعر بالأمان، أولادنا يخرجون إلى الشارع ونحن خائفون، يذهبون إلى المدرسة ونحن خائفون".

وأضافت: "ابني طالب جامعي أخذوه من الشارع، أشتي (أريد) أعرف أين هو، حيّ أو ميت، أطالب بالكشف عن مصيره، قالوا لي أنه مات، لكن أين جثته؟ أريد الحصول عليها".

أضافت الحكيمي، بالقول: "بعت كل ما أملك سعيًا للبحث عن ابني، وتعرضت لابتزاز، لأن هناك من كان يساومني على إبني مقابل دفع المال، لكن لم أحصل على أي إجابة عنه وهل هو حيّ أو ميت، أوكلت أمري إلى أرحم الراحمين بعد أن طرقت كل الأبواب بحثًا عن أبني".

وشكت الأم أن بعض قادة الألوية العسكرية والأمنية وبعض كبار المسؤولين الحكوميين هناك لا يقدرون مشاعرها كأم.

إذ يتعاملون معها عندما تقصدهم إلى منازلهم - مدفوعة بأمل العثور على ولدها المفقود "يعاملونني كشحاته وأنا لست شحاته لا أريد منهم شيئاً، أريدهم أن يخبروني عن ولدي المختفي منذ 8 سنوات".

مطالب بالكشف عن الحقائق

ألقت سلوى زهرة، ابنة الجنرال علي قناف زهرة الذي اختفى قسريًا يوم اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي قبل 47 عامًا، كلمة بالنيابة عن رابطة أسر المختفين قسريًا من قاعة المؤتمر بصنعاء.

قالت بعد تنهيدة عميقة مؤثرة:" نحن لم نشعر بالأمان منذ العام 1977 من يوم اختفاء والدي علي قناف زهرة".

بحسب رئيسة رابطة أسر المختفيين قسريًا سلوى زهرة، فإن ملف المختفييّن قسريًا هو الملف الذي يتفق على إخفائه جميع الأطراف، "نسعى إلى إظهار الحقائق وتحقيق شروط العدالة الانتقالية".

تقول زهرة: "الاختفاء القسري أبشع الجرائم التي ابتكرها الإنسان على مر العصور، فالحرب خلفت الكثير من المختفييّن قسريًا ولن يكون لهذا الألم من نهاية إلا بالعدالة الانتقالية".

وقدمت سالي قحطان، مديرة وحدة الدعم القانوني، في مواطنة، من قاعة المؤتمر في مدينة عدن، عرضاً حول خدمة الدعم القانوني الذي تقدمه مواطنة في هذا المضمار، واستعرضت الجهود التي تقدمها مواطنة تجاه ضحايا الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب عبر فريقها من المحامين في مختلف المحافظات.

كما استعرض المدير التنفيذي لمواطنة من قاعة المؤتمر بصنعاء، محمد الصلوي، واقع المجتمع المدني في اليمن ضمن تفاصيل ومؤشرات رصد مدروسة وثقتها منظمة "مواطنة لحقوق الإنسان" بالأرقام والمعلومات التي وثقتها المنظمة، وفريقها الميداني الذي يغطي كل المحافظات اليمنية.

الجلسة الأولى

وعقب جلسة الافتتاح التي أدارتها صفية السياغي، مديرة المشاريع والبرامج، في مواطنة، انطلقت جلسة العمل الأولى، في المؤتمر، قدم فيها عبدالرشيد الفقيه، نائب رئيسة مواطنة لحقوق الإنسان، عرضاً حول الوضع العام، وحالة حقوق الإنسان، في اليمن، وحول ما راكمته دورات الصراع السياسي، من مظالم وانتهاكات، حيث دعا الفقيه، أطراف النزاع القائم في عموم اليمن، إلى الوقوف بمسؤولية أمام ضمائرهم رحمة بهذه القلوب المكلومة من أسر الضحايا، والتوقف عن ارتكاب مثل هذه الجرائم، وإلى الكشف عن مصائر مئات المختفييّن قسرياً، من ضحايا دورات الصراع السياسي طوال العقود الماضية وفي الوقت الراهن.

وأكد الفقيه، أن اليمن شهدت على مدى دورات الصراع السياسي انتهاكات واسعة حيث تعاني كثير من الأسر آلام وأوجاع اختفاء أبنائها قسريًا، في حين لم يلتفت أحد للناس والمواطنين ومعاناتهم وتردي أوضاعهم إذ لا تزال اليمنيات يحملن على ظهورهن الماء في القرن الواحد والعشرين، بينما تتربص الألغام والمتفجرات باليمنيين الذين يبحثون عن سُبل العيش في كل المناطق، في الوقت الذي تناقش وتبحث فيه الأطراف الترتيبات الخاصة بها ولا تظهر لديها أي بوادر اهتمام بأصوات الضحايا.

كما تطرق الفقيه إلى تجربة رواندا وكيف تجاوزت مأساة الصراع والتطهير العرقي، وكيف أصبحت نموذج نستلهم منها الدروس والعبر.

نقاش تفاعلي

وفي مُستهل النقاش التفاعلي المفتوح قدم عدد من أبرز رموز المجتمع المدني في اليمن، مثل الدكتور حمود العودي، والأستاذ عبدالباري طاهر نقيب الصحفيين الأسبق، والفنان الفوتوغرافي عبدالرحمن الغابري، مُداخلات افتتاحية، حيثُ أشار الدكتور حمود العودي، إلى أهمية التركيز على كل الجرائم والانتهاكات بكل أشكالها بمن فيهم الموتورين والجياع، ويجب أن يؤخذ بالاعتبار كل أشكال الانتهاكات المتعلقة بحقوق الإنسان، واصفًا الوضع بأنه كارثي على مدار الساعة، وأن حقوق الإنسان في اليمن وصلت إلى مستوى كارثي من الأسى، كما تحدث عن أهمية مثل هذا المؤتمر المتنوع والجامع لكل الأطياف ومن مختلف المحافظات: "أولد بهذا العمر بكل لحظة فيها صوت للحق ويطالب بحقوق الإنسان ويدافع عنها".

وساد إجماع على ما طرحة الدكتور حمود العودي، رئيس هيئة تنسيق التحالف المدني للسلم والمصالحة، في هذا الخصوص؛ من أن المجتمع المدني شهود حق، لا لمحاكمة صاحبه بل لتطبيق المنهجية التي يجب الاستناد عليها: "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا".

وقال العودي إن "المكلوم لا يمكن أن يعوضه شيء سوى الاعتراف به كإنسان، وأن ينتصر الوطن"، مشيرًا إلى أن الإيمان بالمساواة هو ما جبر الضرر في جنوب افريقيا. لذا؛ فإن الضرورة تقتضي أولًا وقبل التفكير بجبر الضرر رد الاعتبار للإنسانية.

بدوره، قال نقيب الصحفيين اليمنيين السابق عبدالباري طاهر، إن كل أبناء اليمن موجودين في قاعة المؤتمر وهذا يعني أن التفكك زائل، مشيدًا بمنظمة "مواطنة" التي تقود هذا الحراك المدني الواسع للدفاع عن حقوق الإنسان والتي حملت على عاتقها كذلك كثير من القضايا والملفات مثل جرائم الحرب والتعليم والآن الاختفاء القسري، إضافة إلى العدالة الانتقالية الذي اعتبره موضوع في غاية الأهمية.

وفي مداخلة مباشرة من تعز، اعتبرت رئيسة مركز الدراسات الاستراتيجية لدعم المرأة والطفل، الدكتورة انجيلا سلطان، أن هذا المؤتمر يعتبر الحدث الحقوقي الأول الذي يعقد من داخل اليمن وليس من الخارج، لافتًة إلى أن ملف العدالة الانتقالية مهم جدًا يجب العمل عليه ويحتاج إلى جهود متكاتفة بحيث لا يجب تجاهل أصوات الضحايا، خصوصاً وأن جميع الأطراف تتهرب من المساءلة.

فيما تحدثت الممثلة عن مكتب المبعوث الأممي رضوى نور، في مداخلة أكدت فيها أن صنع السلام خطوة أولى تأتي بعدها عملية بناء السلام وكل ما يتعلق به.

رئيسة اللجنة الوطنية للمرأة في شبوة أشارت في مداخلة مهمة إلى ضعف الوعي المجتمعي تجاه القضايا الحقوقية، داعيًة إلى رفع الأصوات عاليًا وتفعيل جميع الوسائل الإعلامية والتوعوية المتاحة لخلق رأي عام مجتمعي تجاه حقوق الإنسان.

وتحدثت القاضية رواء مجاهد، القائم بأعمال رئيس نادي قضاة اليمن، من عدن، معبرًة عن أهمية عقد مثل هذا المؤتمر بعد عشر سنوات من الحرب والصراع في اليمن، مشددًة على ضرورة أن يكون جميع اليمنيين موحدين لبناء وطن يسوده السلام، مؤكدًة على عدم وجود أي مساءلة طوال دورات الصراع التي شهدتها اليمن في ظل الانتهاكات الحاصلة.

تطرقت مجاهد، إلى نقطة مهمة في هذا الخصوص وهي أن القضاء غير قادر على محاسبة المنتهكين لأنه قضاء مجير وغير صالح للقيام بمهام المساءلة وحماية المنتهكين وإنصافهم، فلا عدالة انتقالية مع غياب المساءلة.

من جانبه، عبر القاضي في النيابة العامة في سيئون رشاد خميس، عن فخره واعتزازه بهذا الصوت الوطني الحر بهذا الجمع الذي شمل جميع مناطق اليمن وفئات المجتمع، فهذا الصوت الحر هو من سيرسخ لآليات المساءلة والمحاسبة للمنتهكين الذين ارتكبوا الجرائم بحق هذا الشعب.

يرى خميس، أن الصوت الحر مطلوب الآن أكثر من أي وقتٍ مضى، ويجب أن يعلو ويرتفع، فلن يكون هناك قضاء مستقل، أو شيء مستقل إلا بالضغط والمتابعة والعمل الدؤوب، مشيرًا إلى مؤتمر "إرث البارود" ومواطنة كنموذج في هذا الجانب، حيث قال: "تضيئون شمعة في هذا الظلام الدامس".

فيما أكد فيه أحد المشاركين من محافظة المهرة على ضرورة الوقوف ضد المنتهك بكل السُبل المتاحة والتكاتف لأجل ذلك.

بدورها قالت أماني الجوباني رئيسة منظمة سياق في تعز: "هذه التظاهرة الرائدة بمثابة ضوء في هذه العتمة التي تركتها الحرب والصراع، وهي كما أجمع على ذلك المشاركون؛ بمثابة ضوء ينير طريق المجتمع المدني ويعيد الأمل للمدافعين عن الحقوق والمساواة والعيش المشترك والتصدي للانتهاكات والظلم والقهر".

وأضافت الجوباني، أن الحرب والصراع أعادت اليمن سنوات وعقود إلى الوراء، لذا فإن الأمر يقتضي أن يكون هناك تكاتف و جهود مدنية وحقوقية واسعة للعمل على موضوع المساءلة والعدالة الانتقالية.

آزال الصباري من محافظة إب، اعتبرت أن ما أنتجته الحرب والصراع من فقر وتهميش وتجويع من ضمن الانتهاكات لحقوق الإنسان في اليمن، في حين دعا إبراهيم الضلعي من محافظة عمران، إلى ترسيخ فكرة أن المنتهك يجب أن يحاسب، وعدم إشعاره بأنه يقدم مكرمة بمطالبته والتوسل له للإفصاح عن جرائمه.

بدورها، أكدت بشرى السعدي، رئيسة مؤسسة "معًا نرتقي" لرعاية المرأة والطفل في أبين، أن الدفاع عن حقوق الإنسان ليست جريمة، وفي ظل التحديات الكبيرة التي نواجهها تزداد أهمية الدور الذي يجب أن تقوم به المنظمات الحقوقية في المناصرة لضمان مستقبل أكثر عدالة وإنسانية.

وفي الجلسة تم استعراض فيلم (بين رواندا واليمن)، الذي يسلط الضوء على أهمية اتخاذ إجراءات فورية لفتح سبل مستقلة للمساءلة على المستوى الدولي للتصدي للإفلات من العقاب في اليمن وتمهيد الطريق نحو المساءلة والعدالة.

ثم استعرض محمد الصلوي، المدير التنفيذي لمواطنة، " الخرائط التفاعلية "، التي تعرض خارطة انتهاكات حقوق الإنسان، منذ بداية النزاع في اليمن، وتقدم احصائيات وبيانات دقيقة، حول ما يزيد عن (15) ألف و (500) واقعة من وقائع الانتهاكات التي وثقتها المنظمة، والتي طالت عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين.

كما تتيح الخرائط التفاعلية، خيارات البحث وفق مدخلات ومخرجات بحثية متعددة، بحسب الأنماط، الأطراف المنتهكة، التواريخ، الأماكن، والمواقع الجغرافية، وأعداد الضحايا من المدنيين، إضافة إلى جملة من المؤشرات الإحصائية ذات الصلة بعمل المنظمة على انتهاكات حقوق الإنسان.

وأعقب جلسة الخرائط التفاعلية، نقاش تفاعلي مفتوح، قُدمت خلاله مُداخلات من ناشطين، وناشطات، من عدن، تعز، حضرموت، شبوة، ومارب وغيرها.

حالة المجتمع المدني والحقوقي

في الجلسة، استعرض المدير التنفيذي لمواطنة محمد الصلوي حالة المجتمع المدني والحقوقي في اليمن.

وقال: "يمر العمل الإنساني والحقوقي والتنموي بمرحلة صعبة وخطيرة ولم يكن على المحك طيلة عشر سنوات من النزاع مثل ما هو عليه الآن، جميع العاملين في هذا الفضاء يتنفسون اليوم بصعوبة".

ووفق ما ذكره الصلوي، فإن أطراف النزاع المختلفة وللعام العاشر، ما زالت مستمرة في الانتهاكات ضد المدنيين والفضاء المدني، بعكس ما يبدو عليه الوضع من توقف للحرب، غير أن هناك ارتفاع في الانتهاكات المتعلقة بالفضاء المدني والحريات العامة خلال الأعوام الأخيرة بشكل ملموس، تنوعت بين احتجاز تعسفي وتهديدات وتقييد للحريات وإيقاف عمل المنظمات ومؤسسات المجتمع المدني.

وأشار الصلوي، إلى دراسة قامت بها مواطنة حول الفضاء المدني في اليمن خلال النزاع المسلح (2014- 2023)؛ شملت 70 منظمة مجتمع مدني نشطة خلال فترة النزاع المسلح تم اختيارها من تسع محافظات يمنية، وأفادت (94.3%) من المنظمات المحلية المشمولة بالدراسة عن تعرضها بصورة مباشرة لقيود أو إجراءات تعسفية أو انتهاكات وممارسات انتقامية عنيفة وصارخة من خارج القانون، في حين أفادت (57.1%) من المنظمات في العينة بعدم وجود أي نوع من آليات الحماية من الانتهاكات والقيود.

وأشارت الدراسة، إلى أهم التأثيرات التي طالت أداء المجتمع المدني، حيث أدت الممارسات القمعية إلى تأثيرات واسعة، بحسب (65.7%) من المنظمات المشمولة بالدراسة، شملت الممارسات القمعية، التوقف الإجباري لبعض المنظمات المحلية عن النشاط بصورة دائمة أو لفترة مؤقتة، وتقليص مستوى الأنشطة الميدانية، أو تنفيذ أنشطة منخفضة الفعالية تحت تأثير الرقابة التعسفية المباشرة.

فيما ركزت النقاشات التفاعلية المفتوحة، على أهمية توحيد جهود المجتمع المدني والدفع باتجاه إيقاف الحرب، وتوحيد الخطاب القانوني والحقوقي.

أصوات المناطق والفئات المهمشة وذوي الإعاقة

عبدالله أحمد باجري، مسؤول العلاقات الخارجية في الشبكة الوطنية لذوي الإعاقة في سيئون، التي تأسست في العام 2020، تحدث عن تصاعد الانتهاكات تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة حيث تم إحصاء نحو 4 مليون و 900 حالة لذوي الإعاقة، تنوعت بين بتر أطراف وإعاقة بصرية وإعاقة حركية وغيرها من الإعاقات.

ودعا باجري إلى ضرورة الالتفات إلى هذه الفئة التي يتجاهل الجميع ما يتعرضون له من انتهاكات، مشددًا على أهمية أن يتبنى مؤتمر "إرث البارود" هذه الفئة ولفت الانتباه لها وتسليط الضوء على ما تتعرض له من تهميش وتضييق، والعمل على رصد ما يتعرضون له من انتهاكات حيث تصاعدت بشكل ملحوظ خلال الفترة الأخيرة، أملًا أن تتوقف الانتهاكات والإعاقات.

عبدالرشيد الفقيه، نائب رئيسة منظمة "مواطنة"، أكد في هذا الجانب أن ما طرحه ممثل الشبكة الوطنية لذوي الإعاقة في سيئون، ستكون ضمن وثائق ومخرجات المؤتمر، وسيتم إيلاؤها العناية الواجبة، لافتًا إلى أن "مواطنة" ستضع في الاعتبار هذه الفئة من ذوي الإعاقة في برامجها و صدارة اهتماماتها خلال الفترة القادمة.

وكان أحمد الرميلي من أرخبيل سقطرى، قد أشار في مداخلة له إلى أن سقطرى منعزلة ويجب تسليط الضوء عليها بالرغم من أن الانتهاكات الإنسانية قد لا تكون كثيرة فيها مقارنة بالمحافظات الاخرى، لكنها انتهاكات مختلفة أهمها ما يحصل في الجانب البيئي والموروث الثقافي والتي تقوم به بالدرجة الأولى دولة الإمارات التي تنظم فعالية سنوية بحجة المحافظة على الموروث الثقافي السقطري لكن في مضمونها تجريف للموروث الثقافي السقطري.

عروض المنظمات الحقوقية لجانب من أعمالها

في جلسة أدارتها المحامية البارزة نبيلة المفتي، خُصصت لعرض أعمال عدد من المنظمات الحقوقية، قدم أكرم الشوافي رئيس منظمة رصد، وناصر الخليفي رئيس منظمة ضمير من شبوة، عروضاً عن أعمال المنظمات الحقوقية وواقع العمل الحقوقي الذي ينشطون فيه بصعوبة.

أعقب ذلك نقاش من المشاركين، تبادلوا وجهات النظر في هذا المضمار، ثم كلمة عبر الانترنت ألقتها رضوى نور، مسؤولة ملف حقوق الإنسان في مكتب مبعوث الأمم المتحدة في اليمن.

جلسات اليوم الثاني للمؤتمر

في اليوم الثاني، لمؤتمر إرث البارود، انعقدت ثلاث جلسات عمل، تولت خولة الرويشان، مديرة وحدة المساءلة والإنصاف، في مواطنة، إدارة وقائعها، حيث استهلت الجلسة الاولى بــ "تدشين دراسة الإصلاح المؤسسي لقطاعي الأمن والعدالة"، تولى أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء الدكتور هاني المغلس عرض وشرح المضامين الأساسية للدراسة، والتوصيات التي خرجت بها.

كما تم استعراض "فيلم مصير مبهم"، والذي قدم قصصاً مؤلمة، سردها أقارب بعض المختفين قسرياً، حيث تحدثت أم من تعز اختفى ولدها قسرياً في ظروف غامضة، منذ سنوات، ولم تعثر أسرته على أي إفادات بشأنه.

كما تحدث أب من عدن، غُيب ولده الشاب منذ سنوات ولم يعثر عليه ولا على أي معلومات عنه، وزوجة من تعز سردت وقائع اختفاء زوجها القسري بسبب خُطبه، فيما سردت قرينة الدكتور مصطفى المتوكل، الذي احتجز في نقطة الفلج عند مداخل مدينة مأرب واقتيد بسبب لقبه من فوق حافلة نقلة جماعي قبل سنوات وهو في طريق عودته إلى صنعاء، واختفت أخباره منذ ذلك التاريخ.

كما تناول الفيلم حالات من وقائع الاختفاء القسري، في مراحل صراع منتصف وأواخر السبعينات، مثل قصة الجنرال البارز علي قناف زهرة، الذي تولت ابنته سلوى البوح بالمآلات المأساوية التي حولت استقرار هذه الأسرة المدنية وحولت حياتها إلى جحيم وهي تبحث عن مصيره حيث لا تزال الآمال تراودهم بإمكانية عودته إليهم بعد أربعة عقود ونصف من الاختفاء القسري.

المدافعات والمدافعين الحقوقيين

وفي جلسة خاصة، ناقش المشاركون وضع المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان عقب تقديم عبدالملك جمعان عن منظمة وسطاء في الجوف، عرضاً موجزاً في هذا المضمار ضمن حالة عامة في مختلف محافظات اليمن .. تلا ذلك نقاشاً مفتوحاً، واستعرض المشاركون ايضاً فيلم "مصائد الموت" سلط الضوء على جانب من حياة عدد من ضحايا الألغام الأرضية، أعقبته جلسة حول تحديات العمل الميداني، بالإضافة إلى جلسة عرض ومناقشة مسودة (إعلان المستقبل اليمني)، حيث أكد المشاركون خلالها على أهمية بناء مؤسسات تمثل أصحاب المصلحة وتحمل هموم والآلام الضحايا، والثناء على هذه الفعالية النوعية الفريدة في اليمن بالظروف الصعبة التي تمر بها والتي يحتاج فيها الناس لمن يوحد الجهود والأصوات للدفاع عنهم.

منتدى العدالة الانتقالية

وفي واحدة من أهم جلسات مؤتمر (إرث البارود)، والتي خصصت لنقاش موضوع العدالة الانتقالية، تحدث حول هذا الجانب كل من عبدالرشيد الفقيه والدكتور حمود العودي والدكتور هاني المغلس، بالإضافة إلى عدد من المشاركات والمشاركين..

إلى جانب عرض حول منتدى العدالة الانتقالية، قدمته مديرة وحدة المساءلة  والإنصاف خولة الرويشان ركزت فيه على أن هذا الجانب يعد واحداً من أبرز عناوين المرحلة القادمة لمنظمة مواطنة لحقوق الإنسان، كمبادرة تسعى من خلالها المنظمة لخلق نقاشات فعالة بين شبكة واسعة من المؤسسات العاملة في مجال العدالة الانتقالية والخبراء ومنظمات المجتمع المدني، كاشفًة عن مسودة "إعلان المستقبل اليمني"، والذي يحتوي على جُملة من المواد التأسيسية، كأُطر موجهة للعمل على بناء مسارات عمليات لتعزيز واحترام سيادة القانون والمواطنة المتساوية والعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية.

واعتبر المشاركون والمشاركات، من مختلف مناطق اليمن، في مداخلاتهم، خلال جلسات المؤتمر، أن مؤتمر إرث البارود، يُعد أرفع فعالية تشهدها اليمن منذ ما يزيد على عشرة أعوام، عدى عن كونه أول اختراق لجدار التضييق والتقسيم الذي تمارسه جميع السلطات في البلاد، حيث ضم مشاركين من جميع المحافظات بما فيها المهرة وسقطرى، وطالبوا بعقد المزيد من المؤتمرات والفعاليات خلال الفترة المُقبلة، نظراً لأهميتها وتأثيرها الكبير.

ودعت المشاركات والمشاركون في المؤتمر، جماعة أنصار الله (الحوثيين)، إلى سرعة الإفراج عن جميع المحتجزات والمحتجزين، من موظفات وموظفي المنظمات الإنسانية والبعثات الدبلوماسية العاملة في اليمن، كما دعت المشاركات والمشاركين، كافة أطراف النزاع، إلى رفع كافة القيود على عمل مؤسسات المجتمع المدني، وإلى وضع حد للانتهاكات.

اختتام المؤتمر

في ختام أعمال المؤتمر، القى سفير الاتحاد الأوروبي لدى اليمن، غابرييل فينيالس ، كلمة هنأ فيها منظمة "مواطنة" والمشاركين على نجاح هذا المؤتمر ووصفهم بــ "الشجعان".

وقال: "إن حقوق الانسان والديمقراطية من أهم قيم الاتحاد الأوروبي تجاه الدول الأخرى"، مؤكداً على أن الاتحاد الأوروبي كان وسيظل شريكاً وصديقاً مقرباً من الشعب اليمني في سبيل دعم جهود السلام المبذولة وصولاً إلى السلام والتنمية المستدامة.

وأدان سفير الاتحاد الأوروبي كل حملات ووقائع الاعتقال التي طالت العديد من المدنيين ونشطاء المنظمات المدنية لاسيما تلك التي وقعت مؤخراً في شمال اليمن.

وأشاد سفير الاتحاد الأوروبي في اليمن، بعمل منظمة "مواطنة" التي ترتبط بشراكة وثقة واسعة مع الاتحاد الأوروبي لحماية المدنيين في اليمن، مؤكدًا على أن وضع حقوق الإنسان في اليمن لا يزال صعبًا ويمثل تحدياً كبيراً بالنظر إلى استمرار الانتهاكات للقانون الدولي الإنساني، مشيرًا إلى التطورات الأخيرة المؤسفة المتمثلة بالاعتقالات التي طالت العاملين في المنظمات الإنسانية شمالي اليمن، إضافة إلى التطورات الناتجة عن الوضع الحاصل في البحر الأحمر حيث زادت المصاعب والتعقيدات في مجال حقوق الإنسان، فضلاً عن عودة عملية تجنيد الأطفال التي كانت قد انخفضت بشكل ملحوظ خلال العامين الماضيين.

واختتمت رئيسة منظمة مواطنة رضية المتوكل، فعاليات مؤتمر "إرث البارود"، بشكر سفير الاتحاد الأوروبي على دعمه للحقوق والحريات، وعلى دعم الاتحاد الأوروبي لهذا المؤتمر، وكررت المطالبة بالإفراج عن المحتجزين من العاملين والعاملات في المنظمات المحلية والدولية بصنعاء، مؤكدة على سعي مواطنة المستمر بهذا الاتجاه.

وقالت المتوكل إن هذا المؤتمر انعقد في ظل حالات الرعب والتخويف " وانعقاده يمثل بحد ذاته رداً مناسباً لمواجهة الرعب والترهيب"، وكشفت عن تحديات كبيرة واجهتها ولا تزال تواجهها منظمة مواطنة أبرزها، الاعتقال والتهديد، بالإضافة إلى حملات التشويه الواسعة.

وقالت المتوكل، إنها تشعر بسعادة غامرة وهي ترى هذا التنوع الواسع والرائع من المشاركات والمشاركين القادمين من جميع مناطق اليمن، من صعدة إلى سقطرى.. مؤكدة بأن "قدرة مواطنة على عقد هذا المؤتمر بكل هذا التنوع ليس سحراً ولا شعوذة ولا سراً وإنما دليل على قوتها في الميدان في كل مناطق اليمن وجهاته"،  له علاقة بقوة ومصداقية واستقلاليه المنظمة وقدرتها على فرض نفسها على جميع أطراف النزاع.

وأشارت إلى أن منظمة مواطنة لا تنتمي سوى إلى اليمن الكبير، وإلى المواطنات والمواطنين، وأنها لا تعترف بالهويات القاتلة "اليمن جربت كل شيء، جربت القبلية، وجربت الإمامة وغيرها، ولا تستحق اليمن إلا دولة مدنية جامعة، يحكمها الدستور والقانون، دولة المواطنة بهوية واحدة، الوطن فقط"، وأكدت على رسوخ هذا الاعتقاد لدى غالبية عموم المواطنين العاديين الذين لا ينتمون سوى إلى هويتهم الجامعة.