حين عادت الغنم ولم يعد الراعي
اعتاد الطفل علي حامد (14 سنة)، وهو ثامن إخوته السبعة، على الانطلاق واللعب ورعي الأغنام كسائر أطفال قرية "الحضن" في ريف محافظة أبين. ورغم الظروف المعيشية الصعبة التي تكابدها معظم الأسر هناك، لم يكن علي يعدَم طريقةً لانتزاع سعادته من شظف الواقع.
في الساعة السابعة من صباح الأحد، 4 ديسمبر/ كانون الأول 2023، خرج علي كعادته لرعي الأغنام (وهي مصدر دخل عائلته الوحيد) في محيط قريته، متزوِّدًا بحقيبة من القماش، يحمل فيها الماء وبعض الخبز الجاف.
على غير سابق عادة، رافَقه والده إلى باب الدار مودِّعًا إياه لحظة مغادرته، وطفق يتعقّب ابنه بنظراته إلى أن تلاشى مع أغنامه في الأفق صوب المرعى، وكأنّ شعورًا داخله يخبره أنها المرة الأخيرة والوداع الأخير. أمه أيضًا فعلت الشيء نفسه للمرة الأولى؛ ودّعته إلى الباب كما فعل أبوه.
انطلق علي مع أغنامه ناحية المرعى، قرر هذه المرة أن يتّجه للرعي في منطقة "ثرة"، وهي واحدة من المناطق التي دارت فيها مواجهات بين عناصر جماعة أنصار الله (الحوثيين) وأنصار صالح من جهة، وقوات "المقاومة الجنوبية" من جهة أخرى، خلال الفترة (2015 – 2016)، وحين انفض الخصمان المتحاربان عن المكان، بقيت الألغام التي فخخوا بها المنطقة كامنةً تترصد ضحيتها من الأبرياء، خلال سعيهم لجلب الماء أو الحطب أو رعي الماشية.
في الساعة الثانية بعد ظهر يوم 4 ديسمبر/ كانون الأول 2023، بينما كان علي يمرح ويقفز بصبحة أغنامه في طريق عودته إلى منزله، داست قدمه على جسمٍ معدنيّ، فاندلعت منه كتلةٌ من اللهب مصحوبة بانفجارٍ حوَّل جسده إلى أشلاء؛ فارق الحياة على الفور. هرع الناس الذين سمعوا دويّ الانفجار لمعرفة ما حدث؛ وجدوا طفلًا برجلين مقطوعتين وجسدٍ ممزق، وإلى جواره خمس أغنامٍ مجندلة.
بعد التعرف عليه، قرّروا حمل ما تبقّى من جسده في بطانية وأخذه إلى منزل والده، الذي صدمه نبأ مصير ابنه وجثته -أو ما تبقى منها- فلم يغالب عبرته وأجهش باكيًا من الألم والصدمة من نهاية ابنه الموجعة.
أُدخِلَت الجثة إلى المنزل، ووُضِعَ الكفن على البطانية التي حُمل فيها، وغُسِلَ وجهه وأماكن معينة من جسده الذي استقرت الشظايا في معظمه، بينما كانت أمّه وأخواته يبكين بحسرة وهن يودّعنه إلى حيث لا رجعة.
تقول والدته: "إنّ خياله في كل ركن من أركان البيت؛ نتذكره ولن ننساه، كان شمعةً في حياتنا وانطفأَتْ، نبكي عليه كل يوم رغم أنه يعيش في قلوبنا".
ظلّتْ عينا أمه تدمعان في صمت، حين عادت الغنم ولم يعُد الراعي.