منى.. نازحة بلا أقدام

"توجهنا إلى أطراف تبة الزوم التي تتوفر بها الأشجار بكثرة لنرعى الأغنام ولنجمع الحطب منها. وبينما كنا نجمع الحطب هربت إحدى الأغنام لأعلى التبه فاضطررت إلى اللحاق بها. مررت بدرب عند منزل مهجور وما كدت أضع قدماي على الأرض حتى شعرت بنفسي أطير والدخان يملئ الأجواء....."

April 4, 2021

الأحد، 4 أبريل/ نيسان 2021

“لم أكن أعلم أن هذا اليوم سيغير مجرى حياتي للأسوأ وسيدمر حاضر ومستقبل أسرتي وسيجعلني معاقة”

، بهذه العبارة واجهتنا منى علي عبده سيف (48 سنة)، بعد إنفجار لغم بها، وهي في هضبة الزوم بقرية قهبان عزلة اليمن، مديرية مقبنة، غربي محافظة تعز.

في صباح الأحد 25 يناير/ كانون الثاني 2020، ودعت منى ولدها الشاب رقيب قبيل خروجها برفقة طفلتها الصغيرة سواهر لترعى الأغنام وتجمع الحطب برفقة نساء القرية كما هي عادتهن اليومية.

فقريتها الواقعة بمديرية مقبنة تخضع لحصار خانق من قبل جماعة أنصارالله (الحوثيين)، كما أن الخدمات منها الغاز المنزلي منعدم، ولذا يعتمدون على جلب الحطب في الطهي.

تقول منى: “توجهنا إلى أطراف تبة الزوم التي تتوفر بها الأشجار بكثرة لنرعى الأغنام ولنجمع الحطب منها. وبينما كنا نجمع الحطب هربت إحدى الأغنام لأعلى التبه فاضطررت إلى اللحاق بها. مررت بدرب عند منزل مهجور وما كدت أضع قدماي على الأرض حتى شعرت بنفسي أطير والدخان يملئ الأجواء. فقدت حينها الوعي ولم أفق إلا بعد يومين”.

وواصلت الضحية منى بالقول:

“حينما عاد لي الوعي كان كل همي الاطمئنان على طفلتي سواهر، التي كانت برفقتي. كنت أشعر بآلآم شديدة في الجزء السفلي من جسدي، لأدرك بعدها أنني مبتورة الساق الأيمن من أعلى الركبة والساق الأيسر من أسفل الركبة”. كانت منى أول ضحية مدنية بالمنطقة نتيجة الألغام التي زرعت من قبل جماعة أنصارالله (الحوثيين)، لكنها لم تكن الأخيرة.

وتضيف: “أتساءل ما الذنب الذي اقترفناه ونحن نعيش الحصار والخوف والرعب والموت والوضع المادي الصعب؟ أليس من حقنا الحياة الكريمة والآمنة؟”.

وتنقل الضحية عن النساء اللواتي كن برفقتها، وصفهن للواقعة.. فعند دوي الانفجار شاهدنها تطير عالياً، وعندما هرعهن إليها وجدنها شبه عارية نتيجة احتراق وتمزق ملابسها، وتغرق في بركة من الأشلاء والدماء. تمزق لحم فخذها من الخلف بالكامل وتناثرت قطع صغيرة من ساقها الأيمن الذي بتر من أعلى الركبة فيما  ساقها الأيسر مرمي على مسافة منها والذي بتر هو الآخر من تحت الركبة.

تواصل منى بالقول: “نعيش وضع مأساوي نحن أبناء الأرياف المحاصرة، فرغم نزوحي من قريتي بمنطقة المداهر قبل ثلاث سنوات من الواقعة بسبب الحرب ووصولي لهذه القرية للعيش مع أطفالي، إلا أنني لم أسلم من براثن الحرب”.

الآن، وبعد إصابة منى، زاد وضع الأسرة الاقتصادي تعقيداً. ففي ذلك الصباح لم تكن تعلم أنه آخر يوم لها تعتمد فيه على سيقانها في المشي، لم تكن تعرف أنها ستعود على محفة، حاملة معها إعاقة ستلزمها طوال حياتها، وكابوس لن يني يفارق مخيلتها.

واختتمت منى بالقول: “هذه الفاجعة لا تفارق مخيلتي ولن تنتهي إلا برحمة من الله عندما يقبض روحي”.