النساء سئمن كل هذا
بعد عشرات السنين من نضال اليمنيات لتمكينهن من حقوقهن، من العار أن تعيدهن الحرب إلى نقطة الصفر. وفيما يشهد العالم الثامن من مارس/ آذار، على أنه مناسبة لتعزيز دور المرأة في الحياة العامة، تتجلى أمامنا صورة قاتمة، لمستقبل النساء والفتيات في اليمن.
وكان الصراع الأخير، قد اندلع في الوقت الذي كانت فيه التشريعات الخاصة بالمرأة قد قطعت شوطًا لا بأس به، بالرغم من قصور المنظومة التنفيذية في تطبيق كثير منها. ولأن سقف التطلعات كان عاليًا، شاركت النساء بفعالية في الحياة العامة، وانخرطن في حملات إصلاح القوانين، وفي الاحتجاجات التي بلغت منتهاها في العام 2011، لكن لا أحد توقع حضيض هذه الحرب، وقدرتها الفعالة على تقويض حقوق الإنسان، وبالأخص حقوق النساء.
أتت الحرب وعلى طاولة النقاش مسودات قوانين حالت السياسة دون إقرارها، ومن ذلك حظر زواج الصغيرات، وتمكين المرأة من المشاركة الواسعة في الحياة العامة من خلال الانتخابات، إلى جانب حزمة من الإصلاحات القانونية والدستورية التي تم استيعابها في جلسات الحوار الوطني. صحيح إن كل ذلك لم يكن ليلبي الطموحات التي يضعها المجتمع المدني نصب عينيه، إلا أنها مثلت قفزة بالنظر إلى حالة النضال الطويل التي تمثلته آلاف اليمنيات في المدن والأرياف.
وبدلًا من أن تتوج كل هذه المساعي، بنيل المرأة كامل حقوقها، حرصت أطراف النزاع- وبالتحديد المكرور والممل- جماعة أنصارالله (الحوثيين)، على تصدير خطاب كراهية للمرأة ووجودها في الحياة العامة، يتكأ على الدين أحيانًا، وعلى العادات والتقاليد البالية، أحايين أخرى. وبالرغم من أن النساء، في الأغلب الأعم، تجنبن الانخراط في الحرب، أو لم يكن لهن دورًا بارزًا في إشعالها، إلا أن كل خطوة يخطوها المتحاربين باتجاه فرض سلطتهم على المجتمع، تقع فيه المرأة الضحية الأكبر.
لقد رأينا خلال ثمان سنوات من الحرب، كيف تم توجيه سهام الاتهام للنساء باعتبارهن مصدرًا للخطيئة، ومعرقلات لمسألة “النصر الإلهي”، واستخدم في ذلك منابر المساجد، والتي حثت من اسمتهم “أولياء الأمور” على منع النساء من التسوق، وخاصة في المحافظات الشمالية الطرفية.
تم عزل النساء بمبررات واهية مثل محاربة الاختلاط، ومنعهن أيضًا من السفر دون وجود محرم، واللواتي قدّر لهن الوصول، تعرضن لجملة من الاتهامات والتخوين والتشكيك في مقاصدهن. وفي محافظات تقع تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا، أو المجلس الانتقالي، رأينا أيضًا تعميمات تحمل ذات الصبغة الراديكالية المنغلقة، إلى جانب اعتقالات طالت نساء بسبب من مشاركتهن في العمل العام.
لباس المرأة هو الآخر أصبح محل تمحيص، ما لم يكن مفصلًا على مقاس أدمغة الحكّام الجدد. ولم يقف الأمر هنا، إذ أن استخراج أي وثيقة هوية أوسفر، يستلزم إحضار ولي أمر المرأة، ووصل الأمر بهذه الجماعات إلى الصحة الإنجابية وأدوات تنظيم النسل، ما فاقم من المشاكل الصحية للنساء.
ومؤخرًا انطلقت حملة ملصقات، في أسوار وزوايا الشوارع الحيوية في صنعاء، تحث النساء على الحجاب والحشمة، من أن المجتمع مُقدم على خطوات جديدة لتقويض وجود المرأة في الحياة العامة، إن لم يكن طمس كامل لصورتها في الوعي العام.
لكن هذا الأطراف والتي تفرض الوصاية، عادة ما تتجنب الحديث عن تأثير الحرب على النساء اليمنيات، وقد وقع على عاتقهن الثمن الأكبر، من فقدانهن لمعيلهن أو لأبنائهن، ويحملن بمفردهن التكلفة الباهظة للمعيشة. هناك المئات منهن في حالة انتظار لذويهن وراء القضبان، أو المختفين قسرًا بسبب هذا النزاع.
إن التدليس في كل هذا، يقوم مع محاولة تصوير الأطراف لممارساتها القمعية على أنها سلوك طبيعي، أو إظهار المجتمع اليمني، غير قابل للتطور، والانخراط في العصر. إن الاتكاء على منظومة القيم التقليدية، أو إصباغ القمع قيمة دينية، لا يعني بأي حال من الأحوال إكسابه شرعية من أي نوع. عوضًا عن كون التاريخ اليمني، وهو جزء فاعل في هذه الأزمة، دائمًا ما كان يلعب في صالح النساء، من العمل في الأرض جنبًا إلى جنب مع أخيها الرجل إلى تولي أعلى منصب في الدولة. كما أن تصوير المرأة على أنها كائن ضعيف أو غير كاملة الأهلية، يجعل التخلف لصيق القوى التي تنهج هذه القيم البالية، وليس المرأة المتطلعة إلى عيش متساو وكريم.
آن الوقت، للقول إن النساء سئمن كل هذا، وإن فرض القيم المتطرفة الجديدة بقوة الأمر الواقع، ليس منتهى النضال. أينما يكون هناك قمع أو مصادرة حق، فهناك دائمًا امرأة مناضلة جسورة، ومجتمع واعٍ ومنفتح يقف في صفها، في وجه كل الذين يحاولون تجريف حقوقها أو الحط من قيمتها.
كل عام والنساء اليمنيات وأسرهن بألف خير