الشقب: قرى منسية لا يتذكرها سوى الموت

أصوات مقذوفات، قذائف ورصاصات، صرخات استغاثة، ركض، دماء وأشلاء، ركض مرة أخرى، مستشفى ميداني بطبيب واحد، وسيارة دفع رباعي تجتاز الطريق الوعرة نحو مستشفيات المدينة. هكذا يعيش سكان قرى الشقب بمدينة تعز.

December 6, 2018
منطقة ثعبات، تعز، تاريخ التقاط الصورة ديسمبر/ كانون الأول 2016. للمصور: حسام القليعة
منطقة ثعبات، تعز، تاريخ التقاط الصورة ديسمبر/ كانون الأول 2016. للمصور: حسام القليعة

نورية الحسيني

كانت الشقب منطقة ريفية هادئة، ضمن مناطق مديرية صبر الموادم بمحافظة تعز. قراها تتناثر بين المدرجات الزراعية الشاهقة، ويتقاسم أهلها شظف العيش والبعد عن الخدمات الأساسية.

في مارس/ آذار 2015، اقتحمتها جماعة أنصار الله (الحوثيون)، فصارت المنطقة جبهة قتال بين مقاتلي الجماعة ومقاتلي المقاومة الشعبية المسنودين بوحدات عسكرية تابعة للجيش الموالي للرئيس هادي.

منذ بداية الحرب، سيطر مقاتلو أنصار الله (الحوثيون) على كامل جبل صبر، ولاحقاً توزعت السيطرة على المنطقة بينهم وبين مقاتلي المقاومة الشعبية ووحدات الجيش الموالي للرئيس هادي. تمركز مقاتلو الجماعة في: تبة الصالحين، أسفل تبة الصالحين، وادي الشرقي، قرية المشهوث، قرية حبور، نقيل الحَدّة. وبالمقابل، تمركز مقاتلو المقاومة الشعبية ووحدات الجيش الموالي للرئيس هادي في: تبّة دار مزعل، موقع الحصن، موقع السينة، وموقع العروس الذي يشكّل أعلى قمة في جبل صبر.

بفعل الاشتباكات المسلحة المستمرة، استحالت منطقة الشّقَب إلى قرى منكوبة تُمطر بالقذائف والرصاص وتُزرع شعابها بالألغام. كما أن سكانها باتوا يتشاركون مرارة النزوح والإخلاء القسري لمنازلهم.

إضافة لذلك، تعرض بعض سكان منطقة الشقب للاستهداف المباشر، والإجبار على ترك منازلهم من قبل مقاتلي جماعة أنصار الله (الحوثيين). يوسف عبدالغني ردمان (53 سنة- عامل)، كان أحد الذين أجبروا على ترك منازلهم بالقوة. يقول يوسف: “عند حوالي الساعة 9:30 مساء الثلاثاء 9 مايو/ 2017، قام الحوثيون باعتقالي بعد اقتحام منزلي في قرية الأُعيدان بمنطقة الشقب، وارغموني على كتابة تعهد بإخلاء منزلي والخروج منه أنا واسرتي. هددوني بتفجيره فوق رأسي إن بقيت بداخله. في صباح اليوم التالي خرجنا من منزلنا مرغمين، وحتى الآن أنا نازح في قرية النجادة. الحوثيون شرّدوا كل أُسَر قرية الأُعيدان ولا يوجد من يوقفهم”.

من تبقى في قرى الشقب ينهال الموت عليهم بلا هوادة؛ لا يكاد يمر يوم دون أن تُسمع في منطقة الشقب أصوات المقذوفات، قذائف ورصاصات، صرخات استغاثة، ركض، دماء وأشلاء، ركض مرة أخرى، مستشفى ميداني بطبيب واحد، وسيارة دفع رباعي تجتاز الطريق الوعرة نحو مستشفيات المدينة.

منذ سيطرتها على المنطقة، تتمركز قوات تابعة لجماعة أنصار الله (الحوثيين) في تبة الصالحين شرقاً، ما يجعل قرى ومزارع الشقب مكشوفة تماماً للقذائف والرصاص الحي.

في الوقائع التي رصدتها “مواطنة” لحقوق الإنسان، توزعت إصابات المدنيين بالرصاص الحي، في الرأس والقلب، وغالباً ما تركزت إصابات الضحايا في الأطراف، ثم تنهال الأعيرة النارية على من يحاول إسعافهم.

في تكثيف لحجم الكارثة، أصيب الطفل أحمد عبدالوهاب الفقيه (13سنة) مرتين؛ الأولى كانت في قريته- الشّرف بتاريخ 16 مارس/ أذار 2018، برصاصة مصدرها تبة الصالحين. أصابته الرصاصة مباشرة في الفخذ الأيمن، إضافة لشظايا رصاصة أخرى في الساق. في نفس اللحظة التي أصيب بها، هرعت حكيمة سعيد بن سعيد (35 سنة) لإسعافه، لكنها تلقت رصاصة نافذة في فخذها الأيمن أيضاً. تم إسعاف حكيمة وأحمد إلى مستشفى الصفوة بمدينة تعز، وأجريت لأحمد عملية جراحية لاستخراج الرصاصة من فخذه.

على إثر إصابته نزحت  عائلة أحمد إلى قرية النّجد المجاورة. وبعد ثلاثة أشهر من إصابته الأولى، خرج ليلعب مع أقرانه، فأصيب مجدداً بشظية قذيفة مدفعية في 21 يوليو/ تموز 2018. كانت الإصابة الثانية في رأسه، وقال شهود عيان إن مصدر القذيفة كان من جهة نقيل الحدّة- 500 متر شرق منطقة الشقب. أُسعف أحمد إلى المستشفى الميداني في المنطقة، ثم كان على سيارة الدفع الرباعي أن تجتاز الطريق الوعرة لإسعافه إلى مستشفى الصفوة بالمدينة.

لم تكن المنازل الفارغة بمأمن من النهب والتفجير، إذ قام مقاتلو جماعة أنصار الله “الحوثيون” بنهب عدد من المنازل، وتفجيرها باستخدام العبوات الناسفة، ما أدى إلى تدميرها وإلحاق أضرار كبيرة  بالمزارع القريبة منها، وإتلاف شبكة الكهرباء.

في الساعة 10:00 من ليل الاربعاء 1 أغسطس/ آب 2018، قامت جماعة أنصار الله (الحوثيون) المتمركزة في تبة الصالحين، بتفجير أحد المنازل في قرية الأُعيدان بعبوات ناسفة. في مقابلة مع “مواطنة”، يقول مالك المنزل علي عبدالله (45 سنة- عامل): “تسلل الحوثيون إلى القرية وهي شبه فارغة بسبب نزوح معظم الأهالي وقاموا بتفجير منزلي المكون من ثلاثة طوابق؛ بناء قديم من الحجر والأخشاب، فجّروه بكل ما فيه. جميع الناس في المنطقة متضررين؛ المنازل مدمرة والمزارع مدمرة، ولا أحد يستطيع العودة لمنزله أو العمل في مزرعته”.

ولم تقف التصرفات المروّعة لمسلحي أنصار الله (الحوثيين) عند هذا الحد، بل تضاعفت بإغلاق الطريق المؤدية من دمنة خدير إلى الشقب، ومنع إدخال المواد الغذائية والطبية. كما أغلقوا المنافذ الفرعية المؤدية إلى المنطقة من دمنة خدير.

شمل الحصار سبعة أودية تعتبر المصدر الرئيسي للدخل لأغلب سكان المنطقة: وادي الشرقي- وادي الفراحي- وادي المداحية- وادي المضابع- وادي المشهوث- وادي الحصن- وادي شقره. يتخوف المزارعون وملاك الأراضي من الاقتراب من المزارع

في الشقب، الكثير من القصص الإنسانية المؤلمة ضاعف من قسوتها انعدام البنى التحتية، سيما الطرق والخدمات الصحية. ونتيجة لذلك، يضطر الأهالي لإسعاف جرحاهم ومرضاهم إلى مدينة تعز عبر طرق شديدة الوعورة. وعلاوة على الكلفة الباهضة لإيجار السيارات، يتطلب الوصول إلى المدينة ثلاث ساعات، قد يموت الجرحى خلالها في الطريق.